أخبار البلد - لا أعتقد أن الأمم المتحدة منذ إنشائها شهدت سنة صعبة من جميع النواحي السياسية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية مثلما شهدته خلال عام 2024. وإذا ما أردت أن أعطي عنوانا لأبرز الكوارث التي عجزت الأمم المتحدة عن حلها لقلت بلا تردد: «حرب الإبادة في غزة». شكلت حرب الإبادة تلك تحديا صارخا للمجتمع الدولي والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والنتيجة كانت فشلا «عمليا» على كل المستويات رغم القرارات والبيانات والمناشدات والمؤتمرات والتقارير والمؤتمرات الصحافية والوثائق والفيديوهات.
لكن مأساة غزة وتوابعها في الضفة الغربية المحتلة ولبنان وإيران لم تكن الأزمة الوحيدة الكبرى التي واجهتها الأمم المتحدة بل إن هناك أزمات كبرى وتطورات كارثية في مجالات عديدة ولعل أهم تلك الأزمات كانت في السودان، وسوريا واليمن والعراق وليبيا والنيجر وميانمار وأفغانستان وهايتي والصومال والكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى والصحراء الغربية وعدد من الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية واضطرابات بنغلاديش وتصاعد الاحتجاجات السلمية ثم العنيفة ضد طاغية البلاد الشيخة حسينة التي فرت إلى الهند. وانتهى العام أو كاد بهروب طاغية أكبر وهو الرئيس بشار الأسد الذي هرب صباح 8 كانون الأول/ديسمبر لينهي برحيله فترة سوداء من تاريخ سوريا الحديث استمرت 54 سنة.
ولنعرف عمق وتنوع وخطورة المآسي والأزمات التي يعيشها عالم اليوم نود أن نمر على النداء الإنساني الذي أطلقه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» في 11 كانون الأول/ديسمبر، والذي دعا إلى توفير مبلغ 47 مليار دولار لسنة 2025 لمساعدة 190 مليون شخص في العالم في 33 دولة. وقالت أوتشا إن هناك 305 ملايين بحاجة إلى مساعدة إنسانية.
الأزمة الإنسانية في السودان
الأزمة الإنسانية في السودان أصبحت أكبر أزمة إنسانية في العالم بعد 20 شهرًا من الحرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي». وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن سكان السودان «يمثلون 10 في المئة من مجموع الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية في العالم، رغم أنهم يشكلون أقل من 1 في المئة من سكان العالم».
وتقول المنظمات الإنسانية إن المجاعة من المرجح أن تترسخ في أجزاء كبيرة من البلاد، وسوف يفر المزيد من الناس إلى البلدان المجاورة، وسيتعرض الأطفال للمرض وسوء التغذية، وستواجه النساء والفتيات المزيد من المعاناة والمخاطر. وتقول الأمم المتحدة إن هناك نحو 18 مليون شخص في البلاد يعانون بالفعل من الجوع الشديد، ويعاني 3.6 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، وإن هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للوفاة بنسبة 10 إلى 11 مرة مقارنة باليافعين الذين يتلقون ما يكفي من الطعام.
وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء انخفاض مستويات التمويل للاستجابة للأزمة، ودعت الجهات المانحة إلى الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها في المؤتمر الإنساني الدولي للسودان الذي جرى في باريس في 15 نيسان/أبريل بشكل عاجل. وبعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر من العام، لم يتم تمويل النداء الإنساني للسودان البالغ 2.7 مليار دولار إلا بنسبة 16 في المئة فقط.
وبدأت المعارك في15 نيسان /ابريل 2023 بين الحليفين العسكريين، البرهان وحميدتي، اللذين تحالفا لإسقاط المكون المدني من الحكومة الانتقالية التي قادت البلاد في مرحلة ما بعد سقوط البشير. وحاولت عدة جهات الوساطة بين الطرفين من بينها الاتحاد الأفريقي وجيبوتي وجنوب السودان وكينيا والسعودية. ثم أعلنت الخارجية الإسرائيلية أنها حاولت دعوة البرهان وحميدتي إلى تل أبيب للوساطة fدون تجاوب.
ممثل الأمين العام الخاص للسودان، رمطان العمامرة، نجح في ترتيب لقائين في جنيف للطرفين وأجرى محادثات غير مباشرة لترتيب وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة وخاصة دارفور.
الأزمة ما زالت في أوجها ويبدو أن الوساطات استنفذت دورها ولم تتمكن من وقف سيل الدماء والتشريد واللجوء والمأساة الإنسانية لأكثر من 19 مليون إنسان.
