خاص- ربكة ما بعدها ربكة يعيشها الاستثمار في قطاع مكاتب استقدام العاملين في المنازل هذه الأيام، والذي يبدو أنه سيكون عامًا صعبًا وجافًا مثل الطقس تمامًا: برودة بلا مطر أو خير، خصوصًا أن الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم جراء عدم تغليب المصلحة العامة وضياع بوصلة الوزارة التائهة بين تصفية الحسابات ودق المسامير في نعش هذا الاستثمار الذي يمثل مصدر رزق لأكثر من 700 أسرة أردنية على أقل تقدير.
وزارة العمل ووزيرها لا علاقة لهما بالموضوع، فقد استلم ملفًا شائكًا معقدًا متشابكًا، ولكن مسؤوليته تكمن في أنه لم يفكك خيوط هذا الملف، ولم يتعاطَ معه بشكل إيجابي، ولم يضع يده على أصل المشكلة ولم يشخصها بل سار في ذات الطريق وابتعد كثيرًا عن الغاية والحكمة من وراء ذلك وبإمكانه أن يعود إلى الكتب والمخاطبات الرسمية بين وزارة العمل ولجنة التنمية الاقتصادية في رئاسة الوزراء لمعرفة كيف بدأ الأمر وكيف انتهى على ما هو عليه الآن.
الوزير خالد البكار، الذي يملك عقلية القطاع الخاص، وبالمناسبة مستمع جيد وذكي وقادر على إيجاد الحلول بسرعة، لو فقط اطلع على دراسة قامت بها النقابة مع جهات ذات علاقة ومتخصصة، اعتمدت على الأرقام والإحصائيات وخرجت بنتائج مذهلة وخطيرة تتعلق بالحصة السوقية لمكاتب الاستقدام والكلفة التشغيلية للمكتب الواحد شهريًا وسنقوم لاحقًا بنشرها إذا لم يقم معالي الوزير بالاطلاع عليها، وأمور أخرى تتعلق بنفقات وتعيينات ومصاريف وتحويلات تُنهك عمل المكتب الذي يعمل بهذا النوع من الأعمال والاستثمار.
مع كل ذلك، فإن وزارة العمل قد فتحت باب الرخص على مصراعيه دون أن تضرب كوابح لإعادة دراسة الملف أو حتى فتح حوار مع أصحاب تلك المكاتب من خلال نقابتهم، الممثلة الوحيدة والشرعية لهذا النوع من العمالة الذي يُعتبر الأخطر على ملفات وزارة العمل، خصوصًا إذا "انفلت" ودخل عليه تجار وسماسرة وهواة وقناصو الفرص وجامعو المال الحرام ممن يتقنون فن التجارة.
هل يدرك وزير العمل خالد البكار أن فتح باب التراخيص دون دراسة أو قراءة للمشهد أو تأني سيضع هذه المكاتب أمام عاصفة الريح، وسيدمر القطاع، ويخرب بيوت العاملين والموظفين وأصحاب هذا الاستثمار؟ وهل يعلم وزير العمل أن السماح بفتح السوق أمام أشخاص ليسوا من أصحاب الخبرة والاختصاص، أو ممن خرجوا من هذا القطاع بسبب مخالفاتهم للقوانين والتعليمات، سيجعل قطاع العاملات وكأنه في مزار أو بازار أو سوق للبيع والشراء؟
خصوصًا أن معلومات خطيرة تترشح بأن هناك بعضًا، ولا نقول الكل، قد استغلوا إعادة فتح تراخيص مكاتب استقدام العاملين في المنازل بطريقة أدخلتهم من الشباك بعد أن طُردوا من الأبواب لإعادة ممارسة هذا النشاط بشكل غير شرعي.
إن فكرة أو قرار فتح باب ترخيص مكاتب استقدام العاملين في المنازل كان بهدف تنشيط المحافظات واقتصاره عليها دون العاصمة عمان، ولكن ما جرى كان العكس تمامًا، معظم المتقدمين لهذا النوع من الأعمال كان في عمان التي ستفيض عن بكرة أبيها بهذه المكاتب، وسيذهب الصالح بالطالح وسيخرج الجميع بلا فوائد، خصوصًا أن وزارة العمل تعي تمامًا، وبإمكانها العودة إلى أرشيفها وإحصائياتها وبياناتها وأرقامها وكل ما يتعلق بهذا الملف، لتعلم إن كان إعادة فتح باب ترخيص المكاتب سيضر أم سينفع.
وهذه مجرد استهلال سريع لقصة قتل ودمار لقطاع أثبت بأنه مع الوطن وأمنه واستقراره، وضد كل السلوكيات التي حرمها القانون وجرّمها، فلنحسب خطواتنا قبل أن نسير، وكما يقول المثل: "قيس قبل ما تغيص".