مرّت 18 يوماً على واحدة من أبشع الجرائم التي استهدفت الطواقم الطبية في قطاع غزة منذ بدء العدوان: خمسة عشر مسعفاً من الهلال الأحمر الفلسطيني، والدفاع المدني، ووكالة الأونروا، ارتقوا أثناء تأدية واجبهم الإنساني في إنقاذ الجرحى بمنطقة تل السلطان في مدينة رفح.
في مساء الثالث والعشرين من مارس، كانت سيارات الإسعاف تشق طريقها وسط أنقاض الدمار، تسابق الزمن لنقل المصابين، تحمل إشارات طبية واضحة وتُضيء أضواء الطوارئ... رغم كل ذلك، تعرّضت لنيران كثيفة أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أسفر عن احتراق المركبات واحتجاز جثامين الطواقم الطبية تحتها.
الرواية الإسرائيلية الأولى زعمت أن "المركبات كانت مشبوهة ولا تحمل علامات طبية واضحة، وربما استُخدمت من قبل مسلحين". لكن هذه الذريعة لم تصمد طويلاً.
في 31 مارس، وبعد مرور ثمانية أيام على المجزرة، تسرّب مقطع مصوّر التقطه شهود محليون، كشف بوضوح أن المركبات المستهدفة كانت سيارات إسعاف شرعية تؤدي مهمات طبية بحتة. تحت ضغط هذا الدليل الدامغ، اضطرت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية للاعتراف بوقوع "خطأ في التقييم"، وأعلنت فتح تحقيق داخلي لم تُعلن نتائجه حتى اليوم.
أما المواقف العربية والدولية؟ فجاءت باهتة، لا ترقى لحجم الفاجعة. صدرت إدانات متفرقة وصفت ما حدث بأنه "انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني"، لكن لم يُتخذ أي إجراء عملي على الأرض.
ثمانية عشر يوماً مرت، ولا عدالة تحققت. دماء المسعفين لا تزال شاهدة، والعدسات تنقل صور الجريمة، بينما تتنازع دوائر السياسة: هل ما جرى "خطأ مأساوي"... أم جريمة حرب مكتملة الأركان؟
لكن الحقيقة راسخة: ما حدث هو مجزرة استهدفت من نذروا حياتهم لإنقاذ الآخرين، فإذا بهم يتحولون إلى جراح مفتوحة في ضمير العالم.
كابتن أسامة شقمان