الحرب الروسية الأوكرانية
مر على الحرب الروسية الأوكرانية أكثر من 1030 يوماً حين هاجمت روسيا أوكرانيا يوم 24 شباط/فبراير 2022، تفشى بعدها الموت والدمار واليأس المستمر للملايين من الأوكرانيين الذين غادروا البلاد أو هجروا داخليا. كما أن الروس القريبين من الحدود يتعرضون لغارات ومسيرات وانفجارات ويدفعون ثمنا كذلك. المعارك المميتة تجتاح أكثر فأكثر شرقي وجنوبي أوكرانيا. وتحولت مدن وقرى وبلدات بأكملها إلى ركام. ومنذ بداية الحرب قُتل نحو 12164 مدنيا على الأقل منهم أكثر من 600 طفل وأصيب 26871 شخصا آخر بجراح. ويُرجح أن تكون الأرقام الفعلية للقتلى والجرحى أكبر بكثير من الأعداد المؤكدة حتى الآن. ووضح الأمين العام أمام مجلس الأمن أن الأشهر القليلة الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في عدد الضحايا المدنيين، بسبب تفاقم الهجمات بالقذائف والمسيرات خلال الحرب.
وإحدى الهجمات الروسية الكبيرة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، شملت 120 قذيفة و90 مسيرة واستهداف البنية الأساسية للطاقة في جميع المناطق الأوكرانية القريبة من الحدود ما أدى إلى وقوع ضحايا وأضرار جسيمة.
التطور الجديد الذي حدث هو قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالسماح للجيش الأوكراني باستخدام أسلحة أمريكية متطورة بعيدة المدى لتنفيذ ضربات داخل روسيا، ما أثار حفيظة الرئيس الروسي بوتين الذي أكد أن عقيدة استخدام السلاح النووي ستتغير بناء على هذه التطورات، وهو ما حذر منه الأمين العام مؤكدا أن هناك مخاطر حقيقية من احتمال وقوع حوادث نووية، خاصة مع استمرار الأنشطة العسكرية قرب أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا وغيرها من المواقع الحساسة في منطقة الصراع.
والتطور الثاني المهم هو استقبال عشرة آلاف جندي من جيش كوريا الشمالية ونشرها على الحدود في منطقة الصراع ومشاركتها في القتال. وتم التوصل إلى اتفاق تعاون استراتيجي مع نظام كيم جونغ إل. وهم أمر أثار القلق الشديد في الأمم المتحدة حيث حذر الأمين العام من هذه الخطوة ووصفها بأنها «مثل من يصب الزيت على النار ويفاقم هذا الصراع المتفجر ويؤدي إلى تدويله».
أوكرانيا الآن أصبحت أحد أكثر الأماكن الملغمة في العالم، وأن ما يقرب من ربع أراضيها أصبحت ملوثة بالألغام. وأصبح عدد الأشخاص المعتمدين على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، والنازحين داخليا ما يقرب من 4 ملايين، أما عدد الذين لجأوا إلى دول الجوار وأوروبا فوصل إلى 6.8 مليون شخص.
حرب الإبادة في غزة وتوابعها
بدأ عام 2024 وقد مر على حرب الإبادة على غزة 85 يوما تبين بكل وضوح أن ما تقوم به إسرائيل أكبر بكثير مما قد يصنف تحت مسمى عمليات انتقامية أو ثأرية. لقد استغلت تأييد الدول الغربية لها وخاصة الولايات المتحدة بحقها في الدفاع عن النفس وحولت العمليات العسكرية إلى حرب إبادة وتطهير عرقي وعقوبات جماعية واستهداف متعمد للمدنيين والمعالم المدنية. قصفت الجامعات والمدارس والملاجئ والطرقات والعيادات والمخابز وعطلت وصول المساعدات الإنسانية بطريقة متعمدة وأطبقت الحصار على جميع معابر القطاع بما فيها معبر رفح بين غزة ومصر.
وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتاريخ 15 كانون الأول/ديسمبر الماضي الوضع في غزة قائلا: «إن الهجمات التي نفذتها القوات الإسرائيلية على غزة على مدى أكثر من 400 يوم، أطلقت العنان لدمار شامل ومستويات من قتل المدنيين بمعدل غير مسبوق منذ توليت منصب الأمين العام. إن الغالبية العظمى من القتلى في غزة، من النساء والأطفال. إن شيئا لا يمكن أن يبرر هذا العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني».
وقالت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، في نفس الجلسة «إن الناس في غزة يواجهون خطر الموت جوعا على بعد أميال قليلة من الشاحنات المملوءة بالأغذية. إن كل ساعة ضائعة تعرض حياة عدد لا يحصى من الناس للخطر. يمكننا أن نُبِعد المجاعة إذا تمكنا من توفير الإمدادات الكافية، وضمان إمكانية الوصول الآمن إلى جميع المحتاجين أينما كانوا».
