مجزرة المواصي في خان يونس محاولة اسرائيلية لترميم الجبهة الداخلية الممزقة، ومحاولة لمشاغلة الرأي العام الاسرائيلي المنكوب بقيادته العسكرية والسياسية التي كادت العلاقة بين مكوناتها تنفجر بعد ليلة ساخنة شهدت ارتفاع مستوى التصعيد بين الجيش ونتنياهو، وبمشاركة كل من مدير الموساد (جهاز الامن الخارجي) ديفيد برنياع، ومدير الشاباك (جهاز الامن الداخلي) رونين بار، الى جانب هرتسي هاليفي قائد الاركان، ووزير الحرب يؤاف غالانت.
الحرب والعدوان على قطاع غزة بات امتدادًا حقيقيًا لهذا الصراع كما هي المفاوضات التي اشتبك فيها نتنياهو مع قادة المعارضة والجيش في الآن ذاته، وذلك من خلال طرح شروطه الأربعة لتمرير الاتفاق لحظة توجه الوفود المفاوضة الى الدوحة والقاهرة، اشتباكٌ جاء آخر فصل من فصوله بإعلان مكتبه رفض نتنياهو الانسحاب من معبر رفح، خلافًا للتسريبات التي أكدت إمكانية التوصل للاتفاق مع القاهرة بخصوص المعبر.
الاتهام لنتنياهو بتعطيل التوصل لاتفاق، ونيته نسفه بالكامل لحظة وصوله الى واشنطن، وإلقاء خطاب امام مجلس النواب رفعت مستوى التوتر لدى الادارة الامريكية، ولدى قادة جيش الاحتلال والمعارضة الاسرائيلية، وبات التخبط السمة الاساسية في القرارات المتبعة التي كان آخرها الهجوم على مخيم المواصي للنازحين في خان يونس، وبأسلحة أمريكية تزن 500 رطل، خلافا للخطوط الحمراء التي ادعت ادارة بايدن وضعها لنتنياهو وجيش الاحتلال الاسرائيلي.
لا خطوط حمراء أمريكية، ولا المفاوضات محل إجماع، او تأثير في عملية صناعة القرار الاسرائيلي الذي بات يتخبط بين جيش عاجز وفاشل في ادارته للمعركة، وبين طبقة سياسية متصارعة لا انسجام وثقة فيما بين مكوناتها.
مشهد يذكر بذروة المفاوضات الفيتنامية الامريكية التي شنت فيها أمريكا غارات وحشية على فيتنام الشمالية، وبررتها باستهداف مقرات أمنية وتدمير وقتل مسؤولين للضغط على المفاوض الفيتنامي، والنتيجة كانت صفرًا، وتورطًا علنيًا أمريكيًا بالحرب عام 1964، وسرعان ما اندلعت أزمة "ووتر غيت" لتعالج الموقف بغارات ديسمبر الإجرامية عام 1972؛ على أمل الهروب من الأزمة الداخلية، وإكراه فيتنام على القبول باتفاق تنسحب فيه أمريكا، وتنجح حكومة سايغون الموالية لواشنطن بالسيطرة على جنوب البلاد بجيش قُدر تعداده بمليون مقاتل، لتأتي إقالة نيكسون، واضطرب المشهد التفاوضي الامريكي مجددًا في عهد نائبه جيرالد فورد، لينتهي الامر بانهيار جيش فيتنام الجنوبية، وانسحاب امريكي فوضوي يعكس فوضوية المشهد السياسي الداخلي الامريكي الذي لم ينجح الانسحاب في ترميمه.
الاحتلال الاسرائيلي يلجأ الى نفس التكتيك الفاشل لإقحام شروط نتنياهو على الطاولة، ولترميم الجبهة الداخلية المنقسمة والممزقة؛ باستهداف المدنيين؛ والبحث عن اتفاق لن تتوفر له الموارد اسرائيليًا لإنجازه بالشكل الذي ترغب فيه أمريكا والكيان الاسرائيلي .
ختامًا..
الاحتلال بمهاجمته تكية توزيع العدس في المواصي يثبت مجددًا العجز والفشل العسكري والسياسي، ومزيدًا من السقوط الأخلاقي للاحتلال وداعميه؛ فالاحتلال فقد السيطرة والقدرة على مراكمة الانجازات السياسية والعسكرية، وصولًا الى تكريس عزلته، وفتح الباب للمزيد من الجبهات نحو التصعيد، وعلى رأسها الضفة الغربية التي تقترب يومًا بعد الآخر من واقع فيتنام الجنوبية، ولكن بوجود عمقين؛ الأول في بيروت، والثاني في غزة خلافًا للعمق الأحادي الذي وفرته هانوي عاصمة فيتنام الشمالية حينها للجنوب