اخبار البلد_ د. محمد أبو رمان: يرى مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن مارك لينش، أن الربيع العربي ناجم عن "تغيير بنيوي على المدى البعيد في المنطقة"، وليس مرحلة عابرة منتهية، إذ أسهمت البيئة الاتصالية الجديدة، الانترنت والفضائيات ووسائل الاتصال، بتغيير الثقافة الشعبية، وخلق تحولات عميقة وجذرية في طبيعة المشهد السياسي العربي.
ويضيف لينش، أن الثورات الحالية خلقت هوية عربية موحدة جديدة، فـ"اليمنيون كانوا يرون أنفسهم فيما يحدث في مصر. الشعارات الشعبية في الشوارع العربية هي نفسها والمشاعر ذاتها. الشعب يريد إسقاط النظام، فالمظاهرات والشعارات أعادت توحيد الشعوب العربية".
وفي الوقت الذي يرى أن "الحرب الأهلية قد بدأت فعلاً في سورية"، يستبعد لينش أي تدخل عسكري حاليا هناك، فبالرغم من وجو تيار أميركي يدفع إلى ذلك، إلاّ أن الحكومة والمؤسسة العسكرية يعرفون إن امكانيات ذلك محدودة، فيما يصف الحديث عن المناطق العازلة في تركيا والأردن بأنها "مجرد كلام".
ويبدي احباطه من عملية السلام، ويرى أن الرئيس أوباما يشعر أنه قد حاول وفشل في الوصول إلى تسوية، وقد دفع ثمن ذلك بلا أي مردود. أمّا بخصوص إيران فيعتقد أنّ رهان واشنطن هو على الضغوط والعقوبات، بينما يميل الطرف الإسرائيلي إلى توجيه ضربة عسكرية.
يرفض لينش، وهو أحد أبرز الدارسين الأميركيين للحركات الإسلامية، القول إن هنالك صفقة مع الإسلاميين، لكنه يقر بأن "السياسة الأميركية أصبحت أكثر واقعية، فإذا حدثت انتخابات سينجح الإسلاميون، وإذا أردنا ديمقراطية يجب أن نفكّر في التعامل مع الإسلاميين".
ويقارن بين المغرب والأردن، ويرى أنّ الحكم هناك نجح في تغيير المناخ العام والسياسة، "بالرغم من أنّ الأمور لم تكن مثالية، لكن أفضل كثيراً من الأردن".
وبرغم أنّ الساسة الأميركيين يشعرون بالارتياح لوضع الأردن، فإنّ لينش يبدي قلقه؛ فالأردن يواجه تحديات كبيرة، تتمثل في أنّ "الإصلاحات السياسية محدودة جداً، وتغيير الحكومات لم يؤدّ إلى تغيير السياسات. الظروف الاقتصادية سيئة جداً، وهذه حالة مستمرة. لا أعتقد أن النخبة السياسية تفهم مدى المشكلة وعمقها، ويبدو لي أنّ هناك فجوة واسعة تزداد بين الشارع والنخبة الرسمية".
وفيما يلي نص الحوار:
• في كتابك الجديد "الانتفاضات العربية: ثورات غير منتهية في الشرق الأوسط الجديد" وصفت الثورات العربية بأنها "غير منتهية"، ماذا قصدت بذلك؟
- أعتقد أن المنطقة العربية في بداية التغيير، وهي عملية طويلة في المدة، بدأت من التغير الاجتماعي، فهنالك جيل جديد من الشباب، من الطبقة الوسطى ومن كل المواطنين.
في البداية، عندما شاهد الغرب الثورتين التونسية والمصرية كانوا يفكرون بأن ما يحدث هو تحول سريع جداً، وأننا أمام ثورة فقط لثمانية أيام في هذه الدول. هذا تصور خاطئ، فالنتيجة كانت سريعة في مصر وتونس، لكن هذا التغيير بنيوي على المدى البعيد في المنطقة. فلدينا بيئة تواصلية جديدة، مثلاً الإنترنت، الفضائيات، والجزيرة والصحافة، وكل هذا تغير منذ عشرة أعوام تقريباً، والمواطنون (بشكل عام) يهتمون اليوم بصورة أكبر بالسياسة والاقتصاد والفساد وكل المشكلات.
أغلب الناس كانوا محبطين في العقود الأخيرة بصورة كبيرة، وقامت مظاهرات ومحاولات كثيرة للتغيير السياسي، لكن ذلك كله كان فاشلاً، مثلاً في مصر تتذكر حركة كفاية و6 ابريل، كيف حاولوا إحداث التغيير المطلوب، ولم ينجحوا. الآن نحن في عصر جديد، ما نزال في بداياته، وعلى مرمى تغيير عام.
