لا أستغرب يوما من الأيام أن يصبح موضوع مادةالكاز احد أبرز مواضيع التعبير (الإنشاء) فيامتحاناتنا الوطنية, ولا أستغرب أيضاً أن تصبحالسلاسل والروابط الكيميائية لمادة الكاز هي احدبرامج مشاريع التخرج لطلبة الجامعة المتخصصينفي الكيماء, وربما نجد على دفاتر الرسم التابعة للأطفال رسومات لها علاقة بمادة الكاز.
لقد أعطينا هذه المادة أكثر من حجمها, مع أنهاتمس طبقة محدودة من المجتمع في فصل الشتاءفقط, كيف لا وقد أصبح موضوع الكاز لدينا حديثجميع أفراد المجتمع بجميع فئاته وجميع طبقاته, حتى الأغنياء الذين لا يستخدموا مادة الكاز باتحديثهم هذه الأيام عن هذه المادة, وأكثر من ذلك نجدأن المعارضة الخارجية قد استخدموا هذه المادةلبيان تقصير الحكومة في دعم هذه المادة والعملعلى رفع الضريبة عنها!
أُدرك تماماً أهمية هذه المادة في فصل الشتاءبالنسبة للفقراء ولذوي الدخل المحدود, وأبرّر لهممطالباتهم المستمرة بخفض اسعارها ولهم الحقالكبير في ذلك, لكنني لا أفهم على الإطلاق تململطبقة الأغنياء عند رفع سعر هذه المادة, في الوقتالذي لا يستخدموا مثل هذه المادة في حياتهم اليومية لا من قريب ولا من بعيد.
أعتقد أن رئاسة الوزراء اجتمعت لمادة الكاز أكثر مماتجتمع لصياغة مشاريع تنموية تهم الوطن والمواطن, وأعتقد أن المجتمع الأردني بجميع طبقاته وفئاتهتحدث عن مادة الكاز أكثر مما يتحدث عن دورالأسرة في تخفيف انحراف الشباب, وأعتقد أنبعض الائمة في بعض المساجد لدينا تحدثوا عنمادة الكاز أكثر مما تحدثوا عن حكم قطع يدالسارق والسارقة, وأعتقد أيضاً أن المعارضةالداخلية والخارجية قد تناولوا موضوع الكاز أكثر منتناولهما (معاناة) موجة البرد التي اجتاحت البلدانالتي يقيمون فيها.
موقف النواب لدينا كان مختلفاً.. فقد وصل الأمربأحدهم أن توجه بسيارته الفاخرة إلى احد محطاتالوقود وطلب من الموظف أن يضع له بقيمة (25) دينار كاز بدلاً من البنزين, لولا لطف الله سبحانه وتعالى, وانتباه موظف المحطة, قائلاً له: هذا كازوليس بنزين!
لقد صرفنا وقتا طويلاً حول مادة الكاز, مع أنالطبقة الدنيا هي التي تستخدم هذه المادة فقط وفيفصل الشتاء بالذات, معتقداً أن هناك مواد أكثرأهمية من مادة الكاز, وتستخدم من قبل جميعطبقات وفئات المجتمع, وفي جميع فصول السنة, وسعرها مرتف جداً, لكن لم يتم تسليط الضوء عليها, والاحتجاج حولها.
رحم الله أبي حين كان يشتري ربع تنكة كاز (5) لترفقط يحملها من مسافة بعيدة مشياً على الاقدام..وذلك لضيق الحال, ولم أشهد له أية شكوى على الإطلاق يوماُ من الايام, ورحم الله أمي فقد كانتتستخدم مادة الكاز للبابور نمرة (4), وللقنديل نمرة(2), وللصوبة ماركة علاء الدين, ولقتل اسرابالصراصير السوداء, والنمل الأحمر والذباب الأزرق.. ومع ذلك لم أذكر أنها تذمّرت ذات يوم.
لقد توصلت لحلول جميع المعادلات الاجتماعية,لكنني اليوم توقفت عند حل معادلة مفادها (في الأمس.. ضيق حال محفوف بسعادة, واليوم.. ضيقحال محفوف بصخب)!.
نريد درس في الكاز..