إحدى المعضلات الحقيقية في الأردن، أنه بلد صغير، محاط بعدة دول إما اقوى منه عسكرياً أو اغنى منه اقتصاديا ومالياً، وقدره أن يتأثر بالصراعات العسكرية التي تدور في جواره وأن يتأثر ايضاً بالاضطرابات الاقتصادية التي تصيب المنطقة وبخاصة تلك التي تؤثر على دول النفط الغنية من حوله، ولا يخفى ان ثلث دخل الأردن يذهب لفاتورة النفط وأن أوضاعه الاقتصادية مرتبطة باستقرار وازدهار جواره.
اما عناصر قوة الأردن الذاتية فهي ذات بعد انساني ومعنوي، فقوته الحقيقية تكمن في تميز طاقاته البشرية ووفرتها وتنوعها، فهي السلعة الأهم في صادراته وجسره الحقيقي مع جواره العربي، وهي في بعدها الحقيقي خبرات فنية ومهنية وعسكرية، تحتاجها بعض دول الجوار كعنصر مهم في نهضتها، ولها مردود اقتصادي واجتماعي وسياسي مهم بالنسبة للأردن.
أما عنصر القوة الذي لا يقل اهمية فهو عامل الاعتدال الذي ميّز قيادته ودولته وسياساته وقدرته على الإبحار في أمواج المنطقة المتلاطمة وهباتها المفاجئة التي تنعكس عليه بأزمات عربية حيناً وأزمات اقتصادية وحروب مفاجئة حيناً آخر وتضطره الى اتخاذ مواقف صعبة تفرضها عليه ازمات المنطقة وغالباً ما تكون باهظة الثمن.
ومن عناصر قوة الأردن ما أدى اليه اعتدال قيادته وسياسته وطبيعة شعبه من استقرار راسخ طويل الأمد يحسده عليه جواره الأمر الذي جعله ملاذاً للعرب الهاربين من الأوضاع الصعبة في المحيط العربي، على اختلاف مشاربهم السياسية، وكان اعتدال الأردن ايضاً من اهم عناصر وحدته الوطنية ووضعه الداخلي.
لقد كان الأردن دائماً المفصل الذي يمتص ارتدادات الهزات التي تصيب المنطقة وكان نصيبه من مشاكل المنطقة وارتدادات أزماتها أكبر من نصيبه من ثرواتها رغم التزامه الثابت بجميع قضايا امته.
ولا يختلف الأمر في الربيع العربي الحالي الذي انعكس بفورة أصابت اوضاع الأردن الداخلية وتجلت في حراكات عديدة عكس بعضها هموماً داخلية وافتعل بعضها الآخر لغايات وأجندات سياسية يعتقد من ورائها ان الفرصة سانحة لهم ليأخذوا حصة الأسد في المعادلة السياسية الأردنية وان يجعلوا من عدم استقرار الوضع الداخلي الأردني ورقة ضغط على الدولة الأردنية، لتعظيم مكاسبهم السياسية، وكأنهم يقامرون بميزة الأردن، الاعتدال والاستقرار، ليضمنوا وصولاً سريعاً للسلطة.
ومن يدفعون بهذا الاتجاه ويركبون مركب التصعيد يعتقدون ان القوى الاجتماعية الأكبر حجماً في الساحة الأردنية، أقل وزناً وتأثيراً لانها اقل تنظيماً، وهذه إحدى نقاط الضعف في نظامنا الأردني، لانه اهمل تنظيم الساحة الاجتماعية الأهم والأوسع في المجتمع الأردني وتعامل معها دائماً باسلوب الفزعة ليتم تحريكها عند الضرورة بدل ان تكون عنصر قوته وقاعدته المنظمة.
هناك من يراهن على ضرب عناصر قوة الأردن الذاتية، الاستقرار والوحدة الوطنية والاعتدال الوطني، ويزعجه ان القيادة الاردنية والدولة واجهزتها قادرة على التعامل الصبور والناعم القادر على التكيف مع مرحلة قلقة يستخدم فيها الاستفزاز السياسي وبعض اشكال العنف لزج البلاد في ازمات طالما تجنبها الأردن حرصاً على سلامة الأردن وشعبه.
فالألسن الطويلة التي يخالطها بعض اعمال العنف المتعمد والتي تتجاوز عنها الدولة أحياناً ليست دلالة على ضعف النظام السياسي والدولة ولكن دلالة على قوة التحكم في هذه المرحلة القلقة ولنزع حجج من يراهنون على ظاهرة تفاقم العنف في المنقطة، فالرهان في الدولة الأردنية قائم على الاصلاح الآمن والمتدرج الذي يعزز الأمن الوطني مع عدم استنفاذ اعتدال دولتنا الذي يشكل ميزتنا الوطنية كما يشكل ضمانة لحفظ حقوق ودماء وكرامة ابناء وطننا ولتجنيبهم تيارات التطرف التي تستهدف الأمن والاستقرار.
السؤال لمصلحة من يُراهَن على استهداف عناصر قوتنا الداخلية واستقرار بلدنا، ممن يبتدعون الأسباب لتأزيم الموقف الداخلي، تحت عنوان الإصلاح الذي لم تُغلق الدولة أبوابه، أما الحل للخروج من تداعيات هذه المرحلة فيكمن في تعزيز حضور شعبنا بأكثريته الاجتماعية في المشهد الوطني ليقول كلمته ويعبر عن ارادته بما يحفظ حقوقه ودولته ونظامه ويحقق الاصلاح الذي يقود الدولة لبر الأمان ولا يتحقق ذلك إلا بشعب قادر على تنظيم نفسه في اطر تعبر عن ارادته الحقيقية وتفرض حضوره في المشهد السياسي والاجتماعي حتى لا يُخطف دوره او يهمش خلافاً لإرادته.
نصوح المجالي