• كنت من أول المنظّرين لما يسمى بالمجال الشعبي الجديد في العالم العربي، ومنذ أعوام وأنت تراهن على هذا المجال بأن يخلق تغييرات خارج السياق التقليدي، وهو ما ثبتت دقته اليوم مع الثورات الديمقراطية العربية، فهل كنت تتوقع ما حدث؟
- كل الحكومات العربية كانت تدير شؤون الحكم بدون مشاركة حقيقية، لا يحترمون المواطنين. المواطنون هم موضوعات للحكم، وليسوا مشاركين فيه. خلال العقد الماضي ازداد الفرق بين الحاكم والمحكوم بصورة شديدة. المواطنون كانت لديهم معلومات وتوقعات، لكن في الوقت نفسه، النظم أصبحت في الآونة الأخيرة أكثر انغلاقا، وازدادت الفجوة بين الحاكم والمحكوم، وتجذر فرق الطبقات بين الغني والفقير.
شاهدت أكثر المناقشات عن الفساد ورصدت حجم التغير في الآونة الأخيرة ليس لدى النخبة بل من أغلب المواطنين، أي المجال الشعبي العام. أصبح الواقع في الأعوام الأخيرة غير مقبول لأي أحد، ولم يكن هنالك مخرج ضمن الديناميكات القائمة، فالانتخابات لم تكن تغير. يتغير رئيس الوزراء ولا شيء يتغير، هذا خلق إحباطاً كبيراً لدى الشارع، وأعتقد أن الثورة التونسية كانت نقطة تحول في العالم العربي كله، وخلقت صدىً كبيراً، إذ كانت تمثل فرصة للتغيير. قبل الثورة التونسية، رأيت كثيراً من الناس في العالم العربي، بلا أمل محبطين، وبعد تونس كل شيء يمكن أن يتغير، كل شيء ممكن.
الثورات العربية خلقت معاني جديدة للهوية العربية الواحدة، فالمواطنون في اليمن والأردن وسورية شاهدوا الثورتين التونسية والمصرية، وفتحتا لهم الباب واسعاً للتفكير في إمكانيات التغيير الموجودة. اليمنيون كانوا يرون أنفسهم فيما يحدث في مصر. الشعارات الشعبية في الشوارع العربية، هي نفسها والمشاعر ذاتها، "الشعب يريد إسقاط النظام"، فالمظاهرات والشعارات أعادت توحيد الشعوب العربية في النصف الأول من عام 2011.
بعد ذلك قامت النظم بالرد والاستجابة لهذا التحول الكبير في المجال الشعبي العام، كل نظام على طريقته. مثلاً في المغرب أقر الدستور الجديد، وجرت الانتخابات وجاءت حكومة جديدة عبر البرلمان. أما في الخليج، فالاستجابة كانت بصرف أموال كبيرة إضافية للمواطنين، في سورية الحل كان بالقمع. في حين أعتقد أنّ البحرين كانت نقطة تحول في مسار الثورات العربية، عندما دخلت قوات الدرع الخليجية، قبل ذلك كان كل شيء ممكنا، ومحتملا، بعد ذلك حدث تفريق الصحوة العربية الجديدة، وعملية تفكيك للوحدة الجديدة في توقعات الشعوب ومطالبها. الآن يبدو لي أن التيارات المتعاكسة في صراع، تيار التوحيد من الشعوب في مقابله تيار التفريق من النظم.
المرحلة التالية اتسمت بالعنف، فالثورات الأصلية، التونسية والمصرية، وفي كل مكان في البداية كانت سلمية بلا عنف. لكن في ليبيا ثم في سورية، تغير الصراع إلى حروب أهلية، في ليبيا التدخل الغربي، وفي سورية تساؤلات عن التدخل الأجنبي. تغير كل شيء مع دخول العنف على المشهد السياسي ومسار الثورات. بالتأكيد المسؤول عن العنف ومصدره هو 100% النظم وليست الشعوب. كان تحدي سلمية التغيير من الشعوب والعنف هو الرد من النظم، ليس جميعها بالطبع.