جوناثان دومونت مسؤول الإعلام في حالات الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي وصف يوم 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي الأوضاع من موقعه من جنوب غزة عبر الفيديو قائلا: «يعيش الكثير من الناس في خيام. ومع اقتراب الشتاء، لدينا مطر ورياح تهب عليهم وتغمرهم بالفيضانات. كثير من الأطفال ليست لديهم أحذية. قرر الكثير من الناس أنه ليس لديهم خيار سوى العودة إلى منازلهم، والتي غالبا ما تكون عبارة عن أنقاض حرفيا». ودعا المسؤول الأممي إلى «ضرورة إيجاد طريقة لإيصال الغذاء إلى غزة. ولكننا بحاجة إلى توصيله إلى الناس بطريقة منظمة حتى يتسنى لهم الحصول على الغذاء بأمان، وكي نتمكن من التقليل من خطر المجاعة».
أما أعداد الضحايا لغاية يوم 10 كانون الأول/ديسمبر الماضي فقد بلغ عدد القتلى 44786 ألفا والجرحى 106188 آلاف 70 في المئة من النساء والأطفال. هذا عدا المفقودين الذين لا يعرف أحد عددهم الحقيقي. غزة أصبحت تحوي أكبر عدد من الأطفال الأيتام وأكبر عدد من مبتوري الأطراف في العالم. كما أن 95 في المئة من السكان قد هجروا من أماكنهم والكثير منهم هجر لأكثر من مرة. كما قتل أكثر من 160 صحافيا ونحو 254 من العاملين مع الأونروا.
وفي الضفة الغربية وحسب مكتب «الأوتشا» فقد قتل 736 فلسطينيا خلال الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي من بينهم 430 فلسطينيا قتلوا منذ بداية عام 2024.
ومع هذا ما زالت الولايات المتحدة تدعم هذا الكيان تحت حجة الدفاع عن النفس وتستخدم الفيتو كلما كانت هناك محاولة لوقف إطلاق النار. وسنمر على بعض أهم التطورات في المنظمة الدولية فيما يتعلق بحرب الإبادة من غزة.
مجلس الأمن الدولي: اجتمع مجلس الأمن الدولي حول غزة ما لا يقل عن 60 مرة خلال العام وقد اعتمد قرارين وأطاح الفيتو الأمريكي بمشاريع قرارات حول غزة بلغت أربعة كان آخرها يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
أما القرارات التي اعتمدت حول غزة فهما: القرار 2728 (2024) والذي تقدمت به الجزائر وتم التصويت عليه يوم 27 آذار/مارس الماضي وصوتت 14 دولة لصالح مشروع القرار إلا أن الولايات المتحدة وحدها صوتت بـ«امتناع». وقد دعا القرار لأول مرة بوقف إطلاق النار فوراً خلال شهر رمضان ولم يحترم حتى ولو لساعة واحدة. ثم اعتمد المجلس القرار 2735 (2024) والذي تقدمت به الولايات المتحدة يوم 10 حزيران/يونيو الماضي ويتضمن مبادرة أطلقها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، مساء 31 أيار/مايو الماضي وأكد أنها في الأصل مبادرة إسرائيلية. واعتمد القرار بتأييد 14 عضوا من أعضاء المجلس بينما صوتت روسيا بـ«امتناع» لأن روسيا، كما قال سفيرها فاسيلي نيـبينزيا: «لديها عدد من الأسئلة بشأن مشروع القرار الأمريكي الذي يرحب باتفاق معين، لا تزال معالمه النهائية مجهولة لأي أحد، ربما باستثناء الوسطاء». والقرار تبع القرارات السابقة ولم تعطه إسرائيل أي اهتمام.
