هذا كتاب أضاء حماس، من شتى جوانبها، بأقلام بعض قادتها، ومفكريها، ما أعطى الكتاب إضافة من التجربة العملية لمؤسسي الحركة.
في الفصل الأول من القسم الأول، غطَّى د. محسن صالح "رصيد التجربة"، بادئاً من خلفيات النشأة، منذ أن افتتحت الإخوان فروعاً لها في فلسطين، سنة 1945، ثم الدور اللافت للمقاتلين الإخوان، من مصر، في حرب فلسطين الأولى، سنة 1948، والتي أبلى فيها الإخوان، بلاءً حسناً، ما جعل النظام الملكي في مصر يعاقبهم! الأمر الذي وصل إلى حدِّ قتل مرشدهم العام، حسن البنا، وحلِّ الجماعة!
ما إن وقع الصدام الدامي لحكم تموز/ يوليو 1952 مع الإخوان، خريف 1954، حتى نزل إخوان قطاع غزة تحت الأرض، ولم يعُد يهمهم إحراج نظام تموز/ يوليو؛ فبدأوا أعمالاً فدائية متواضعة، ضدّ "إسرائيل"، منها ما نفذته الجماعة يوم 1955/2/25، بنسف عبّارة للإسرائيليين، قرب مدينة غزة، تسبَّبت في عدوان إسرائيلي مسلَّح، على أطراف مدينة غزة، يوم 28 شباط/ فبراير، سقط فيه 39 شهيداً مصرياً، وفلسطينياً، وسودانياً؛ ما تسبَّب في اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، ضدّ تقاعس حكم تموز/ يوليو في الدفاع عن قطاع غزة، ولم تتوقف الانتفاضة، إلا بعد أن قطع عبد الناصر وعداً، للجنة مثَّلت المنتفضين، بتحقيق مطالب الانتفاضة الثلاثة؛ إلغاء "مشروع سيناء" لتوطين اللاجئين، وتسليح القطاع، وتحصينه، وتدريب أهله، مع إشاعة الحريات الديموقراطية في القطاع. وقد قامت هذه الانتفاضة على أكتاف تحالف شيوعي – إخواني خاطف، ويتيم. وإذا كان عبد الناصر قد نفَّذ المطلبَيْن الأوّلَيْن، فإنه أغفل المطلب الثالث، وهو لم يحققه في مصر، على مدى 18 سنة من حكمه. بل إن عبد الناصر توسَّع في تحقيق المطلب الثاني للانتفاضة؛ فأخرج من السجون المصرية نحو سبعمئة فلسطيني، سبق أن دانتهم المحاكم العسكرية المصرية بـ"التسلُّل إلى وطنهم المحتل!" وشكَّل منهم "الكتيبة 141 فدائيون"، وولَّى على رأسها البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، وهي الكتيبة التي أوقعت نحو 1,400 قتيل إسرائيلي، خلال بضعة أسابيع؛ فكانت على رأس دوافع "إسرائيل" لاشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر، وقطاع غزة، خريف 1956.
ما ذكرتُه هنا لم يشِر إليه الصديق صالح، بينما كان ضمن أهم محددات ظهور فصائل المقاومة الفلسطينية، في ستينيات القرن العشرين، وفي مقدمها فتح، التي خرجت فكرتها من الإخوان في قطاع غزة.
مع تراجع المقاومة "العلمانية"، بخروجها من بيروت، صيف 1982، إلى المنافي العربية، تجلَّت "الصحوة الإسلامية"، فبدأ الإخوان في قطاع غزة التحضير لخوض غمار العمل الفدائي؛ فكانت الجهاد الإسلامي، وحاول إخوان قطاع غزة البدء فيه، لكن الاحتلال أجهض التحضيرات، بعد أن أغار على مخازن سرية للأسلحة، واعتقل بعض قادة الإخوان هناك، وعلى رأسهم الشهيد الشيخ أحمد ياسين، ومعه القادة المحتملون للحركة الوليدة، وذلك صيف 1984، ولم يُفرج عن الشيخ ياسين إلا بعد نحو سنة، في صفقة تبادل أسرى، مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة، حملت اسم "النَورس" في أيار/ مايو 1985؛ ما أجَّل ظهور حماس إلى ما بعد انطلاق انتفاضة الحجارة، أواخر سنة 1987. وأخذ نشاط حماس في الصعود المطرد، إلى أن كان إقدام صدام حسين على احتلال الكويت، صيف 1990، والتأييد المستهجن الذي ناله هذا العمل من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)، حينها.
حتى وصل عرفات إلى اتفاق أوسلو Oslo Accords، سيء الصيت، خريف 1993؛ ما أجهض الانتفاضة، مقابل وهم تسوية القضية الفلسطينية! لكن حماس ضبطت النفس، حتى إنها لم تنجر إلى صدامات مسلحة مع فتح. حتى صُدم عرفات بجبهته، واكتشف بأنه لم يفلت من محاولات النظام السياسي العربي لإزاحته، عقاباً له على تأييده لصدام حسين، بل وقع عرفات تحت المقصلة الإسرائيلية؛ فتنبَّه، متأخراً، إلى أن القضية الوطنية، نفسها، غدت تحت المقصلة؛ فكانت انتفاضة الأقصى 2000–2004، والتي خرج فيها عرفات عن قواعد اللعبة الإسرائيلية، فقتلوه؛ وقد كتب شمعون بيريز Shimon Peres، في اليوم التالي لوفاة عرفات، بأن الأخير سلك في كل الخطوات، وإن تلكّأ في الخطوة الأخيرة! وكأن الجملة التي لم تُكمل المعنى، تقول: ولهذا قتلناه!
عن "الرؤية السياسية لحماس" كان الفصل الثاني، وكتبه د. يوسف رزقة، مركِّزاً على الدين، والدولة، والوطنية، والعلمانية، والديموقراطية، وسلطة الشعب، والتعددية السياسية، وحقوق الإنسان. بينما كان ميثاق حماس، الذي أعلنته الحركة، صيف 1988، في رأي كاتب هذه السطور، بعيداً كل البعد، عن السياسة، مغرقاً في المصطلحات الدينية، حتى أن رزقة نفسه، لاحظ بأن اتفاق أوسلو، ودخول عرفات إلى غزة، بعد نحو عشرة أشهر من هذا الاتفاق، لم يدفعا حماس نحو السياسة، وبناء نظرية خاصة بها. (ص 65)
أما "رؤية حماس للآخر"، فخُصِّص لها الفصل الثالث، وتولاه د. مصطفى أبو صُوَى، الذي تساءل عما إذا كان ثمة علاقة بين الصراع، وبين إيجاد الصور النمطية، حول جهة ما، أو انتشارها، وهل ذِكر كيان ديني، أو عرقي، بطريقة سلبية، يُعدّ أمراً سلبياً؟ ذلك أن ميثاق حماس تعامل مع اليهودية، وليس الصهيونية؛ الأمر الذي حوَّل الميثاق، في رأي كاتب هذه السطور، إلى ورقة دينية، وليست رؤية سياسية.