• هذا يقودنا إلى المشهد السوري، والحديث هنا في واشنطن عن "سيناريو التدخل العسكري" وهواجس اليوم التالي لسقوط النظام ونذر الحرب الأهلية، كيف تقرأ المرحلة القادمة في سورية؟
- أعتقد أن سورية في حرب أهلية الآن، ليس في المستقبل. لكن لا أتوقع أي تدخل أميركي عسكري، أو ممكن في المستقبل القريب. إلى الآن لا تريد أميركا أو الدول الغربية الأخرى أن تتدخل عسكرياً، بالنسبة لي هذا توجه جيد، لأنني ضد التدخل العسكري، وكان هنالك حوار عام في أميركا وأوروبا، وهنالك داعمون لهذا الخيار، مثل جان ماكين وكثير من المثقفين، يرون أنّ التدخل العسكري ضروري وملحّ، وهم يقولون إن أميركا تتدخل عسكرياً لسببين؛ الأول لحماية المدنيين والشعب السوري. الثاني لأنّ نظام بشار الأسد عدو، وحليف إيراني.
أما في الإدارة الأميركية (البيت الأبيض) ووزارة الخارجية، وفي البنتاغون، ومراكز التفكير، فيفهمون أن الإمكانيات محدودة لتدخل عسكري ناجح. المعارضة السورية ضعيفة مفككة، ويختلف الوضع عن ليبيا، كان هنالك معارضة واحدة، تسيطر على أرض، ومجتمع دولي موحد، وقرارات مجلس أمن. أما في سورية فليس ممكناً أن يتم التدخل العسكري، ولا قصف جوي، أو مناطق آمنة، لا يوجد أي إمكانيات حقيقية وبراغماتية للتدخل، فهي محدودة، لذلك لا تريد أميركا او فرنسا أو بريطانيا التدخل العسكري.
• لكنهم يتحدثون عن المناطق الآمنة؟
- مجرد كلام، في الوقت نفسه يعتقدون أن بشار الأسد فقد الشرعية، ويجب أن يتغير النظام إلى الديمقراطية. الرهان ما يزال هنا على الدبلوماسية، ضغوط سياسية ومهمة كوفي عنان، والأمل معقود أنه بعد تدهور الاقتصاد وبعد كل القتل سيختار الشعب السوري بنفسه أن يرحل بشار الأسد، لكن هنالك خوفا حقيقيا في واشنطن من الحرب الأهلية والفوضى، لذلك يريدون هذا الطريق الوسطى، إسقاطه داخلياً. لا أحد يريد احتلالا أميركيا لسورية، ولا توجد خيارات عسكرية.
• هنالك حديث اليوم في واشنطن عن احتمالات ضربة إسرائيلية لإيران، وقد طغى هذا الموضوع على التغطية الإعلامية لزيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لواشطن ولقائه الرئيس أوباما؟
إن شاء الله لا. فلا أظن أننا نريد أي حرب مع إيران، وهنالك مخاوف وشكوك من أي تدخل عسكري أو خيارات شبيهة، لكن في اميركا، المشكلة تكمن بأنّ واشنطن لا تعرف عن خطط إسرائيل. والسؤال هو عن إسرائيل بدرجة أساسية، ومدى إمكانية أن تختار ضرب إيران، لذلك هنالك مناقشات مكثفة ومستمرة على المستويات العليا بين واشنطن وإسرائيل حول هذا الموضوع.
إسرائيل ربما تفضل أن تقوم واشنطن بشن الهجوم، واشنطن رفضت، بينما تحاول أن تسيطر على السياسة الإسرائيلية، لكن هذا صعب جداً، في الوقت نفسه إدارة أوباما لديها معارضة شديدة للقنبلة النووية الإيرانية، فكل المناقشات الاستراتيجية تدور في الإجابة عن سؤال: كيف نتعامل مع البرنامج النووي الإيراني. في اميركا الجواب في العقوبات، وممكن في المفاوضات، وضغوط، لكن ليست حربا.
• تراهن أوساط دبلوماسية عربية على دور فعّال للإدارة الأميركية بعد الانتخابات المقبلة الوشيكة، بخاصة إذا تم إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما، على تحريك مفاوضات التسوية، والضغط بهذا الاتجاه، هل تؤيد هذه القراءة؟
- إدارة أوباما تعتقد أنّ الرئيس قد دفع الثمن لمحاولاته في الفترة الأولى بدون أي مقابل، هو حاول وفشل. أنا شخصياً ليس لدي أمل في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، إذ لا توجد أي إمكانيات للسلام في هذه الظروف. لكن لا أحد في واشنطن أو إسرائيل أو في العالم العربي، يريد أن يفكر بهذه الواقعية!
