مرافعة دولة جنوب أفريقيا بحق الكيان الصهيوني المحتل تشكل بحد ذاتها سابقة تاريخية، وتأطيرا مركزا لجرائم الاحتلال الصهيوني ضمن وقائع محددة، استطاعت دولة جنوب أفريقيا مقاربتها والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وتحديدا مع اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.
وفي إطار متصل شكلت هذه المرافعة مفصلا مهما في ترسيخ قصدية الأفعال الجرمية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني في خطاب حقوقي بحت، بعيدا عن لغة السياسة والعبارات العامة المجردة. كما بينت المرافعة الاختصاص القضائي وفقا لمقتضيات الاتفاقية، ووقفت على حجم جرائم الاحتلال بالأرقام والحقائق والدلائل الصادرة عن الأمم المتحدة ذاتها، معززة جميع ما سبق ببينات صادرة من العدو الصهيوني ذاته سواء على مستوى قادة الحرب أو الأفراد على حد سواء.
الدعوى المرفوعة ضد الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية تضع إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال على قدم المساواة مع دولة ميانمار التي سبق وقدمت ضدها دعوة أمام المحكمة ذاتها وعن الجرائم نفسها.
هذه الدعوى التي قامت غامبيا برفعها أمام محكمة العدل الدولية بدعم من سبعة وخمسين دولة عضوا في منظمة التعاون الإسلامي، وجهت خلالها غامبيا تهما تتعلق بانتهاك ميانمار أحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وذلك بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد الروهينغا والتي اتخذت اشكالا عدة ابتداء من القتل والحاق الأذى الجسدي والنفسي والتهجير القسري ووضع الأفراد في ظروف تؤدي بهم إلى التهلكة وغيرها من الجرائم.
وفي حينه أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا يتضمن اتخاذ تدابير مؤقتة بحق دولة ميانمار، وطالبتها بضمان عدم ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية والحفاظ على جميع الأدلة عن هذه الأفعال وتقديم تقرير كل ستة أشهر عن امتثالها لتلك التدابير.
تبع ذلك تبني مجلس الأمن الدولي قرارا يطالب بوضع حدّ للعنف والهجمات ضد المدنيين والبنية التحتية وانتهاكات حقوق الإنسان وتوفير الحماية للعاملين في القطاع الإنساني والطبي وزيادة المساعدات وضمان وصولها إلى أصحابها والافراج الفوري عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفا، تم تبنيه بأغلبية اثني عشر صوتا وامتناع ثلاث دول عن التصويت هي روسيا والصين والهند.
وكذلك وفي إطار الدعوى المرفوعة من قبل دولة غامبيا ضد ميانمار تبنى مجلس حقوق الإنسان قرارا في عام 2022 دعا خلاله المفوضية السامية والمقرر الخاص المعني برصد أنماط انتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار، ومواصلة تنبيه مجلس حقوق الإنسان إلى تلك المعلومات، كما طلب في القرار ذاته من الأمين العام للأمم المتحدة أن يستمر في اطلاع مجلس الأمن على الحالة في ميانمار، وأن يواصل موافاة المجلس بتوصيات محددة للعمل على حل الأزمة الإنسانية.
وقوف الكيان الصهيوني في موقع الاتهام على المستوى الدولي يعد سابقة في تاريخ هذا الكيان الذي اعتاد أن يتشبث بكونه الضحية الأولى والأخيرة. وقيام دولة جنوب افريقيا بتفعيل بنود اتفاقية منع الإبادة الجماعية يشكل أعمالا وإنفاذا لالتزام الدول الأعضاء في اتفاقية منع الإبادة الجماعية بواجبها الدولي والإنساني في منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، واختبارا دوليا حاسما لمحكمة العدل الدولية في الانتصار للضمير الإنساني.