ركَّز الفصل الرابع على "موقف حماس من منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها"، وكتبه د. أحمد سعيد نوفل؛ ود. محسن محمد صالح. وقد جاء في الميثاق إياه "منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية؛ ففيها إما الأخ، أو الصديق، وهل يجفو المسلم أباه، أو أخاه، أو قريبه، فوطننا واحد، ومصابنا واحد، ومصيرنا واحد، وعدونا مشترك". وإن أخذ الميثاق على منظمة التحرير تبنيها العلمانية؛ "المناهضة للفكرة الدينية، مناهضة عامة". بينما تقضي العلمانية بمجرد إبعاد سلطة رجال الدين عن الدولة، لذلك نرى رجب طيب أردوغانRecep Tayyip Erdoğan يؤكد بأن حزبه الإسلامي تصالح مع العلمانية. إلى أن وصلت حماس، بعد نحو عشرين سنة، إلى رأي مخالف، تماماً، لرأي الميثاق. ولم تأخذ حماس على منظمة التحرير عدم أخذها بالإصلاح السياسي، أو المؤسسي، والديموقراطي، وأن يشارك الجميع في بناء المنظمة. وأن يُختار أعضاء المجلس الوطني بالانتخاب الحر، المباشر، وحين استعصت كل هذه الأمور، اضطرت حماس للحسم، في قطاع غزة، وهو حسم، وليس انقلاباً، ذلك أن حماس كانت حازت على أغلبية في المجلس التشريعي، يُفترض أن تنتقل إليها زمام الأمور في السلطة، الأمر الذي لم تُمكِّنها منه فتح، وأجهزتها الأمنية، وسال الدم، ما اضطر حماس للحسم، بدمٍ أقل.
لكن ماذا عن موقف حماس من الحركات الإسلامية الفلسطينية الأخرى؟ الأمر الذي عالجه الفصل الخامس، وكتبه سميح حموده. أما الحركات الإسلامية في فلسطين، فتشمل: حزب التحرير، والسلفيون، والصوفيون، وحركة الجهاد الإسلامي، مع تركيز حماس على العلاقة مع الجهاد، حيال متغيرات الساحتَين، العربية، والدولية، أما المجال الثاني، فتمثَّل في تحليل الفكر السياسي لكل تلك الحركات، مع إلقاء الضوء على جذور العلاقة بينها جميعاً، ومدى التباين الفكري بينها، بدءاً من المتغيرات، العربية والدولية، ودورها في صعود تلك الحركات، إلى أسس موقف حماس من بقية الحركات الإسلامية. وخلص حموده من كل هذا، إلى أن التيار الإسلامي الوسطي يُمثِّل التيار الأكثر قوة، وانتشاراً. وقد بنت حماس علاقاتها ببقية الحركات الإسلامية على قاعدة "التعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه". وهي قاعدة أرساها الشيخ رشيد رضا، قبل نحو قرن من الزمن.
بينما أولى الفصل السادس، الاهتمام بتعامل "حماس وعملية التسوية السلمية"، وتولاه د. رائد نعيرات. ورأيي أن عنوان الفصل يشي بأن ما تمّ في أوسلو، قبل نحو ثلاثين سنة، كان "تسوية سلمية"، بينما هو تفريط بمعظم فلسطين، وتصفية لقضيتنا الوطنية؛ حتى أن الشيخ الشهيد، أحمد ياسين، علَّق، من محبسه الإسرائيلي، على اتفاق أوسلو، قائلاً: "من لا يستطيع الزواج لا يحل له الزنا!" أي أن حماس دانت اتفاق أوسلو، عند عقده، وإن لم تُصادم فتح، بسببه، لذلك كان رفض حماس لمؤتمر مدريد Madrid Conference، الذي انعقد، قبل ذلك الاتفاق، بنحو سنتَين، وواجهت حماس الموقف المستجد بتحالف ضمّ عشرة فصائل مقاومة (الفصائل العشر). والموقف نفسه اتخذته حماس، في مواجهة اتفاق القاهرة 1994، وحين اصطدم عرفات بواقع اتفاقات الإذعان، تمرَّد عليها، لكن بعد فوات الأوان، وكانت انتفاضة الأقصى، منذ 2000/9/28، سبباً كافياً لترطيب العلاقة بين فتح، وحماس. ثم دخلت حماس الانتخابات التشريعية سنة 2005، غداة اندحار الاحتلال الإسرائيلي، تماماً، عن قطاع غزة، مكتفياً بخنق القطاع، وشعبه، واشترطت اللجنة الرباعية Quartet on the Middle East لاعترافها بحماس، أن تلتزم الأخيرة باتفاقات م.ت.ف.، ونبذ حماس العنف، واعترافها بالكيان الصهيوني، الأمور التي لم تحدُث.
أما "رؤية حماس للإصلاح السياسي والاجتماعي في فلسطين"، فتولاه الفصل السابع، وعكف على كتابته د. حافظ الكرمي؛ بادئاً بوصف حماس—حسب ميثاقها—بأنها "حركة جهادية… وهي جزء من حركة النهضة الإسلامية… وترى أن النهضة، والإصلاح هما المدخل الأساسي لتحرير فلسطين". أما رؤية حماس لمفهوم "العمل السياسي"، و"الإصلاح السياسي"، و"إصلاح منظمة التحرير"، و"الإصلاح الاجتماعي"، فقد بيَّن الكرمي كيف سعت حماس إلى تحقيق رؤيتها هذه، على الرغم مما اعترضها من صعوبات، ومعوِّقات. وقد اعتمد الكاتب هنا على وثائق حماس، وكتابات، وتصريحات قادتها.
في الفصل الثامن، كتب د. عدنان أبو عامر عن "علاقات حركة حماس مع العالم العربي"؛ بادئاً بمحددات هذه العلاقات؛ التي تشمل الاتصال بمختلف الأطراف العربية، ورفض التدخُّل في الشؤون الداخلية، وتجنب معارك جانبية، مع أي طرف عربي، وحصر فلسطين ساحة للمقاومة المسلَّحة، والدعوة لوحدة الصف العربي، ورفض المحاور.