يبدو لي أن عملية السلام ماتت قبل أعوام، والآن، بعد الانتخابات فيما إذا كان أوباما أو روني لن يتغير شيء. أوباما أكثر اهتماما بالسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكثر قدرة على التواصل والفعل، لكنني أعتقد أنه لا توجد إمكانيات لتحقيق ذلك. هذا ليس بسبب واشنطن بل رام الله وغزة وتل آبيب. الإسرائيليون ليس لديهم اهتمام بالسلام، لا يريدونه، والفلسطينيون ليس لديهم إمكانيات للسلام، وأميركا لا تستطيع تغيير ذلك.
• يلاحظ المراقبون تغيراً في المقاربة الأميركية تجاه الإسلام السياسي في المنطقة، مع الربيع الديمقراطي العربي، بل يصل بعض السياسيين العرب إلى الحديث عن "صفقة" بين أميركا والإسلاميين، بوصفك أحد الباحثين الرئيسين في واشنطن في قضايا الإسلام السياسي والشرق الأوسط، ومقربا حالياً من المستشارين الكبار للرئيس أوباما، هل هنالك تحولات كبرى في هذه العلاقة؟
- لا يوجد أي تحالف أو صفقة بين أميركا والإسلاميين. هذا غير صحيح. لكن هنالك تغيرا حقيقيا في أسلوب التفكير تجاه الإسلاميين، بدأ هذا التحول في الأعوام الأخيرة من إدارة بوش واستمر مع إدارة أوباما. فبعد أحداث 11/ 9 كان تعامل السياسة الأميركية مع الإسلاميين كقوى موحدة بدون فروق أو اختلافات نوعية فيما بينهم، القاعدة كالإخوان المسلمين. لذلك استهدفت إدارة بوش بالخطاب والفعل الإسلاميين بصورة عامة، وحاولت تهميشهم أو مصارعتهم.
بعد ذلك أصبح التفكير في الإسلاميين أكثر واقعية ومنطقية، وبدأ الأميركيون يفهمون الاختلافات بين التيارات الإسلامية والفروق بينهم، وأعتقد أن العراق كان مهماً جداً في ترسيم هذا التحول الأميركي. ففي 2007، مع الصحوات العراقية، بدأ التحالف مع قوى إسلامية، قبل ذلك كان العدو في العراق هو القاعدة والإسلاميين (كل القوى الإسلامية السنية)، بعد الصحوات حدثت تحالفات مع الإسلاميين.
لدى العسكريين والأمنيين، تغيرت الأفكار عن الإسلاميين، هم يفهمون اليوم الاختلافات الواقعية وبفعالية. بعد عام 2007 أصبحت سياسات الإدارة الأميركية الاستراتيجية بالنسبة للإسلاميين، تتمثل في تمزيقهم والتمييز بينهم، تتعاون مع الوسطيين وتُهمّش المتشددين.
لاحظ أن الرئيس أوباما لا يتحدث عن الحرب على الإرهاب، بل قدّم مقاربة جديدة في خطاب القاهرة وما بعده، فهو يحاول التواصل مع المسلمين والإسلاميين الوسطيين، أكثر من بوش، وأوباما يقبل النجاح الانتخابي للإخوان المسلمين، لكن في الوقت نفسه يقول بوضوح: يجب أن يحترم الإسلاميون حقوق الإنسان والمرأة والأقليات.
لا يوجد تحالف أو صفقة، لكن السياسة الأميركية أصبحت أكثر واقعية، فإذا حدثت انتخابات سينجح الإسلاميون، وإذا أردنا ديمقراطية يجب أن نفكّر في التعامل مع الإسلاميين.
• كنت من الباحثين القلائل، مع زميلك ناثان براون تتحدثون منذ أعوام عن التحولات في خطاب الإسلاميين، نحو القبول أكبر بالديمقراطية والإصلاح السياسي، ضد "الصورة النمطية" عنهم في مراكز التفكير في واشنطن. اليوم والإسلاميون في موقع السلطة والقرار في دول عربية، هل تعتقد أنّهم سيلتزمون بهذا الخط الفكري والسياسي؟
- تغيرت الظروف، لا نعرف، هنالك فرق مهم جداً بين الليبرالية والديمقراطية، لم أقل أن الإسلاميين هم ليبراليون، قلت إنهم ديمقراطيون، وهذا اختلاف مهم جداً.
أعتقد أن الإسلاميين في هذه الفترة لم يفعلوا أي شيء، يقول لي أنهم ليسوا ديمقراطيين، شاركوا في الانتخابات وكتابة الدساتير، هم سياسيون وجزء من المجتمع، وهذا شيء عادي.
