توجد لدينا قاعدة بيانات إلكترونية تتيح لكل سياسي وصحفي ومتخصص، وأي مهتم، الحصول على أي تشريع، سواء كان دستوريا أم قانونيا. لكن من يتابع النقاشات السياسية، يلاحظ أن الأكثرية الساحقة لا تكلف نفسها مراجعة موسوعة التشريعات الأردنية. ويظل النقاش مرسلا، مبنيا على الانطباعات والأوهام والغرائز، وتضيع حقائق التاريخ والوقائع والمعلومات.ولعل من أسوأ النقاشات ما يخص قانون الجنسية الأردني. فالقانون الصادر العام 1954، كان نتيجة طبيعية لوحدة الضفتين، وهو يلغي التشريعات الأردنية والعثمانية والفلسطينية التي سبقته. فالفلسطينيون لم يكونوا "بدون"؛ فقد صدر قانون الجنسية الفلسطيني العام 1925، وتمتع الفلسطيني بجواز سفر قبل أن تنشأ كثير من دول المنطقة.بعد حرب 48، كان للدولة الأردنية حضور عسكري في أرض الضفة الغربية، ولم تكن أرضا أردنية ولا سكانها أردنيون؛ وكان من حق سكانها في ذلك الوقت أن يعلنوا دولتهم في حدود ما تبقى من فلسطين، ويتبع لها من تشرد من سكان فلسطين إلى لبنان وسورية والأردن. والذين لجؤوا كانوا يحملون جواز السفر الفلسطيني الصادر عن سلطة الانتداب.ما حصل ببساطة أن إرادة الدولة الإردنية يومها قررت أن تفرض واقع الوحدة، ووجدت قبولا واسعا ورضا بالأمر الواقع، ومعارضة محدودة. فهل كان من المعقول يومها أن تُضم القدس زهرة المدائن والضفة الغربية، ولا يعطى سكانها الجنسية، أي أن توحد الأرض دون السكان؟ يومها شكل الأردنيون من أصل فلسطيني ثلثا دولة الوحدة. وكان الفلسطيني يأمل بالعودة، ولا يتطلع لأي جنسية، سواء كانت أردنية أم خليجية.في هذا السياق يقرأ قانون الجنسية. كانت الدولة الأردنية تحاول أن تقنع الفلسطينيين أنها دولتهم على طريق التحرير، وكانت إسرائيل في القانون هي "الجزء المغصوب من فلسطين"؛ هل توجد مادة أجمل من هذه في القوانين الأردنية؟ لهذا يطالبون بإلغاء هذه المادة: "تعني كلمة (مغترب) كل عربي ولد في المملكة الأردنية الهاشمية أو في القسم المغصوب من فلسطين وهاجر من البلاد أو نزح عنها. كما تشمل هذه العبارة أولاد ذلك الشخص أينما ولدوا"، "كل من كان يحمل الجنسية الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15/5/1948 ويقيم عادة في المملكة الأردنية الهاشمية خلال المدة الواقعة ما بين 20/12/1949 لغاية 16/2/1954".إن العنصريين ينكرون واقعة وحدة الضفتين، تماما كما ينكرون واقعة فك الارتباط التي اقتصرت على من يقيم على أرض الضفة الغربية ولم تشمل غيرهم. ويريدون قانونا جديدا يفتح سؤال "من هو الأردني؟"، وبعدها يصنف الأردني إلى درجات؛ درجة لها حقوق سياسية، ودرجة "مستضافة" تقوم بأداء الخدمات الطبية والمصرفية والتجارية والتعليمية، وتمثل في مجلس الوزراء والنواب من قبيل "المحاصصة" لا أكثر.إن قانون الجنسية الأردني هو تتويج لأكثر مراحل التاريخ الأردني إشراقا، ومحاولة العبث فيه لن تغيره، لكنها تحدث تشويشا مؤذيا. إن الروح العنصرية الكريهة تفوح عند الحديث عن الجنسية أو قانون الانتخاب، وهذا ما يعطل أي إمكانية لإصلاح سياسي. لا يمكن للعنصريين أن يصلحوا