الطرف الإقليمي المبادر إلى خلط الاوراق وتعزيز حضوره في ما بعد انتصار الثورة السورية كان الاحتلال الاسرائيلي، وبمباركة من الجانب الامريكي، فوزير الامن الاسرائيلي يسرائيل كاتس صرح خلال زيارته قوات الاحتلال في الجولان بالقول: "أوعزت سوية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للجيش الإسرائيلي بإنشاء منطقة دفاعية خالية من السلاح وتهديدات الإرهاب من جنوبي سورية، من أجل منع تموضع وتنظيم الإرهاب في سورية وإنشاء واقع يكون مشابها لما كان في لبنان وغزة قبل 7 أكتوبر”.
رئيس اركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي سبق كاتس الى ذلك، فخلال الساعات الاولى من دخول قوات المعارضة الى العاصمة دمشق، وفرار الاسد من سوريا، اعلن عن فتح جبهة رابعة في سورية، الى جانب جبهة غزة ولبنان والضفة الغربية، وهو تصريح متهور تراجع عنه سريعا بالقول إن "وجود جيش الاحتلال في المنطقة المنزوعة السلاح مؤقت”، علما ان الاحتلال اقترب بمسافة 19 كم من العاصمة السورية دمشق مساء اليوم الاثلاثاء، وشن 310 غارة دمرت سلاح الجو السوري والترسانة الاستراتيجية والقطع البحرية الحربية في اللاذقية.
لا يُتوقع ان يقتصر نشاط الاحتلال الاسرائيلي على تدمير البنى التحتية الدفاعية السورية؛ اذ يتوقع ان يذهب بعيدا نحو اطلاق حملة من الاغتيالات تمس النخبة الاكاديمية والعلمية والخبراء، اسوة بما فعله الموساد الاسرائيلي في العراق لحظة سقوط بغداد، وسيذهب أبعد من ذلك نحو تعزيز القوى الانفصالية شمال شرق الفرات المعروفة بقوات قسد الانفصالية، او ما يشابهها؛ لتمزيق وحدة سورية، وهو بذلك يضغط على بنية الدولة الجديدة المادية، ويعمد الى تقويض شرعية النظام السياسي في الآن ذاته، خصوصا انه لم يتوان عن وصف مكونات المعراضة السورية بالارهاب تارة، والمتمردين تارة اخرى.
الأهم من ذلك أن الاحتلال لم يجد من يوقفه؛ فحتى اللحظة لم تبرز قوة فاعلة سياسية او عسكرية محلية او اقليمية قادرة على ردع الكيان الاسرائيلي واميركا عن تمرير اجندتها السوداء في سورية؛ إذ تبدو واشنطن مرتاحة، ما تعكسه تحركات دبلوماسييها وقادتها العسكريين في المنطقة، وهي تحركات ترسم واقعا سياسيا وميدانيا على الارض يسعى لصناعة واقع يوازي ما صنعته الثورة السورية، ويحاول التفوق عليها في الآن ذاته.
لم تشتبك الجامعة العربية مباشرة مع الكيان الاسرائيلي، ولم تظهر إلا إدانات خجولة من الدول العربية للتحركات الاسرائيلية، في حين اكتفت أنقرة بتهديد الاطراف التي تسعى نحو المساس بسيادة سورية ووحدتها، وقدم الرئيس التركي اردوغان اشارة واضحة الى "اسرائيل” باعتبارها تمس بالسيادة السورية، وأنه لن يترك سورية وحيدة، وأنه سيواجه هذه الأطماع دون أن يحدد الطريق الى ذلك: هل عبر التواصل مع ادراة ترمب أم عبر مواجهة عسكرية ودبلوماسية مباشرة؟
الاحتلال الاسرائيلي حتى اللحظة تحرك بأريحية مدركاً ان اولويات السوريين وقادة الثورة الذين اطلق علهيم مسمى متمردين تارة، وارهابيين اخرى، تتمثل بهندسة حكومة فاعلة، قادرة على انتزاع القبول الدولي والشرعية، وقادرة على توحيد البلاد وترسيخ الامن، والانطلاق نحو الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد والانتعاش، فهو الرهان الاساسي الذي سيكرس شرعية حكومة الثورة، وهو أمر يعمد الكيان الاسرائيلي إلى إعاقته بتقويض جهود الحكومة، واستباقها بخطوات وشيكة في قوات قسد شرق الفرات بالتشكيك، وبتعقيد عملها عبر استفزازات اسرائيلية، وتحركات تهدد أمن سوريا ووحدتها.
ختامًا..
تحركات الكيان الاسرائيلي تعول عليها قوات قسد الانفصالية، كما تعول عليها دول في الاقليم لابتزاز الثورة السورية، وتعطيل حركيتها وحيويتها، فهي ترى في نجاح الثورة السورية تهديدًا لنموذجها ولإستراتيجيتها في المنطقة، فضلًا عن اعتبارها تعزيزًا للنفوذ التركي، ولمكانة قطر في المشرق، وهو مسار وعقلية تهدد بعودة المنطقة الى المربع الاول الذي انطلقت منه في العام 2012 تحت عنوان الثورة والثورة المضادة.