على الرغم من إجازة العيد، وهي أسرية عائلية على الأغلب، أمضيتها على البحر الأسود، ولكنني لم أتمكن من الهروب من متابعة الحدث الفلسطيني الإسرائيلي، فالتداخل بات أكثر قوة بين المشروعين حيث لم يكتملا بعد:
اولا : لا المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي استكمل أهدافه ومخططاته على كامل أرض فلسطين رغم احتلالها بالكامل، وتفوقه وقدرته على توجيه ضربات موجعة لكل ما هو فلسطيني، ولكنه فشل استراتيجياً ، نحو طرد كل الشعب الفلسطيني وتشريده خارج وطنه، الذي لا وطن له غيره، كما لم يتمكن من إخضاع الشعب الفلسطيني لرغباته وإرادته وبرنامجه العنصري التوسعي، فالرفض و النضال الفلسطيني المتقطع متواصل بوتائر مختلفة، وأدوات متنوعة حسب الظروف والمعطيات.
ثانيا : ولا المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، حقق برنامجه المرحلي الانتقالي نحو تطلعات الشعب الفلسطيني المتمثلة مرحلياً بالعناوين الثلاثة: 1 - المساواة في مناطق 48،
2 - الاستقلال لمناطق 67،
3 - العودة للاجئين، واسترداد حقوقهم وممتلكاتهم في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع.
وبسبب عوامل عديدة متداخلة فلسطينياً، إسرائيلياً، عربياً ودولياً، وإخفاق مشروع السلطة الفلسطينية وخطواتها التدريجية نحو الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، وقيام الدولة الفلسطينية.
وبسبب هذا الاخفاق، ثمة من يطرح حل السلطة الفلسطينية، بمبادرة ذاتية وطنية، طالما أخفقت، وطالما هي تخضع لممارسة التنسيق الامني مع مؤسسات المستعمرة وان كانت متوقفة الآن مؤقتا.
حل السلطة يحمل البراءة السياسية، ودوافع وطنية جذرية، ولكنها تحمل في طياتها وعيا خبيثا، أو تسرعا وطنيا بريئا، أو عدم إدراك لأهمية ما تحقق فلسطينياً.
الاتجاه المتطرف لدى المستعمرة، ممثلا بالائتلاف الحاكم المكون من:
1 - اليمين السياسي المتطرف، 2 - الاتجاه الديني اليهودي المتشدد، يرى في حل السلطة الفلسطينية خدمة لتسريع تطبيق برنامجه نحو: 1 - القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة، 2 - أن الضفة الفلسطينية هي يهودا والسامرة أي جزء مكمل للمناطق المحتلة عام 1948، أي جزء من خارطة المستعمرة الإسرائيلية، على كامل أرض فلسطين.
كما ان حل السلطة خدمة لبرنامج انقلاب حركة حماس، المنفردة في إدارتها لقطاع غزة، لتصبح هي عنوان فلسطين الشرعي، فهي نتاج عاملين:
أولهما نضالها وتضحياتها منذ ولادتها عام 1987.
وثانيهما فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006 ونيلها الأغلبية البرلمانية لدى المجلس التشريعي، أهلها في : 1 - ادارة رئاسة المجلس التشريعي، و 2 - تشكيل الحكومة البرلمانية.
لا يدرك العديد من أصحاب الطرح الوطني البريء، أن اسم فلسطين وعنوانها وتمثيلها لو بقي فقط في مساحة المقاطعة في رام الله، سيبقى اسم وعنوان ودولة وسلطة ومشروع فلسطين حياً في قلب فلسطين، صامداً في وجه مخططات نقيضها، ونقيضها هي المستعمرة، فكلاهما نقيض الآخر: فلسطين نقيض المستعمرة، والمستعمرة نقيض فلسطين، حتى ولو بقيت سلطة فلسطين مقتصرة على مساحة المقاطعة، ومساحتها لا تتجاوز 1 كيلو متر مربع، كما هي مساحة الفاتيكان، فالفاتيكان أيضا لا تتجاوز مساحته 1 كيلو متر مربع، وله 94 سفارة في العالم، وفلسطين المحتلة كاملة باستثناء المقاطعة لها 114 سفارة في العالم، تلك هي الحقيقة السياسية التي يجب الحفاظ عليها وتطويرها، بعيداً عن التنسيق الامني مع مؤسسات الاحتلال، وبعيداً عن الانقسام والشرذمة وضيق الأفق السائدة لدى سلطتي رام الله وغزة.