الجمعية العامة: كانت الجمعية العامة قد اعتمدت قرارين في 2023 لوقف إطلاق النار، أولهما في تشرين الأول/أكتوبر بغالبية 120 صوتا والثاني في كانون الأول/ديسمبر 2023 بغالبة 153 صوتا. وفي عام 2024 اعتمدت مجموعة قرارات يوم 10 أيار/مايو يؤكد على أهلية فلسطين بالعضوية الكاملة للأمم المتحدة بغالبية 143 دولة. وكانت الولايات المتحدة قد أطاحت بنفس مشروع القرار الذي قدمته الجزائر في مجلس الأمن يوم 18 نيسان/أبريل. كما اعتمدت الجمعية قرارا يوم 11 كانون الأول/ديسمبر يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار وصوت مع القرار 158 دولة بينما عارضته تسع دول. واعتمدت الجمعية العامة قرارا مهما يرحب بالرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية حول الاحتلال الإسرائيلي الذي صدر بتاريخ 19 تموز/يوليو. وتبنت الجمعية ذلك الرأي القانوني يوم 18 أيلول/سبتمبر بغالبية 124 صوتا ليصبح قرارا يدعو لإنهاء الاحتلال خلال 12 شهرا. كما يدعو القرار إلى سحب جميع قوات إسرائيل العسكرية من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مجالها الجوي والبحري؛ ووضع حد لسياساتها وممارساتها غير القانونية، بما في ذلك وقف جميع أنشطة الاستيطان الجديدة على الفور، وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتفكيك أجزاء الجدار الذي شيدته إسرائيل والذي يقع في الأراضي الفلسطينية، وإلغاء جميع التشريعات والتدابير التي تخلق أو تحافظ على الوضع غير القانوني، بما في ذلك تلك التي تميز ضد الشعب الفلسطيني.
محكمة العدل الدولية: أصدرت محكمة العدل الدولية خلال 2024 ثلاث رزم من الإجراءات المستعجلة (الاحترازية) المتعلقة بما يجري في غزة وما زالت تبحث قضية اعتبار ما يجري إبادة جماعية أم لا. وطالبت بإيصال المساعدات الإنسانية بدون تعطيل «بما في ذلك الغذاء والماء والكهرباء والوقود والمأوى والمساعدات الإنسانية، ومتطلبات الملابس والنظافة والصرف الصحي، فضلا عن الإمدادات الطبية والرعاية الطبية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة- بما في ذلك عن طريق زيادة قدرة وعدد نقاط العبور البرية وإبقائها مفتوحة لأطول فترة ممكنة». وفي 19 تموز/يوليو أصدرت المحكمة فتوى باعتبار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، غير قانوني وطالبت بإنهائه ووقف كل نشاط استيطاني وإخراج المستوطنين من الأرض الفلسطينية.
المحكمة الجنائية الدولية: طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، بتاريخ 20 أيار/مايو الماضي من الدائرة التمهيدية للمحكمة إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يؤآف غالانت، وضد القائد الميداني الفلسطيني محمد ضيف ويحيى السنوار رئيس حركة حماس في غزة وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. أي أن كل تلك المجازر وتصدر أوامر خان باعتقال إسرائيليين اثنين مقابل ثلاثة فلسطينيين. ولو كانت الاعتقالات حسب نسبة القتل لوجب اعتقال ثلاثة آلاف إسرائيلي مقابل ثلاثة فلسطينيين. تلكأت الدائرة التمهيدية في إصدار مذكرات الاعتقال وعاد كريم خان وكرر الطلب في آب/أغسطس. وأخيرا صدر القرار يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر وأسقط من الأسماء الفلسطينية الشهيدان إسماعيل هنية ويحيى السنوار.
ومع أن إصدار المذكرتين يعتبر ضربة معنوية وأخلاقية كبيرة وموجعة للكيان الصهيوني برمته إلا أن المذكرتين صدرتا بعد مرور 412 يوما على المجازر ولم تشتملا إلا على إثنين من مجرمي الحرب الإسرائيليين، حتى أن رئيس الأركان لجيش الإبادة، هيرتسي هاليفي، الذي يمارس القتل والتخطيط للقتل وإصدار الأوامر لقادة الأسلحة لممارسة القتل والتدمير والتجويع لم يكن مشمولا، وهذا يظهر مدى الضعف لتلك القرارات.
وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين «أونروا»: اتهمت إسرائيل عددا من الموظفين التابعين للأونروا بكونهم شاركوا في عملية طوفان الأقصى. وكان العدد لا يزيد عن 12 ثم اختصر إلى سبعة وأدين شخص أو شخصان. ومع هذا تعاونت الوكالة في عمليات التحقيق. إلا أن 16 دولة معظمها أوروبية بالإضافة إلى كندا واستراليا والولايات المتحدة أوقفت التمويل فورا. وبعد أن تبين خطل تلك التهم، استأنفت تلك الدول التمويل إلا الولايات المتحدة.
اتهمت إسرائيل الأونروا بالضلوع في الإرهاب وطالبت بحل الوكالة مدعية «أنها جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل». وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أقر الكنيست بغالبية 92 مقابل 10 أصوات سلبية، قانونين مصممين لتعطيل عمليات وخدمات أساسية للأونروا في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. وتحظر إسرائيل بموجب القانون الجديد على الأونروا تشغيل أو تقديم أي خدمات أو إجراء أي أنشطة في ما يشار إليه باسم «الأراضي السيادية لدولة إسرائيل». كما ينهي التشريع اتفاقية عام 1967 بين إسرائيل والأونروا بأثر فوري. أما حظر عمليات الأونروا، فسيدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من إقرار القوانين. وقد تم إغلاق مكاتب القدس وتمت مهاجمتها وإضرام النار في بعض جوانبها.
