في وقت لم تتوقف فيه حرب الإبادة الجماعية التي يواصلها جيش العدو الصهيوني, في قطاع غزة مسنوداً بدعم أميركي مفتوح. يرفض فيه التحالف الصهيوأميركي دعوات وقف النار, مع ضوء أخضر أميركي لاستمرار حملة تدمير ما تبقّى من المستشفيات الفلسطينية, التي بات معظمها خارج الخدمة. فيما يتوالى قصف الصهاينة لمحيط تلك المشافي بل وصل بهم حقد الانتقام إلى قصف مولدات الكهرباء المتهالكة فيها.. وسط ذلك كله بدأت تسريبات مصدرها في معظم الأحيان إن لم نقل كلها واشنطن وتل أبيب, تتحدث عن «مستقبل» قطاع غزة في مرحلة ما بعد حماس. كان لافتاً في سطورها وبخاصة ما بين سطورها, ليس فقط هدف أساسي هو إراحة دولة العدو, بل وضع القطاع وبخاصة شماله تحت وصاية دولية (بعضها لا يُمانع أن تكون «عربية»), شريطة أن «لا» يتم إطلاقاً إعمار شمالي القطاع الذي يضم خصوصاً في مساحته الملاصقة لحدود العدو «مدينة غزة», بكل ما يعنيه ذلك من تفكيك للقطاع وربما «اقتطاعه/فك ارتباطه» على نحو نهائي مع الضفة الغربية، الأمر الذي يستبطِن الحؤول على نحو مؤكد دون قيام دولة فلسطينية مُستقبلية.
وإذا كان وزير الخارجية الأميركي/بلينكن قال الأربعاء الماضي (عشية وصوله تل أبيب), أمام لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ الأميركي، أنه سيكون «من المنطقي» للغاية, ان تتولى سلطة فلسطينية فعّالة ومُتجددة» الحكم والمسؤولية الأمنية في نهاية المطاف من غزة، مضيفاً: ما إذا كان بإمكانك الوصول إلى هناك بخطوة واحدة هو سؤال كبير, علينا أن ننظر إليه، وإذا لم تتمكّن من ذلك - استطردَ - فهناك «ترتيبات مؤقتة» أخرى, قد تشمل عدداً من الدول الأخرى في المنطقة، فإن ما يتسرّب من دوائر الحكومة الفاشية في تل أبيب يعكس - وربما توزيعاً للأدوار أو بالونات اختبار- اختلافات داخلها، في ما يتعلّق بسلطة الحكم الذاتي في رام الله، خاصة أن رموز اليمين المتطرف وعلى رأسهم الثنائي سموترتش/وبن غفير يرفضان دوراً كهذا, فيما عُضوا حكومة الحرب غانتس وايزنكوت «يعتقدان» أن السلطة, «يمكن» أن تكون شريكاً فعّالاً نسبياً ضد حماس وغيرها.. وأنه في نظرهما «يجب تعزيزها» من أجل العمل كثقلٍ موازنْ للحركة التي تسيطر حالياً على قطاع غزة.. وفق ما سرّبت صحيفة «هآرتس»..
ثمة تقارير/تسريبات أخرى عن مصادر أميركية هذه المرّة, تتحدث عن أن واشنطن وتل أبيب تُجريان «مناقشات» بشأن إنشاء قوة حفظ سلام مؤقتة, متعددة الجنسيات في غزة بعد انتهاء العملية البرية (الصهيونية الوحشية الراهنة). وقالت تلك المصادر أن ذلك قد يتّخِذ «إما» شكل منح إشراف مؤقت لدول أخرى في الشرق الأوسط تدعمها قوات دولية, «أو» منح الأمم المتحدة «حُكماً مؤقتاً», «أو» كـ«خيار ثالث» إنشاء مجموعة مُماثلة للقوة المتعددة الجنسيات, التي تعمل على تنفيذ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وبصرف النظر عما كان أعلنه رئيس الوزراء الفلسطيني/محمد اشتيّة في مقابلة مع «الغارديان» البريطانية, بأن السلطة الفلسطينية «لن تقبل» العودة إلى قطاع غزة، إلاّ ضمن حلٍ سياسي يشمل كامل الأراضي المحتلة عام 1967 التي تشمل الضفة والقطاع، وأن ما تحتاجه –أضافَ اشتيّة- هو رؤية شاملة وسلمية, كما أن الضفة بحاجة إلى حلٍ, ومن ثم ربط غزة بها في إطار حل الدولتين، فإن ثمة محاولة أميركية لإضفاء نوع من الضبابية المقصودة, للإيحاء بان خلافات في هذا الشأن (دور السلطة الفلسطينية في غزة بل ومستقبل سلطة الحكم الذاتي في رام الله بشكل عام) بين واشنطن وتل أبيب, عبر القول أن إدارة بايدن تسعى إلى تقديم السلطة كـ«هيئة حاكمة في غزة», فيما يعمل رموز اليمين المتطرف في الائتلاف الفاشي الحاكم وعلى رأسهم نتنياهو شخصياً، على إضعاف هذه السلطة ووقف التمويل عنها, وهو ما أشارت إليه هآرتس في أحد التقارير.
ثمة «تصوراً أميركياً إسرائيلياً، يتضمّن نشر قوات دولية وعربية، على محور فيلادلفيا، بأعداد كبيرة بطول المحور المتاخم للحدود المصرية، في محاولة لمنع ما يسميه الجانب الإسرائيلي بتهريب الأسلحة، والمواد المستخدمة في بناء الأنفاق عبر الحدود مع مصر».
كما لفتت مصادر أخرى إن «هناك من بين تلك التصوّرات توجيه الكتلة السكانية المُهجّرة من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، ما قد بل هو يُشكّل قنبلة موقوتة على حدود مصر الشرقية، جاهزة للانفجار في أي لحظة». فـ«تأمّلوا».. كيف يُخطط الأعداء والى ماذا يرومون.
** إستدراك:
عرضَ السفير الصهيوني في كرواتيا/غاري كورين لصحافيين كرواتيين فيلماً أعدّه متحدث جيش العدو، تضمّن توثيقاً لما أسماه العدو «المذبحة التي نفذتها حماس في 7 أكتوبر»، قائلاً: (نحن لسنا «مسيحيين»، لذلك لن ندير خدنا الآخر)، مُقتبِساً أحد أبرز تعاليم التسامح المسيحية «مَن ضربكَ على خدِّك الأيمن، فأدر له الأيسر». مُضيفا بوقاحة:أن «الأقليّة الصِربية كانت محظوظة بعد الحرب في يوغوسلافيا، على عكس الفلسطينيين غير المُرحّب بهم في مصر والدول العربية».