عن "المنطلقات العربية في العلاقة مع حماس"، أعادها الكاتب إلى طبيعة كل نظام عربي، والقُرب، أو البُعد، جغرافياً، عن فلسطين، مع التركيز على الرأي العام الشعبي، ومتابعة الضغوط، الأمريكية، والأوروبية، والتي تستهدف عمل حماس في تلك الساحة. وعليه، فقد تنوَّعت المواقف العربية الرسمية، من حماس وتدرّجت.
لقد هدفت حماس من علاقاتها العربية إلى توسيع الاهتمام والمشاركة العربية في القضية الفلسطينية، وتأكيد حضور الحركة عربياً، ووضع الأطراف العربية في الصورة، مع الانفتاح السياسي والإعلامي، والعمل على اعتراف الدول العربية بالحركة. وقد استجدت لحماس مصالح مع الدول العربية، أهمها: الحفاظ على وتيرة الدعم، وتعزيز علاقتها مع دمشق، الأمر الذي انقلب، بعد ما أصاب سورية من بركات "الربيع العربي"، الحرص على نيل حماس "الشرعية العربية"، الأمر الذي ازداد استعصاءً، بعد تداعيات حرب الخليج الثانية 1990–1991، وانخراط دول عربية في التطبيع مع الكيان الصهيوني (يسميها الكاتب بـ"عملية التسوية"!)، واستغراق دول عربية في مشاكلها الداخلية المستفحلة، ووقوع دول عربية تحت نير الديون الغربية الثقيلة.
لقد واجهت حماس عقبات جمَّة في هذا الطريق، أولاً مع الإرث، السياسي والتاريخي للإخوان المسلمين، والاعتراف العربي بشرعية منظمة التحرير، ومشاريع التصفية (التي يسميها الكاتب "مشاريع التسوية السلمية!")، والحملة الغربية على الحركات الإسلامية، وتفكيك علاقة حماس بإيران.
أما البُعد الشعبي في علاقات حماس العربية، فتمثل في الانفتاح على الجميع.
نأتي إلى المواقف الرسمية العربية من حماس، التي غالباً ما اتسمت بالودِّ المفقود، ما عدا سورية، حتى اندلاع القلاقل فيها، مطلع سنة 2011، هنا خرجت الحركة على ما رصده الكاتب، ربما تجنباً لاختلاف يقع بين حماس، وفروع الإخوان الأخرى، في الوطن العربي.
أعتقد بأن حماس لم تُحسن التعامل مع ما يُسمى بـ"الربيع العربي"، الذي لم يكن إلا "الفوضى الخلاقة"، التي توعدتنا بها كونداليزا رايس Condoleezza Rice، وزيرة الخارجية الأمريكية، أوائل القرن الحالي. بعد ذلك، كانت "علاقات حماس الشعبية"، من مؤتمرات، وتجمّعات، عربية فوقية، وفي مواجهة التطبيع، ومحاولات كسر الحصار على قطاع غزة، وفي مجال العمل الخيري.
عن "حماس والعالم الإسلامي: تركيا وإيران نموذجاً"، جاء الفصل التاسع، وتعهده د. طلال عتريس (حزب الله)، الذي لاحظ بأن منظمة التعاون الإسلامي لم تُقم أي علاقة مع حماس؛ لأن الأولى مثَّلت أنظمة، دون شعوبها. بينما تعزَّزت علاقة حماس بتركيا، بعد نجاح الأولى في الانتخابات التشريعية سنة 2006، بينما دأبت إيران على إعلان دعمها لحماس، وفي رفض مبدأ التفاهم بين الإسرائيليين، والفلسطينيين، وأعطت إيران صوتها للمقاومة، بينما أدارت ظهرها للكيان الصهيوني.
وصلت حماس إلى سدّة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود، الأمر الذي غطاه الفصل العاشر، وأنجزه كل من د. اشتياق حسين، وبلال الشوبكي، ابتداءً من السؤال عن مدى إمكانية انسجام الحركات الإسلامية، عند وصولها إلى الحكم، مع البنية الديموقراطية للأنظمة السياسية. وبدا السؤال مستهجناً، لأن السلطة الفلسطينية أشدّ من بقية أنظمة الحكم العربية استبداداً ودكتاتورية! أما وقد وصلت حماس إلى سدَّة الحكم، في مناطق الحكم الإداري الذاتي المحدود، فإن هذا الوصول، سيتعارض مع مواصلة حماس للكفاح المسلَّح، فكيف عالجته؟ أم أنها أخفقت في هذا المجال؟!
بداية، بذلت حماس قصارى جهدها لإشراك بقية الفصائل الفلسطينية معها، في تشكيل الحكومة، فإذا كانت فتح قد استنكفت، فإن الجبهة الديموقراطية سارعت إلى إعلان رفضها المشاركة، وبقيت الجبهة الشعبية، التي وافق مكتبها السياسي، بأغلبية ضئيلة، على هذه المشاركة، وإن تحوَّلت هذه الموافقة إلى رفض، على يدي مركزية الشعبية، أما الجهاد فإنها وضعت نفسها خارج الدائرة!
عالج الفصل، أيضاً، إشكاليات النظام السياسي الفلسطيني، وكيفية تعامل حماس معها، مع كل التحديات الذاتية والموضوعية، وقد واجهت حماس صعوبة ملحوظة في الجمع بين الحكم والمقاومة، ووُضعت العراقيل أمام محاولات حماس للإصلاح، وبصعوبة بالغة، نجحت حماس في الانتقال من ردّ الفعل إلى المبادرة، وقد رفضت حماس أن تخلع عنها ثوب المقاومة، فاستفحلت المقاطعة الدولية للحركة، إلى أن جاءت حكومة حمساوية خالصة، برئاسة الأخ إسماعيل هنية، فتوالت الحروب الإسرائيلية، ضدّ قطاع غزة، تُدمِّر المباني، فوق رؤوس ساكنيها، بينما توفِّر واشنطن الغطاء الدعاوي الدولي لـ"إسرائيل"، بالزعم بأن الكيان الصهيوني إنما يشنّ هذه الحروب بالأسلحة، والطائرات، والصواريخ الأمريكية، "دفاعاً عن النفس!"
جاء الدور في الفصل الحادي عشر، على "حماس في الدراسات والأدبيات الغربية"، وغطاه يوسف أبو السعود، حيث رآها البعض بمثابة "ميليشيا عسكرية محافظة"، بينما رآها بعض آخر "منظمة سياسية واقعية"، ما أثار الجدل، داخل حماس، وخارجها، حول ميثاق حماس، وإن رأى البعض حماس ضمن منظمات الإرهاب الدولي، بينما كل التشريعات الغربية، والدولية، تُعطي صوتها لمقاتلة المحتل!