لكن الجمعية العامة يوم 11 كانون الأول/ديسمبر صوتت على تجديد الثقة في الأونروا ودعمها ورفع حجم التمويل والتمكين والدعم للوكالة. وقد حصل مشروع القرار على 159 صوتا إيجابيا بينما لم يصوت مع إسرائيل والولايات المتحدة إلا سبع دول خمس منها لا تكاد ترى على الخريطة إضافة إلى الأرجنتين وباراغواي.
لبنان
شارك حزب الله اللبناني بعمليات إسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وكان نتنياهو منذ اليوم للاشتباكات يضغط باتجاه توسيع الحرب لتشمل لبنان. إلا أن الولايات المتحدة رفضت هذا التوجه كما جاء في كتاب بوب وودورد «الحرب». إلا أن الكيان الصهيوني ظل يتحين الفرصة لتوسيع الحرب وزج إيران وحزب الله إلى المعركة وبالتالي يجر الولايات المتحدة للمعركة الفاصلة مع إيران. وعندما لم تتجاوب الولايات المتحدة بدأت إسرائيل باتخاذ خطوات أحادية مثل الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق يوم 1 نيسان/ أبريل والذي أدى إلى مقتل سبعة دبلوماسيين، فاضطرت إيران أن ترد على العملية بإطلاق مجموعة من الصواريخ والمسيرات يوم 14 نيسان/أبريل فيما سمي بعميلة «الوعد الصادق». إلا أن الاستفزازات الإسرائيلية تتابعت وقامت باغتيال إسماعيل هنية بتاريخ 31 تموز/يوليو ثم اغتيال فؤاد شكر في اليوم التالي. ما اضطر إيران أن ترد بعملية «الوعد الصادق 2» بإطلاق نحو 300 صاروخ ومسيرات على أماكن متفرقة معظمها قواعد عسكرية ومطارات. وكان واضحا أن إسرائيل تسعى إلى التصعيد فقامت يوم 19 أيلول/سبتمبر بتفجير نحو 5000 جهاز بيجر ثم تبعت ذلك بتفجير أجهزة اللاسلكي ما أدى إلى مقتل 37 شخصا وجرح أكثر من 3000 آلاف شخص وهو ما وصفه حزب الله بأنه إعلان حرب. تسارعت وتيرة المواجهات وبدأ حزب الله يرسل يوميا مئات المسيرات والصواريخ شملت معظم مناطق الكيان بما في ذلك بيت نتنياهو في قيسارية. ثم قررت إسرائيل يوم 30 أيلول/سبتمبر أن تعلن الحرب والاجتياح البري لجنوب لبنان، بعد قصف متواصل للضاحية الجنوبية ومناطق البقاع وبيروت والجنوب ما أدى إلى سقوط عدد كبير من قادة حزب الله بمن فيهم رئيس الحزب حسن نصر الله يوم 27 أيلول/سبتمبر ثم اغتيل الرئيس الجديد الذي خلفه هاشم صفي الدين يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر.
انشغل مجلس الأمن الدولي طوال شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر بلبنان فعقد عدة جلسات طارئة واحدة على مستوى وزاري. حاولت الولايات المتحدة أن تصوغ قرارا جديدا يتجاوز القرار 1701 (2006) إلا أن ذلك اصطدم بمعارضات داخل المجلس. ثم أعلن وقف إطلاق النار يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر. رحب الأمين العام بالقرار الذي تم خارج منظومة الأمم المتحدة علما أن قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني تعرضت لأكثر من هجوم من إسرائيل بدون أن يكون هناك رد فعل حقيقي.
مع نهاية العام تتوجس الأمم المتحدة من انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الذي لا يكن أي احترام للمنظمة الدولية ولا للقانون الدولي. والكل يتوقع أن يتخذ إجراءات واسعة ضد الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وخاصة الأونروا والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان وربما محكمة العدل الدولية كذلك.
فإذا كانت سنة 2024 الأسوأ بالنسبة للمنظمة الدولية فلا نتوقع أن تكون السنوات المقبلة أفضل في ظل إدارة أمريكية لا تعطي أهمية حتى لحلفائها، وتكون إسرائيل في قلب موقع القرار كما كان الوضع في دوراتها السابقة.