على أرض فلسطين ولد السيد المسيح، وشهدته كنيسة المهد في بيت لحم، وتلقى البشارة في ناصرة الجليل، وشهدت الكنيسة القيامة في القدس، تعذيبه ليكون رمزاً لعذابات شعبه الفلسطيني، وفي نهرنا الأردني كان له العماد، أيقونة دالة على الإيمان والسلام وصدقية الرسالة والوفاء والكبرياء.
ليست الحركة الاستعمارية الصهيونية أول من طغى ودنس التراب المقدس، وقهر الإنسان صاحب الأرض وحاميها وراعي وفادتها، بل جاء العديد من الرومان وأذنابهم الذين خانوا السيد المسيح وسلموه، وليس انتهاء بالاستعمار البريطاني الذي عمل على تقسيم أرض العرب، وزرع المستعمرة على أرضنا، كأداة وقاعدة استعمارية متقدمة في قلبنا وضد قيمنا وتراثنا وزعزعة مستقبلنا.
ولكن كما هُزم كل الطغاة، ستُهزم مستعمرتهم، وكما تم محاكمة النازيين، ونالوا عقابهم وعزلتهم سيحاكم قادة المستعمرة ومن معهم، ومن الذين غالوا وبطشوا.
يحتفل المسيحيون بولادة السيد المسيح، الفلسطيني الأول الذي بشر بالسلام والمحبة، على أرض فلسطين ولشعبها لتتوزع رسالته وأتباعه وينتشروا حاملين رسالة الشهيد الفلسطيني الأول، الذي لم يساوم رغم مرارة العيش وقوة الرومان وخيانة اليهود، ورحل لتبقى رسالته قوية تتوزع عابرة للحدود وللقوميات، كما هو الإسلام والمسلمون، مكملين رسالة السماء لبني البشر.
فلسطين أرض الرسالات والأنبياء ورسل المحبة، تعيش تحت بساطير الغزاة الأجانب، متوهمين أن اضطهادهم للفلسطينيين والتطاول على المقدسات الإسلامية والمسيحية ستغير التاريخ والتراث، وتمحو ذاكرة الإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم والمسيحي.
قوة المكان، والإنسان، ومكاسب التاريخ والتراث، راسخة، ولّد ثروتها فقراء المخيمات واللاجئين، ليعودوا مع الرئيس الراحل ياسر عرفات بفعل نتائج الانتفاضة الأولى إلى فلسطين مبشرين بإقامة أول سلطة فلسطينية على أرض وطنهم، محدودة الصلاحية، أسيرة الاحتلال ولكنها باتت العنوان المتواضع لمشروع الاستقلال الكبير، مشروع العودة والحرية، نقيضاً للمستعمرة وأدواتها ومشروعها.
ولادة السيد المسيح، على أرض فلسطين، ستبقى العنوان والمضمون، كما هي القدس، عاصمة السماء على الأرض وبوابتها التي أسرى لها سيدنا محمد وعرج منها نحو السماء، تأكيداً للمكانة والرمزية وحفظ القدسية وطهارتها.
يُدنسون المكان ويقتلون أصحابه، وسيدفعون الثمن، ككل الطغاة الذين بادو ورحلوا، تلك هي خلاصة الميلاد الذي يتجدد مع حضور الإنسان الفلسطيني واستمرارية إيمانه.