يجمع الكثيرون ان "عملية" طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، لم تكن عملية عادية، روتينية، تقليدية للفصائل الفلسطينية التقليدية التي عايشناها طوال عمرها الذي يتجاوز اليوم خمسين سنة، لكن ما يجب الاجماع عليه اليوم، هو ان الاشتباك مع أصحاب الطوفان (كتائب القسام) الذي دخل شهره الثامن، هو أيضا ليس اشتباكا عاديا او روتينيا او تقليديا مع فصائل المقاومة التقليدية، وهذا ما لم تدركه إسرائيل بما تمثل عسكريا وأمنيا في المنطقة، اعتقدت انها "ستجتث" حماس وجناحها العسكري في بضعة أسابيع وتعين حكومة عميلة لها (لا فتحستان ولا حماسستان) وكفى المؤمنين شر القتال . لكن القتال استمر، وبدا في شهره الثامن انه لا يقل ضراوة عن شهره الأول، ولم نسمع عن سقوط خمسين جريحا في يوم واحد الا اليوم، وكذلك عن إصابة ضابط كبير برتبة جنرال، وعن إعادة احتلال جباليا والزيتون بعد اعلان "تطهيرهما"، وعن استئناف قصف بئر السبع وعسقلان بعد توقف عدة أشهر. هذه العوامل مجتمعة هي من جعلت حكومة إسرائيل تعيد اغلاق المعابر على غزة وفرض الحصار الكامل عليها من جديد، وكأننا في الأيام الأولى من الحرب، لكن ولأن الأمر ليس كذلك، فنحن في الشهر الثامن، نرى انفجار العلاقات الإسرائيلية بين السياسي والعسكري على نحو علني وواضح وبدأت بورصة توجيه الاتهامات يتبعها التقصيرات والادانات ومن ثم العقوبات والاستقالات.
لا أحد من الطرفين السياسي او العسكري يتحدث عن انتصار، حتى لو كان وهميا أو شكليا او جزئيا، كإعادة المختطفين او حتى جزء منهم، اعتقال السنوار او قتله، العكس هو الصحيح، انهم في المستووين السياسي والعسكري يتحدثون جهارا نهارا عن خسائر فادحة يتكبدها الجيش بسبب تخبط المستوى السياسي الذي لم يقرر بعد شكل اليوم التالي للحرب، عن وقف مفاوضات الهدنة، عن اقتحام رفح، بل عن حالة شديدة من الإحباط، تضاعفت عندما صدرت الأوامر بالعودة للقتال في الشمال، (هآرتس تتحدث عن عشرة جنود انتحروا)، أما ما يتحدثون عنه سرا وهمسا، فهو انتصار حماس المتأسس على حقائق دامغة أبرزها صمودها ومقاومتها وشعبها، وهذا القدر الخرافي من التحمل، تحمل الموت والجوع والنزوح. الحقيقة الثانية ان حماس جزء من محور مقاومة متامسك متناغم، والأهم انه صادق، أكثر بكثير من إسرائيل مع نفسها ومع محورها. الحقيقة الثالثة سقوط ورقة التوت عن عورة إسرائيل ليس فقط أمام جماهير الأرض وبالأخص جامعاتها، بل أيضا امام دولها وأنظمتها في الأمم المتحدة. أما الحقيقة الرابعة فهي الوقت، الذي قيل فيه انه كالسيف اذا لم تقطعه قطعك. وبالمناسبة فقد أطلق نتنياهو على هذه الحرب "السيوف الحديدية"، التي لم تقطع حماس ولا القسام ولا حتى السنوار، والتي قالت فيه صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا أنه "نجح في إحباط انتصار إسرائيل، وأصبح رمزاً لفشل حربها".