في تصريحاته الصحفية التي يشاهدها الناس حول العالم يظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في بعضها عابسًا يشكو من قلة الدعم المالي الذي خصصته لها هذه الدولة او تلك، او من قلة الأسلحة التي وافق حلف الاطلسي على منحها لبلاده، وفي بعض آخر يظهر منبسط الأسارير حين يقرر هذا الحلف او سواه من الدول الداعمة وعلى رأسها أمريكا مساعدة بلده بمبلغ كبير من المال او تزويد جيشه بأسلحة اكثر تطورًا او حتى محرمة دوليًا كالقنابل العنقودية، فيبدو الأمر وكأن هذه الحرب مجرد أموال ضخمة تُنفق ونشاط محموم يقوم به الوكلاء والوسطاء ?شراء الأسلحة ولكل منهم دور خفيّ وحصّة من الصفقة!.. اما هجرة الملايين داخل البلاد وخارجها وقتل وتشويه الالوف منهم او تعقيد حياتهم بالعذابات اليومية فتأتي كلها في المقام الثاني، ولا تخضع لهذا المقياس الساذج من زعل الرئيس او فرحه، خصوصًا وهو يرحب بوعد(!) اقترابه من الهدف الأسمى والأحلى كشرف عظيم يتمثل بعضوية الحلف إياه، ثم يتبيّن انه سراب وعليه ان ينتظر! إذن لماذا في البداية كان الإنكار وضاعت هباءً سنواتٌ من المحادثات بين الطرفين كانت فيها أوكرانيا تخفي وتنفي نيتها الوصول بالحلف وجيوشه الاوروبية المدججة بأحدث?الأسلحة (ومعظمها أميركية وبقيادة اميركا ولو عن بعد) الى حدود روسيا لتهددها بالحصار او الغزو المباغت في اي وقت؟
ليس القصد سخرية بالرئيس الاوكراني فهو على اي حال رئيس دولة عضوٍ في الامم المتحدة وصل الحكم عن طريق الانتخابات ولا يهمنا أصله وفصله ومهنته السابقة بل يهمنا شعبه المبتلى بهذه الحرب «الاوروبية» التي تحثه أمريكا على مواصلتها دون أن تتورط فيها مباشرةً، وتحقق من ورائها أرباحًا فلكية ببيع الأسلحة التي تنتجها مصانعها، ومن اجل ذلك تضغط لتعطيل اي مباحثات سلام لوقفها وهي توشك ان تشعل العالم بأسره في مواجهة نووية لا تبقي ولا تذر.. فيما باقي الشعوب تراقب مذعورة قلقة على مصيرها، والانفاق المهدور على الحرب مستمر في التصا?د، وفقراء العالم حد الجوع يزدادون عددا وبؤسًا، ففي آخر الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة ارتفع عدد الجوْعى الى ٧٨٣ مليونًا، وهو رقم مرعب بكل المقاييس، ودليل صارخ على عدم جدية الجهود الدولية لمكافحة الفقر ما دامت بعض الدول الكبرى تعتبر الحروب ضرورية لإنعاش اقتصادها حتى لو كانت النتيجة انهيار اقتصاد عدد من الدول الاخرى وارتفاع أسعار السلع الغذائية حد حرمان الشعوب الفقيرة منها خصوصًا في أفريقيا المنهوبة!
وبعد.. من الواضح انني لست محايدًا فيما كتبت، كما لم أكن محايدا قط في اي صراع عالمي قاده «الغرب الأبيض» الذي انحاز على مدى مئة سنة وما يزال إلى جانب العدو الصهيوني وهو يقيم في قلب وطني دولته الغاصبة العنصرية المعتدية كأكبر قاعدة عسكرية تتلقى الدعم اللامحدود لترسيخ الهيمنة الاميركية على كامل المنطقة العربية، وهو نفسه الغرب الذي انحاز أيضًا ضد كل الثورات الوطنية في جميع انحاء العالم وخاصةً في اميركا اللاتينية، ولا غرابة في ان اقول انه ينحاز اليوم حتى ضد هبّات شعب الولايات المتحدة نفسها من الاميركيين الأصليين ?السود الذين يسمونهم الأفريقيين الاميركيين وباقي الملونين من اللاتينوز او الصينيين، او سواهم حتى لو كانوا بيضًا كنجوم هوليود المضربين منذ أيام!.