تلوح في الأفق مؤشّرات متزايدة على تآكل الدعم الإسرائيلي الداخلي لحرب غزّة، لا سيّما مع اتّساع نطاق الانتقادات من طيف سياسي واسع يمتدّ من اليسار إلى اليمين. هذا ما خلص إليه الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، بعد قضائه أسبوعاً في إسرائيل.
أبرز الإشارات:
إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق، اتّهم في "هآرتس" الحكومة الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب، وهاجم نتنياهو بشدة.
أميت هاليفي، عضو "الليكود" المؤيّد للحرب، وصفها بـ"الخدعة" واعتبر تنفيذها فاشلاً.
يائير غولان، زعيم تحالف ليبرالي، حذّر من أن إسرائيل في طريقها لتصبح دولة منبوذة، قائلاً: "الدولة العاقلة لا تقتل الأطفال من باب الهواية ولا تطرد السكان."
غضب داخلي: ليس لأسباب أخلاقية فقط
يرى فريدمان أنّ موجة الغضب الإسرائيلي ليست مدفوعة فقط بعدد الضحايا المدنيين في غزة، بل نتيجة الإنهاك العام للمجتمع: من حالات انتحار لا يُبلّغ عنها، إلى تفكّك العائلات، وانهيار الشركات، وانعدام أفق النصر.
مشاعر مشابهة في غزة
يشير الكاتب إلى وجود مشاعر مشابهة في القطاع. فقد أظهر استطلاع حديث أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أنّ 48% من سكان غزة أيّدوا التظاهرات المناهضة لـ"حماس". ويعتبر فريدمان أن القادة في الجانبين باتوا محاصَرين من شعوبهم.
تساؤلات حول "النصر" في غزة
ينتقد فريدمان إصرار حماس على عدم تسليم الرهائن ما لم تغادر إسرائيل غزة، متسائلاً: "أهذه هي النهاية المنتصرة؟ العودة إلى الوضع السابق في 6 تشرين الأول؟" ويصف قيادات حماس بأنهم "حمقى"، لأنهم أطلقوا "نهاية العالم على شعبهم"، لا على إسرائيل.
نتيجة غير متوقعة: تراجع نفوذ إيران
يرى فريدمان أن الحرب منحت نتنياهو ضوءاً أخضر لضرب "حزب الله" في لبنان وسوريا، ما أضعف قبضة إيران على المنطقة. ويقول: "الآن، لبنان وسوريا والعراق والسلطة الفلسطينية والسعودية باتوا أكثر استعداداً للتقارب مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقات أبراهام".
ولكن... نتنياهو يضيّع الفرصة
ورغم ما تحقّق من مكاسب أمنية، يرى فريدمان أن نتنياهو يرفض حصادها برفضه فتح طريق لحلّ الدولتين. وهو بذلك "يُضيّع فرصة تاريخية" لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة.
أزمة الديمقراطية: إسرائيل وأميركا
ينبّه فريدمان إلى أنّ إسرائيل تمرّ بأزمة ديمقراطية مشابهة لتلك التي تعيشها الولايات المتحدة، قائلاً إن نتنياهو وترامب يستخدمان الأسلوب نفسه لتقويض المؤسّسات الديمقراطية، عبر مهاجمة القضاء، واحتضان جماعات متطرّفة تبقيهم في الحكم.
ويضيف أن نتنياهو لم يعد اللاعب الحقيقي في إسرائيل، بل صار "بيدقاً" بيد التيارات الأرثوذكسية القومية التي ترى في حرب غزّة معركة دينية.
بين "القبيلة اليهودية" و"القبيلة الديمقراطية"
يعتقد فريدمان أنّ الانقسام الحقيقي في إسرائيل لم يعد سياسياً، بل هوياتي: بين من ينتمي إلى "القبيلة اليهودية" المتديّنة القومية، و"القبيلة الديمقراطية" التي تنتمي إلى الصهيونية العلمانية. ويرى أن "القبيلة اليهودية هي المنتصرة اليوم".
2026 عام الحسم
يختم فريدمان بأنّ عام 2026 سيكون مفصلياً: فنتنياهو قد يُجبر على خوض انتخابات عامة، وترامب سيواجه انتخابات تجديد نصفي. وبالنسبة للديمقراطيين في كلا البلدين، فإن المهمة الوحيدة هي: "التنظيم للفوز بالسلطة... فكلّ شيء معلق على ذلك."