هنا، بدأت ديناميات جديدة، داخل حماس، وما حولها.
تولى القسم الثاني من الكتاب، تغطية "حماس كما يعبِّر عنها قادتها"، بدءاً من خالد مشغل، ثاني رئيس مكتب سياسي لحماس، الذي أجرى تقييماً لتجربة حماس في السلطة، وفي محاولات إجراء المصالحة الوطنية، حيث توصَّلت الحركة إلى تِسع اتفاقات مصالحة، مع قيادة فتح، التي لم تُرِد الخروج على "الفيتو" الإسرائيلي على هذه المصالحة، ثم عرض مشعل لرؤية الحركة للقضية الفلسطينية، وفي مجال التطبيق، خصوصاً بعد ما يُسمى "الربيع العربي".
في الفصل الثالث عشر، تولى إسماعيل هنية قراءة حماس في الرؤية، وتجربة الحكم، يؤهله لذلك كونه أول رئيس حكومة، بعد نجاح حماس في الانتخابات، وآخر رئيس للمكتب السياسي لحماس، حتى الآن.
تحدث هنية عن ثوابت حماس، وعن قوتها، وتماسكها، وأولويات المشروع الوطني الفلسطيني، وتقييم النموذج المقاوم لحماس، وموقف حماس من اليهود، بعد أن كان ميثاق حماس تعامل معهم بطريقة، سرعان ما تركها قادة حماس. قبل أن ينتقل هنية إلى "الموقف من الاعتراف بالكيان الصهيوني، ومشروع التسوية السلمية، والحدِّ الأدنى، الذي يمكن أن تقبل به حماس"، واستعصاء الإصلاح تحت الاحتلال، وتجربة الحكومة العاشرة، التي شكلتها حماس منفردة، قبل "تجربة حكومة الوحدة الوطنية"، ثم "تجربة حكومة تسيير الأعمال 2007–2013″، إلى "تقييم علاقات حماس مع فتح واليسار الفلسطيني".
عن "حماس: قراءة وتقييم للتجربة"، تولى د. موسى أبو مرزوق أمر الفصل الرابع عشر، وأبو مرزوق هو المؤهل لتغطيته، أكثر من غيره؛ فهو أول رئيس للمكتب السياسي لحماس، وهو ابن قطاع غزة، الذي ظهرت فيه حماس، وأبو مرزوق من ازداد خبرة سياسية في العمل الإخواني، بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم في المجال العربي، ما أكسبه خبرات سياسية واسعة، مع حفاظه على الأساس الدعوي للحركة.
رأى أبو مرزوق أن عناصر قوة حماس تكمن في: الشورى، والعمل المؤسسي التخصصي، وعدم الارتهان لسياسات خارجية، والفصل بين السلطات، واعتماد الانتخابات، والنقد، والتقييم المستمر، والتواصل بين القيادة، والقاعدة. أما أبرز عناصر القوة، فلعلها تمثلت في: التربية الداخلية، واللُحمة التنظيمية، والمؤسسيّة، وشرعية القيادة.
انتقل أول قائد لحماس إلى "أولويات المشروع الوطني الفلسطيني في نظر حماس"، فموقف الحركة من اليهود، والصهيونية، والاعتراف بكيانها، ومشروع التسوية السلمية، والحدِّ الأدنى، الذي يمكن أن تقبل به حماس.
عن "تجربة حماس في السلطة"، تحدث أبو مرزوق عن الجانب السياسي والاقتصادي، ثم الأمني، وأخيراً الاجتماعي والأخلاقي والحقوقي. قبل أن ينتقل إلى "تقييم علاقات حماس مع القوى الفلسطينية"، بدءاً من فتح، فالجهاد، قبل اليسار، متمثلاً في الجبهتين الشعبية، والديموقراطية، متجاهلاً حزب الشعب، لاستمراره في عضوية تنفيذية منظمة التحرير، غداة اتفاق أوسلو، التي انفرد هذا الحزب بالاعتراف بهذا الاتفاق، دوناً عن كل القوى السياسية الفلسطينية!
على الرغم من الإدانة المضمَّنة لممارسات رئاسة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود، فإن أبو مرزوق يُصرّ على "التوافق والشراكة" مع هذه السلطة! صحيح أن حماس لم تُعِق المصالحة الفلسطينية، التي يسميها الحمساويون "المصالحة الوطنية"! وهو أعاد تعويق هذه المصالحة إلى العامل الخارجي، وعقدة البرامج السياسية، وأولويات أبو مازن السياسية. بينما لم تتوفر عوامل هذه الوحدة، بعد، في اعتقادي للتعارض الشديد بين برنامجَيْ حماس، وقيادة فتح.
أنهى أبو عمر فصله، مسهباً عن العلاقة مع ما أسماه "محور الممانعة": سورية، وإيران، وحزب الله.
تولى سامي خاطر متابعة "رؤية حماس لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني"، في الفصل الخامس عشر، بدءاً من "الموجِّهات الأساسية في بلورة رؤية حماس"، و"رؤية حماس لإدارة الصراع".
بقي الفصل السادس عشر والأخير، عن "العلاقات الدولية لحركة حماس"، وتولاه أسامه حمدان، بادئاً بـ"أسس وضوابط علاقات حماس الخارجية"، و"المصاعب والتحديات الخارجية"، و"تطور نجاحات حماس وإخفاقاتها في علاقاتها الخارجية".
قبل أن يتوَّج الكتاب بثماني عشر وثيقة، لا أدري لماذا لم تتضمن ميثاق حماس آب/ أغسطس 1988، حتى نرى كيف تخطته الممارسة، ما اضطر حماس إلى تطوير خطها السياسي، في "وثيقة المبادئ في السياسات العامة"، التي أعلنتها قيادة حماس، في مؤتمر صحفي في 2017/5/1.
وبعد، فنحن أمام كتاب موسوعي، ضمّ ستمئة وسبعين صفحة من القطع الكبير، يتميز قسمه الأول بدراسات لباحثين وأكاديميين متخصصين، ويتميز قسمه الثاني بأنه يُعرّف حماس بأقلام عدد من مؤسسيها وقادتها. ومع ذلك، فما زالت هناك حاجة لدراسات أخرى عن حماس من زوايا مختلفة، استكمالاً للفائدة. أما قراءتي هذه لهذا الكتاب القيِّم، فهي "مجرد تصبيرة"، لم أقدِّم فيها كل ملاحظاتي على فكر وممارسة هذه الحركة المجاهدة، التي تعمل وسط حقل ألغام، من المحيط إلى الخليج.
