فشل اجتماع وزراء الدفاع لدى حلف الناتو الذي عُقد يوم 20/1/2022، بدعوة من الولايات المتحدة في ألمانيا، وهدف الاجتماع معالجة الوضع العسكري في أوكرانيا، وكيفية مواجهة الاجتياح الروسي، عبر تعزيز الصمود الاوكراني، وتقديم المساعدات العسكرية المختلفة من أسلحة متطورة وتقنيات متعددة، بهدف أميركي بريطاني مستتر ومعلن يقوم على استمرار الحرب، واستنزاف روسيا، ومواصلة توريطها، في أوكرانيا.
بلدان أوروبا على الأغلب، وخاصة ألمانيا لن تشارك واشنطن ولندن، اهدافهما، ولا تجد أن السبيل هو استمرار الحرب وهزيمة روسيا، بل أن ألمانيا تسعى للتوصل إلى صيغة من التفاهم، وإلى حل واقعي يحفظ كرامة طرفي الصراع، خاصة أن استفتاءات الرأي لدى الشعب الألماني تقول : "ليس لنا مصلحة في هذه الحرب، أو في تغذية استمرارها" .
الخلاف السياسي بين قطبي الناتو الولايات المتحدة والمانيا، أدى إلى فشل اجتماع وزراء الناتو، في قاعدة رامشتاين الجوية وذلك عبر رفض المانيا تزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد الألمانية مطالبة الولايات المتحدة مسبقاً تزويد دبابات أبرامز الأميركية المتطورة إلى أوكرانيا، وهكذا فشل الاجتماع وغاياته، وانكشفت أكثر عناوين الخلاف السياسي أصلاً بين القطبين الأمريكي والألماني.
الولايات المتحدة تسعى لمقاتلة روسيا واستنزافها وهزيمتها بواسطة الشعب والجيش الاوكراني، وهي التي لعبت دوراً جوهرياً لتحريض الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي ضد الاتفاق الذي تم التوصل إليه في منسك عاصمة روسيا البيضاء عام 2015، ودفعت أوكرانيا لإلغاء الحكم الذاتي للمناطق الشرقية ذات الكثافة السكانية الروسية في أوكرانيا، مما دفع القيادة الروسية بعد شعورها بالمهانة، إلى اجتياح أوكرانيا.
روسيا تسعى من أجل إلغاء نتائج هزيمتها في الحرب الباردة عام 1990، وتعمل من أجل التوازن بين القطبين الروسي الصيني من طرف، والأمريكي البريطاني من طرف.
بينما ألمانيا تسعى مع فرنسا لتشكيل القطب الثالث بين الطرفين، وخلافهما مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا هو العنوان الأبرز، حيث تعملان نحو إرساء سياسة أوروبية مستقلة عن الهيمنة الأميركية، وهي اي المانيا تملك القدرة الاقتصادية والنفوذ السياسي، وفي 1/1/2025، تنتهي فترة العقوبات الدولية المفروضة عليها منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، حيث سيصار لها امتلاك جيش قوي، وقد رصدت مائة مليار يورو، كمقدمة لبناء جيش ألماني جدير بقدراتها البشرية والاقتصادية والسياسية.
حرب أوكرانيا، وتداعياتها، وعلى نتائج عملياتها، سيتوقف المشهد السياسي الدولي، فالهيمنة والتسلط والتفرد الأميركي بالسياسة الدولية، وفرض القطب الواحد، منذ هزيمة المعسكر الاشتراكي في الحرب الباردة، لن يتواصل، وستواجه الولايات المتحدة تطلعات القطب الثاني روسيا والصين، وبروز القطب الثالث على المشهد السياسي الدولي المتمثل بالتفوق الألماني ومن معه.
فشل حلف الناتو، لا يعود لأسباب تقنية لها علاقات بالدبابتين ليوبارد الألمانية وابرامز الأميركية، بل يعود إلى حجم التباين السياسي والتطلعات والأهداف بين أطراف المعسكر الواحد، بين حيثيات ومسامات معسكر الناتو، وهي مقدمة جوهرية لصناعة مشهد سياسي مختلف مع بدايات العام 2025.