لكن ليسوا ليبراليين، لذلك يجب أن يختاروا كيف يستعملون السلطة، أعتقد أن في كل دولة وبلد سنرى اختيارات مختلفة. في تونس يختلف المشهد عن مصر، وكذلك حال الحزب الجديد في لييبا أو حزب الإصلاح في اليمن، كل له ظروف مختلفة، وشخصيات مختلفة، أنا لا أتوقع موقفا إسلاميا موحدا في الفترة المقبلة.
الامتحان سيكون الدستور، أي كتابة الدساتير، فيما إذا كان الإسلاميون سيقبلون حقوق الإنسان والأقليات، وكيف يفكرون في مكانة الشريعة من النص الدستوري والنظام السياسي. فهنالك فرق كبير بين موقع السلطة والمعارضة، فالأخيرة سهلة والأولى صعبة.
سيواجه الإسلاميون - في الفترة المقبلة - مشكلات كبيرة، بسبب التنافس الانتخابي والسياسي داخل الوسط الإسلامي نفسه. إخوان مصر لديهم منافسون من السلفيين وحزب الوسط، سيكون الأمر صعبا جداً لهم، وسيناريوهات المنافسة والتحالف والتمزق ممكنة، وهذا مشهد جميل لدارسي العلوم السياسية.
• ماذا عن السلفيين، ما هي ردود الفعل الأولية في واشنطن والعواصم الغربية على تحولهم نحو العمل السياسي في مصر ودخولهم على خط المشهد العربي الجديد؟
- أوساط الباحثين في واشنطن لم تقرأ عن السلفيين ولا تعرف من هم، ولم تقابلهم، بعكس حالة الإخوان المسلمين، إذ اشتغل الباحثون والخبراء الأميركيون في الأعوام العشرة الماضية على دراستهم ومعرفتهم.
القراءة الحالية، لدى مراكز البحث الأميركية، ما تزال سطحية وقاصرة، تربطهم بما تعتبره تشدداً أو مواقف متطرفة تجاه المرأة والديمقراطية والغرب، فيما ينقسم الباحثون تجاه انخراط السلفيين في مصر باللعبة السياسية إلى اتجاهين؛ الأول، ينظر إليهم من زاوية واحدة، وهي أنهم متشددون مثل القاعدة، وأنّهم خطر على العملية الديمقراطية. أما الثاني، فيرى الوجه الآخر من العملة، بذريعة أن دخولهم المشهد السياسي، سيغير من أفكارهم ويطورها ويعزز الاعتدال والواقعية لديهم، كما حدث قبلهم مع جماعة الإخوان المسلمين.
• دعنا نتحدث عن الأردن الآن، وأنت من الباحثين المتابعين بعمق لتطورات المشهد السياسي الأردني، وعشت في عمّان أعواما. كيف ينظر المسؤولون والباحثون إلى "اللحظة الراهنة"؟ هل هنالك قلق على الاستقرار السياسي في الأردن؟
- لا يوجد قلق شديد على الأردن في منظور السياسة الخارجية لواشنطن، ربما هم يفهمون الأردن بوصفه دولة مستقرة، فيها إصلاح سياسي، وعلاقة ودية مع الملك شخصياً. لدي أنا قلق كبير! فالأردن يواجه تحديات أكثر من السابق، بالمقارنة مع المغرب، الأمور هناك ليست 100 %، لكن قاموا بإعداد دستور جديد، انتخابات نزيهة، وحكومة جديدة. نجح الحكم هناك بتغيير المناخ العام والسياسة. بالرغم من أنّ الأمور لم تكن مثالية، لكنها أفضل كثيراً من الأردن.
لم أزر الأردن منذ الربيع العربي. يبدو لي أنّ هنالك كثيراً من المظاهرات في الجنوب والمدن الأخرى، والإصلاحات السياسية محدودة جداً، وتغيير الحكومات لم يؤد إلى تغيير السياسات. الظروف الاقتصادية سيئة جداً، وهذه حالة مستمرة، لا أعتقد أن النخبة السياسية تفهم مدى المشكلة وعمقها، ويبدو لي أنّ هناك فجوة واسعة تزداد بين الشارع والنخبة الرسمية، لذلك أنا قلق جداً، أحب الأردن، سمعت كثيراً من الشكاوى من أصدقائي، لكن لم أشاهد تغييرات سياسية حقيقية.