في الفصل الأول من القسم الأول، غطَّى د. محسن صالح "رصيد التجربة"، بادئاً من خلفيات النشأة، منذ أن افتتحت الإخوان فروعاً لها في فلسطين، سنة 1945، ثم الدور اللافت للمقاتلين الإخوان، من مصر، في حرب فلسطين الأولى، سنة 1948، والتي أبلى فيها الإخوان، بلاءً حسناً، ما جعل النظام الملكي في مصر يعاقبهم! الأمر الذي وصل إلى حدِّ قتل مرشدهم العام، حسن البنا، وحلِّ الجماعة!
ما إن وقع الصدام الدامي لحكم تموز/ يوليو 1952 مع الإخوان، خريف 1954، حتى نزل إخوان قطاع غزة تحت الأرض، ولم يعُد يهمهم إحراج نظام تموز/ يوليو؛ فبدأوا أعمالاً فدائية متواضعة، ضدّ "إسرائيل"، منها ما نفذته الجماعة يوم 1955/2/25، بنسف عبّارة للإسرائيليين، قرب مدينة غزة، تسبَّبت في عدوان إسرائيلي مسلَّح، على أطراف مدينة غزة، يوم 28 شباط/ فبراير، سقط فيه 39 شهيداً مصرياً، وفلسطينياً، وسودانياً؛ ما تسبَّب في اندلاع انتفاضة شعبية عارمة، ضدّ تقاعس حكم تموز/ يوليو في الدفاع عن قطاع غزة، ولم تتوقف الانتفاضة، إلا بعد أن قطع عبد الناصر وعداً، للجنة مثَّلت المنتفضين، بتحقيق مطالب الانتفاضة الثلاثة؛ إلغاء "مشروع سيناء" لتوطين اللاجئين، وتسليح القطاع، وتحصينه، وتدريب أهله، مع إشاعة الحريات الديموقراطية في القطاع. وقد قامت هذه الانتفاضة على أكتاف تحالف شيوعي – إخواني خاطف، ويتيم. وإذا كان عبد الناصر قد نفَّذ المطلبَيْن الأوّلَيْن، فإنه أغفل المطلب الثالث، وهو لم يحققه في مصر، على مدى 18 سنة من حكمه. بل إن عبد الناصر توسَّع في تحقيق المطلب الثاني للانتفاضة؛ فأخرج من السجون المصرية نحو سبعمئة فلسطيني، سبق أن دانتهم المحاكم العسكرية المصرية بـ"التسلُّل إلى وطنهم المحتل!" وشكَّل منهم "الكتيبة 141 فدائيون"، وولَّى على رأسها البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، وهي الكتيبة التي أوقعت نحو 1,400 قتيل إسرائيلي، خلال بضعة أسابيع؛ فكانت على رأس دوافع "إسرائيل" لاشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر، وقطاع غزة، خريف 1956.
ما ذكرتُه هنا لم يشِر إليه الصديق صالح، بينما كان ضمن أهم محددات ظهور فصائل المقاومة الفلسطينية، في ستينيات القرن العشرين، وفي مقدمها فتح، التي خرجت فكرتها من الإخوان في قطاع غزة.
مع تراجع المقاومة "العلمانية"، بخروجها من بيروت، صيف 1982، إلى المنافي العربية، تجلَّت "الصحوة الإسلامية"، فبدأ الإخوان في قطاع غزة التحضير لخوض غمار العمل الفدائي؛ فكانت الجهاد الإسلامي، وحاول إخوان قطاع غزة البدء فيه، لكن الاحتلال أجهض التحضيرات، بعد أن أغار على مخازن سرية للأسلحة، واعتقل بعض قادة الإخوان هناك، وعلى رأسهم الشهيد الشيخ أحمد ياسين، ومعه القادة المحتملون للحركة الوليدة، وذلك صيف 1984، ولم يُفرج عن الشيخ ياسين إلا بعد نحو سنة، في صفقة تبادل أسرى، مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة، حملت اسم "النَورس" في أيار/ مايو 1985؛ ما أجَّل ظهور حماس إلى ما بعد انطلاق انتفاضة الحجارة، أواخر سنة 1987. وأخذ نشاط حماس في الصعود المطرد، إلى أن كان إقدام صدام حسين على احتلال الكويت، صيف 1990، والتأييد المستهجن الذي ناله هذا العمل من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)، حينها.
حتى وصل عرفات إلى اتفاق أوسلو Oslo Accords، سيء الصيت، خريف 1993؛ ما أجهض الانتفاضة، مقابل وهم تسوية القضية الفلسطينية! لكن حماس ضبطت النفس، حتى إنها لم تنجر إلى صدامات مسلحة مع فتح. حتى صُدم عرفات بجبهته، واكتشف بأنه لم يفلت من محاولات النظام السياسي العربي لإزاحته، عقاباً له على تأييده لصدام حسين، بل وقع عرفات تحت المقصلة الإسرائيلية؛ فتنبَّه، متأخراً، إلى أن القضية الوطنية، نفسها، غدت تحت المقصلة؛ فكانت انتفاضة الأقصى 2000–2004، والتي خرج فيها عرفات عن قواعد اللعبة الإسرائيلية، فقتلوه؛ وقد كتب شمعون بيريز Shimon Peres، في اليوم التالي لوفاة عرفات، بأن الأخير سلك في كل الخطوات، وإن تلكّأ في الخطوة الأخيرة! وكأن الجملة التي لم تُكمل المعنى، تقول: ولهذا قتلناه!
عن "الرؤية السياسية لحماس" كان الفصل الثاني، وكتبه د. يوسف رزقة، مركِّزاً على الدين، والدولة، والوطنية، والعلمانية، والديموقراطية، وسلطة الشعب، والتعددية السياسية، وحقوق الإنسان. بينما كان ميثاق حماس، الذي أعلنته الحركة، صيف 1988، في رأي كاتب هذه السطور، بعيداً كل البعد، عن السياسة، مغرقاً في المصطلحات الدينية، حتى أن رزقة نفسه، لاحظ بأن اتفاق أوسلو، ودخول عرفات إلى غزة، بعد نحو عشرة أشهر من هذا الاتفاق، لم يدفعا حماس نحو السياسة، وبناء نظرية خاصة بها. (ص 65)
أما "رؤية حماس للآخر"، فخُصِّص لها الفصل الثالث، وتولاه د. مصطفى أبو صُوَى، الذي تساءل عما إذا كان ثمة علاقة بين الصراع، وبين إيجاد الصور النمطية، حول جهة ما، أو انتشارها، وهل ذِكر كيان ديني، أو عرقي، بطريقة سلبية، يُعدّ أمراً سلبياً؟ ذلك أن ميثاق حماس تعامل مع اليهودية، وليس الصهيونية؛ الأمر الذي حوَّل الميثاق، في رأي كاتب هذه السطور، إلى ورقة دينية، وليست رؤية سياسية.
