سببان حفزاني للكتابة اولهما اطلاعي على الخبر التالي:
فيما أحرز الأردن تقدماً مطرداً وان كان بطيئا في تحسين مهارات القراءة في الصفوف الأول إلى الثالث الابتدائي غير أن مستوى الفهم والاستيعاب ما يزال متدنيا جدا بحسب ما جاء في الاستراتيجية الوطنية للقراءة التي اطلقتها الحكومة مؤخراً، في حين تكشف دراسات للبنك الدولي ان الطلبة عندنا لا يحرزون اكثر من 7 سنوات تعلّم خلال دراستهم الممتدة في المتوسط الى (11.1 عام).
والحالة في الأردن ليست منعزلة عن بقية العالم العربي الذي يعاني هو أيضاً من تراجع بالتعليم، لكن الأردن يتكلم بجرأة وصراحة وشفافية..
فقد اظهر تقرير فلسطيني بتدني التحصيل العلمي لدى الطلبة وان 40% من طلبة الصفوف الأساسية الاولى لا يجيدون القراءة والكتابة وهي النسبة ذاتها 40% في السودان لا تجيد القراءة والكتابة ناهيك عن ان وزير التربية والتعليم اليمني أعلن بأن هنالك 301 مدير لا يعرفون القراءة والكتابة وان آلاف المعلمين يحملون شهادات مزوّرة وليسوا مؤهلين للتدريس.. طبعا قد يلقي البعض اللوم على كورونا والتعليم الافتراضي.
كلا بل المشكلة تكمن قبل كورونا وان كانت الأخيرة قد عقّدتها.. إذ يكفي ان مستوى قراءة الطلبة عندنا تساوي في المتوسط ثلاثة مستويات صفّية اقل من أقرانهم في سنغافورة
فالأهم هو الارتقاء بالتعليم من الممارسات الحالية الى الممارسات المرغوبة من خلال الاحتذاء بالنماذج التعليمية الناجحة مثل النموذج «الفنلندي» الأول على العالم حيث تصل فيه ساعات الدوام الى «اربع ساعات يوميا» مستخدمين التفكير الناقد الذي يسهّل على الطالب التقاط المعلومة من اي مصدر وفهمها سواء افتراضيا او وجاهيا.. الخ فأهم مميزات التعليم في فنلندا أنه يُركز بشكل أساسي على «العمق في المضمون» المدروس، بدلا من «زيادة المضمون والتعامل معه بسطحية».
ولا عجب أن جلالته يطالب بورقته النقاشية الملكية السابعة بتاريخ 15نيسان2017 بـ » أحدث الأساليب التعليمية التي تشجع على الفهم والتفكير، والفهم لا التلقين، وتجمع بين العلم والعمل، والنظرية والتطبيق، والتحليل والتخطيط، وتفتح آفاقا رحبة أمام أبنائها، ليتفوقوا في كل مادة، وينْبغوا في كل فن أو مهنة أو حرفة."
أما السبب الثاني الذي حفّزني للكتابة هو نوستالجيا الحنين وذكريات الطفولة لشهر أيلول وبداياته واستعداداتنا فقد كنا نشتري الكتب المدرسية من المكتبات المتخصصة فكان أول كتاب قراءة للأول الإبتدائي بدرسه الأول «راس روس»، اما كتاب الثاني ابتدائي فكان يُطلق عليه «حسن وخالد» لأنه أول درس بالكتاب..
وبالنسبة للصف الثالث الإبتدائي فكنا نطلق عليه كتاب «لماذا نتعلم» وفق عنوان الدرس الأول.. وهكذا..
لهفة وشغَف كانت تؤجج الأجواء الأيلولية بزمن جميل راح وانقضى..
أما الآن فبالرغم من وجود مدارس ومعاهد وجامعات متكاثرة.. وشهادات ومؤهلات متزايدة.. يضج بها عالمنا العربي ومع ذلك نشهد حالات من فقر مدقع تنهش بنيته المائية والغذائية..الخ علاوة على تمدد النزاعات والحروب الأهلية مما يفتح الأبواب امام التدخلات الخارجية..
وتتعدد الأسباب وراء هذا كله بينما السبب واحد.. وهو ما نتلقاه من العلم والتعليم بأساليبه ومناهجه..
قد يعلّق البعض: لقد مللنا من سماعنا لتلك الكلمة المكررة.. التعليم.. التعليم.. الا يوجد حلول وبدائل أُخرى نرتكز عليها لتخرجنا من عنق الزجاجة؟
ونجيب: كلا.. لان التعليم هو الأداة الفاعلة للتغيير والتطوير نحو الأفضل أو الأسوأ وفقا لنوعية التعليم.. فتجويد التعليم سينمّي العقل ويطوّره.. فالعقل هو الداء و الدواء معاً.. وفقاً لمقدرته..وإلا محلّك سِرْ!
فلا تغيير سيتم ولا تنوير سيحدث لا في الفكر ولا الثقافة ولا الفنون ولا الصناعة ولا الزراعة ولا التكنولوجيا.. الخ بخاصة إذا أظلمت العقول وتداعى معها كل نور..
ترى من المسؤول عن مثل هذا التردّي؟
فكما المسؤول مسؤول.. كذلك المواطن مسؤول!
وكلاهما مطلوب منهما المشاركة بتعليق الجرس لتجويد مستوى «المعلّم والمنهج وبناء المدرسة» فمحصلّتها تدخل بصميم التنمية المستدامة الصالحة لكل زمان ومكان..