ركَّز الفصل الرابع على "موقف حماس من منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها"، وكتبه د. أحمد سعيد نوفل؛ ود. محسن محمد صالح. وقد جاء في الميثاق إياه "منظمة التحرير الفلسطينية من أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية؛ ففيها إما الأخ، أو الصديق، وهل يجفو المسلم أباه، أو أخاه، أو قريبه، فوطننا واحد، ومصابنا واحد، ومصيرنا واحد، وعدونا مشترك". وإن أخذ الميثاق على منظمة التحرير تبنيها العلمانية؛ "المناهضة للفكرة الدينية، مناهضة عامة". بينما تقضي العلمانية بمجرد إبعاد سلطة رجال الدين عن الدولة، لذلك نرى رجب طيب أردوغانRecep Tayyip Erdoğan يؤكد بأن حزبه الإسلامي تصالح مع العلمانية. إلى أن وصلت حماس، بعد نحو عشرين سنة، إلى رأي مخالف، تماماً، لرأي الميثاق. ولم تأخذ حماس على منظمة التحرير عدم أخذها بالإصلاح السياسي، أو المؤسسي، والديموقراطي، وأن يشارك الجميع في بناء المنظمة. وأن يُختار أعضاء المجلس الوطني بالانتخاب الحر، المباشر، وحين استعصت كل هذه الأمور، اضطرت حماس للحسم، في قطاع غزة، وهو حسم، وليس انقلاباً، ذلك أن حماس كانت حازت على أغلبية في المجلس التشريعي، يُفترض أن تنتقل إليها زمام الأمور في السلطة، الأمر الذي لم تُمكِّنها منه فتح، وأجهزتها الأمنية، وسال الدم، ما اضطر حماس للحسم، بدمٍ أقل.
لكن ماذا عن موقف حماس من الحركات الإسلامية الفلسطينية الأخرى؟ الأمر الذي عالجه الفصل الخامس، وكتبه سميح حموده. أما الحركات الإسلامية في فلسطين، فتشمل: حزب التحرير، والسلفيون، والصوفيون، وحركة الجهاد الإسلامي، مع تركيز حماس على العلاقة مع الجهاد، حيال متغيرات الساحتَين، العربية، والدولية، أما المجال الثاني، فتمثَّل في تحليل الفكر السياسي لكل تلك الحركات، مع إلقاء الضوء على جذور العلاقة بينها جميعاً، ومدى التباين الفكري بينها، بدءاً من المتغيرات، العربية والدولية، ودورها في صعود تلك الحركات، إلى أسس موقف حماس من بقية الحركات الإسلامية. وخلص حموده من كل هذا، إلى أن التيار الإسلامي الوسطي يُمثِّل التيار الأكثر قوة، وانتشاراً. وقد بنت حماس علاقاتها ببقية الحركات الإسلامية على قاعدة "التعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه". وهي قاعدة أرساها الشيخ رشيد رضا، قبل نحو قرن من الزمن.
بينما أولى الفصل السادس، الاهتمام بتعامل "حماس وعملية التسوية السلمية"، وتولاه د. رائد نعيرات. ورأيي أن عنوان الفصل يشي بأن ما تمّ في أوسلو، قبل نحو ثلاثين سنة، كان "تسوية سلمية"، بينما هو تفريط بمعظم فلسطين، وتصفية لقضيتنا الوطنية؛ حتى أن الشيخ الشهيد، أحمد ياسين، علَّق، من محبسه الإسرائيلي، على اتفاق أوسلو، قائلاً: "من لا يستطيع الزواج لا يحل له الزنا!" أي أن حماس دانت اتفاق أوسلو، عند عقده، وإن لم تُصادم فتح، بسببه، لذلك كان رفض حماس لمؤتمر مدريد Madrid Conference، الذي انعقد، قبل ذلك الاتفاق، بنحو سنتَين، وواجهت حماس الموقف المستجد بتحالف ضمّ عشرة فصائل مقاومة (الفصائل العشر). والموقف نفسه اتخذته حماس، في مواجهة اتفاق القاهرة 1994، وحين اصطدم عرفات بواقع اتفاقات الإذعان، تمرَّد عليها، لكن بعد فوات الأوان، وكانت انتفاضة الأقصى، منذ 2000/9/28، سبباً كافياً لترطيب العلاقة بين فتح، وحماس. ثم دخلت حماس الانتخابات التشريعية سنة 2005، غداة اندحار الاحتلال الإسرائيلي، تماماً، عن قطاع غزة، مكتفياً بخنق القطاع، وشعبه، واشترطت اللجنة الرباعية Quartet on the Middle East لاعترافها بحماس، أن تلتزم الأخيرة باتفاقات م.ت.ف.، ونبذ حماس العنف، واعترافها بالكيان الصهيوني، الأمور التي لم تحدُث.
أما "رؤية حماس للإصلاح السياسي والاجتماعي في فلسطين"، فتولاه الفصل السابع، وعكف على كتابته د. حافظ الكرمي؛ بادئاً بوصف حماس—حسب ميثاقها—بأنها "حركة جهادية… وهي جزء من حركة النهضة الإسلامية… وترى أن النهضة، والإصلاح هما المدخل الأساسي لتحرير فلسطين". أما رؤية حماس لمفهوم "العمل السياسي"، و"الإصلاح السياسي"، و"إصلاح منظمة التحرير"، و"الإصلاح الاجتماعي"، فقد بيَّن الكرمي كيف سعت حماس إلى تحقيق رؤيتها هذه، على الرغم مما اعترضها من صعوبات، ومعوِّقات. وقد اعتمد الكاتب هنا على وثائق حماس، وكتابات، وتصريحات قادتها.
في الفصل الثامن، كتب د. عدنان أبو عامر عن "علاقات حركة حماس مع العالم العربي"؛ بادئاً بمحددات هذه العلاقات؛ التي تشمل الاتصال بمختلف الأطراف العربية، ورفض التدخُّل في الشؤون الداخلية، وتجنب معارك جانبية، مع أي طرف عربي، وحصر فلسطين ساحة للمقاومة المسلَّحة، والدعوة لوحدة الصف العربي، ورفض المحاور.
عن "المنطلقات العربية في العلاقة مع حماس"، أعادها الكاتب إلى طبيعة كل نظام عربي، والقُرب، أو البُعد، جغرافياً، عن فلسطين، مع التركيز على الرأي العام الشعبي، ومتابعة الضغوط، الأمريكية، والأوروبية، والتي تستهدف عمل حماس في تلك الساحة. وعليه، فقد تنوَّعت المواقف العربية الرسمية، من حماس وتدرّجت.
لقد هدفت حماس من علاقاتها العربية إلى توسيع الاهتمام والمشاركة العربية في القضية الفلسطينية، وتأكيد حضور الحركة عربياً، ووضع الأطراف العربية في الصورة، مع الانفتاح السياسي والإعلامي، والعمل على اعتراف الدول العربية بالحركة. وقد استجدت لحماس مصالح مع الدول العربية، أهمها: الحفاظ على وتيرة الدعم، وتعزيز علاقتها مع دمشق، الأمر الذي انقلب، بعد ما أصاب سورية من بركات "الربيع العربي"، الحرص على نيل حماس "الشرعية العربية"، الأمر الذي ازداد استعصاءً، بعد تداعيات حرب الخليج الثانية 1990–1991، وانخراط دول عربية في التطبيع مع الكيان الصهيوني (يسميها الكاتب بـ"عملية التسوية"!)، واستغراق دول عربية في مشاكلها الداخلية المستفحلة، ووقوع دول عربية تحت نير الديون الغربية الثقيلة.
لقد واجهت حماس عقبات جمَّة في هذا الطريق، أولاً مع الإرث، السياسي والتاريخي للإخوان المسلمين، والاعتراف العربي بشرعية منظمة التحرير، ومشاريع التصفية (التي يسميها الكاتب "مشاريع التسوية السلمية!")، والحملة الغربية على الحركات الإسلامية، وتفكيك علاقة حماس بإيران.
أما البُعد الشعبي في علاقات حماس العربية، فتمثل في الانفتاح على الجميع.
نأتي إلى المواقف الرسمية العربية من حماس، التي غالباً ما اتسمت بالودِّ المفقود، ما عدا سورية، حتى اندلاع القلاقل فيها، مطلع سنة 2011، هنا خرجت الحركة على ما رصده الكاتب، ربما تجنباً لاختلاف يقع بين حماس، وفروع الإخوان الأخرى، في الوطن العربي.
أعتقد بأن حماس لم تُحسن التعامل مع ما يُسمى بـ"الربيع العربي"، الذي لم يكن إلا "الفوضى الخلاقة"، التي توعدتنا بها كونداليزا رايس Condoleezza Rice، وزيرة الخارجية الأمريكية، أوائل القرن الحالي. بعد ذلك، كانت "علاقات حماس الشعبية"، من مؤتمرات، وتجمّعات، عربية فوقية، وفي مواجهة التطبيع، ومحاولات كسر الحصار على قطاع غزة، وفي مجال العمل الخيري.
عن "حماس والعالم الإسلامي: تركيا وإيران نموذجاً"، جاء الفصل التاسع، وتعهده د. طلال عتريس (حزب الله)، الذي لاحظ بأن منظمة التعاون الإسلامي لم تُقم أي علاقة مع حماس؛ لأن الأولى مثَّلت أنظمة، دون شعوبها. بينما تعزَّزت علاقة حماس بتركيا، بعد نجاح الأولى في الانتخابات التشريعية سنة 2006، بينما دأبت إيران على إعلان دعمها لحماس، وفي رفض مبدأ التفاهم بين الإسرائيليين، والفلسطينيين، وأعطت إيران صوتها للمقاومة، بينما أدارت ظهرها للكيان الصهيوني.
وصلت حماس إلى سدّة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود، الأمر الذي غطاه الفصل العاشر، وأنجزه كل من د. اشتياق حسين، وبلال الشوبكي، ابتداءً من السؤال عن مدى إمكانية انسجام الحركات الإسلامية، عند وصولها إلى الحكم، مع البنية الديموقراطية للأنظمة السياسية. وبدا السؤال مستهجناً، لأن السلطة الفلسطينية أشدّ من بقية أنظمة الحكم العربية استبداداً ودكتاتورية! أما وقد وصلت حماس إلى سدَّة الحكم، في مناطق الحكم الإداري الذاتي المحدود، فإن هذا الوصول، سيتعارض مع مواصلة حماس للكفاح المسلَّح، فكيف عالجته؟ أم أنها أخفقت في هذا المجال؟!
بداية، بذلت حماس قصارى جهدها لإشراك بقية الفصائل الفلسطينية معها، في تشكيل الحكومة، فإذا كانت فتح قد استنكفت، فإن الجبهة الديموقراطية سارعت إلى إعلان رفضها المشاركة، وبقيت الجبهة الشعبية، التي وافق مكتبها السياسي، بأغلبية ضئيلة، على هذه المشاركة، وإن تحوَّلت هذه الموافقة إلى رفض، على يدي مركزية الشعبية، أما الجهاد فإنها وضعت نفسها خارج الدائرة!
عالج الفصل، أيضاً، إشكاليات النظام السياسي الفلسطيني، وكيفية تعامل حماس معها، مع كل التحديات الذاتية والموضوعية، وقد واجهت حماس صعوبة ملحوظة في الجمع بين الحكم والمقاومة، ووُضعت العراقيل أمام محاولات حماس للإصلاح، وبصعوبة بالغة، نجحت حماس في الانتقال من ردّ الفعل إلى المبادرة، وقد رفضت حماس أن تخلع عنها ثوب المقاومة، فاستفحلت المقاطعة الدولية للحركة، إلى أن جاءت حكومة حمساوية خالصة، برئاسة الأخ إسماعيل هنية، فتوالت الحروب الإسرائيلية، ضدّ قطاع غزة، تُدمِّر المباني، فوق رؤوس ساكنيها، بينما توفِّر واشنطن الغطاء الدعاوي الدولي لـ"إسرائيل"، بالزعم بأن الكيان الصهيوني إنما يشنّ هذه الحروب بالأسلحة، والطائرات، والصواريخ الأمريكية، "دفاعاً عن النفس!"
جاء الدور في الفصل الحادي عشر، على "حماس في الدراسات والأدبيات الغربية"، وغطاه يوسف أبو السعود، حيث رآها البعض بمثابة "ميليشيا عسكرية محافظة"، بينما رآها بعض آخر "منظمة سياسية واقعية"، ما أثار الجدل، داخل حماس، وخارجها، حول ميثاق حماس، وإن رأى البعض حماس ضمن منظمات الإرهاب الدولي، بينما كل التشريعات الغربية، والدولية، تُعطي صوتها لمقاتلة المحتل!
هنا، بدأت ديناميات جديدة، داخل حماس، وما حولها.
تولى القسم الثاني من الكتاب، تغطية "حماس كما يعبِّر عنها قادتها"، بدءاً من خالد مشغل، ثاني رئيس مكتب سياسي لحماس، الذي أجرى تقييماً لتجربة حماس في السلطة، وفي محاولات إجراء المصالحة الوطنية، حيث توصَّلت الحركة إلى تِسع اتفاقات مصالحة، مع قيادة فتح، التي لم تُرِد الخروج على "الفيتو" الإسرائيلي على هذه المصالحة، ثم عرض مشعل لرؤية الحركة للقضية الفلسطينية، وفي مجال التطبيق، خصوصاً بعد ما يُسمى "الربيع العربي".
في الفصل الثالث عشر، تولى إسماعيل هنية قراءة حماس في الرؤية، وتجربة الحكم، يؤهله لذلك كونه أول رئيس حكومة، بعد نجاح حماس في الانتخابات، وآخر رئيس للمكتب السياسي لحماس، حتى الآن.
تحدث هنية عن ثوابت حماس، وعن قوتها، وتماسكها، وأولويات المشروع الوطني الفلسطيني، وتقييم النموذج المقاوم لحماس، وموقف حماس من اليهود، بعد أن كان ميثاق حماس تعامل معهم بطريقة، سرعان ما تركها قادة حماس. قبل أن ينتقل هنية إلى "الموقف من الاعتراف بالكيان الصهيوني، ومشروع التسوية السلمية، والحدِّ الأدنى، الذي يمكن أن تقبل به حماس"، واستعصاء الإصلاح تحت الاحتلال، وتجربة الحكومة العاشرة، التي شكلتها حماس منفردة، قبل "تجربة حكومة الوحدة الوطنية"، ثم "تجربة حكومة تسيير الأعمال 2007–2013″، إلى "تقييم علاقات حماس مع فتح واليسار الفلسطيني".
عن "حماس: قراءة وتقييم للتجربة"، تولى د. موسى أبو مرزوق أمر الفصل الرابع عشر، وأبو مرزوق هو المؤهل لتغطيته، أكثر من غيره؛ فهو أول رئيس للمكتب السياسي لحماس، وهو ابن قطاع غزة، الذي ظهرت فيه حماس، وأبو مرزوق من ازداد خبرة سياسية في العمل الإخواني، بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم في المجال العربي، ما أكسبه خبرات سياسية واسعة، مع حفاظه على الأساس الدعوي للحركة.
رأى أبو مرزوق أن عناصر قوة حماس تكمن في: الشورى، والعمل المؤسسي التخصصي، وعدم الارتهان لسياسات خارجية، والفصل بين السلطات، واعتماد الانتخابات، والنقد، والتقييم المستمر، والتواصل بين القيادة، والقاعدة. أما أبرز عناصر القوة، فلعلها تمثلت في: التربية الداخلية، واللُحمة التنظيمية، والمؤسسيّة، وشرعية القيادة.
انتقل أول قائد لحماس إلى "أولويات المشروع الوطني الفلسطيني في نظر حماس"، فموقف الحركة من اليهود، والصهيونية، والاعتراف بكيانها، ومشروع التسوية السلمية، والحدِّ الأدنى، الذي يمكن أن تقبل به حماس.
عن "تجربة حماس في السلطة"، تحدث أبو مرزوق عن الجانب السياسي والاقتصادي، ثم الأمني، وأخيراً الاجتماعي والأخلاقي والحقوقي. قبل أن ينتقل إلى "تقييم علاقات حماس مع القوى الفلسطينية"، بدءاً من فتح، فالجهاد، قبل اليسار، متمثلاً في الجبهتين الشعبية، والديموقراطية، متجاهلاً حزب الشعب، لاستمراره في عضوية تنفيذية منظمة التحرير، غداة اتفاق أوسلو، التي انفرد هذا الحزب بالاعتراف بهذا الاتفاق، دوناً عن كل القوى السياسية الفلسطينية!
على الرغم من الإدانة المضمَّنة لممارسات رئاسة سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود، فإن أبو مرزوق يُصرّ على "التوافق والشراكة" مع هذه السلطة! صحيح أن حماس لم تُعِق المصالحة الفلسطينية، التي يسميها الحمساويون "المصالحة الوطنية"! وهو أعاد تعويق هذه المصالحة إلى العامل الخارجي، وعقدة البرامج السياسية، وأولويات أبو مازن السياسية. بينما لم تتوفر عوامل هذه الوحدة، بعد، في اعتقادي للتعارض الشديد بين برنامجَيْ حماس، وقيادة فتح.
أنهى أبو عمر فصله، مسهباً عن العلاقة مع ما أسماه "محور الممانعة": سورية، وإيران، وحزب الله.
تولى سامي خاطر متابعة "رؤية حماس لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني"، في الفصل الخامس عشر، بدءاً من "الموجِّهات الأساسية في بلورة رؤية حماس"، و"رؤية حماس لإدارة الصراع".
بقي الفصل السادس عشر والأخير، عن "العلاقات الدولية لحركة حماس"، وتولاه أسامه حمدان، بادئاً بـ"أسس وضوابط علاقات حماس الخارجية"، و"المصاعب والتحديات الخارجية"، و"تطور نجاحات حماس وإخفاقاتها في علاقاتها الخارجية".
قبل أن يتوَّج الكتاب بثماني عشر وثيقة، لا أدري لماذا لم تتضمن ميثاق حماس آب/ أغسطس 1988، حتى نرى كيف تخطته الممارسة، ما اضطر حماس إلى تطوير خطها السياسي، في "وثيقة المبادئ في السياسات العامة"، التي أعلنتها قيادة حماس، في مؤتمر صحفي في 2017/5/1.
وبعد، فنحن أمام كتاب موسوعي، ضمّ ستمئة وسبعين صفحة من القطع الكبير، يتميز قسمه الأول بدراسات لباحثين وأكاديميين متخصصين، ويتميز قسمه الثاني بأنه يُعرّف حماس بأقلام عدد من مؤسسيها وقادتها. ومع ذلك، فما زالت هناك حاجة لدراسات أخرى عن حماس من زوايا مختلفة، استكمالاً للفائدة. أما قراءتي هذه لهذا الكتاب القيِّم، فهي "مجرد تصبيرة"، لم أقدِّم فيها كل ملاحظاتي على فكر وممارسة هذه الحركة المجاهدة، التي تعمل وسط حقل ألغام، من المحيط إلى الخليج.