مع دخول الحرب بينإيرانوإسرائيلنهاية اسبوعها الاول شهدت المواجهات بين الطرفين تصعيد خطير ومتسارع وفي إطار الرد على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرةحيثقامت طهران استكمالا لعملية الوعد الصادق بتوجيه عدة رشقات صاروخية مركزة ومتواصلة إلى الداخل الإسرائيلي استخدمت خلالها انواع مختلفة من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والطائرات المسيرةوهوماينذر بمزيد من التوتر في المنطقة ويوجه رسالة حاسمة بأن طهران لا زالت تمتلك القدرة الكاملة على ضرب كافة مراكز القيادة والسيطرة والمطارات والموانئ والقواعد العسكرية ومجمعات وزارة الدفاع التي تضم مقر رئاسة الأركان ووزارتي الدفاع والاستخبارات ( العقل العسكري والسياسي ) ومعهد وايزمان للعلوم ( العقل النووي والتقني ) لإسرائيل فضلا عن البنية التحتية والاقتصادية والوزارات والمؤسسات العامة والمستشفيات الحكومية ومراكز الدراسات والابحاث الامنية ومختبرات الصناعات العسكرية ومصافي تكرير النفط وصولا الى الملاجئ المحصنة وقاعات الاجتماعات المغلقة تحت الأرض ومنشآت الطاقة وغيرها كما فعلت قبل ايام في ردها الصاروخي الاخير المركز والمدروس والذي تجاوز الرمزية العسكرية إلى إحداث أضرار حقيقية وعميقة ادمت قلب الدولة العبرية
بالمراقبة والتتبع والتحليل نجد ان هدف ايران العاجل هو محاولة تحقيق ردع قوي ومؤثر وتوجيه رد حاسم ومزلزل لمنع مواصلة اسرائيل هجماتها الجوية على الاراضي الايرانية حيث اعلان الحرس الثوري مساء يوم الاربعاء الماضي ضمن إطلاقه للموجة الثانية عشرة من هجماته الصاروخية تجاه إسرائيل وفي تصعيد جديد ضمن عملية الوعد الصادق 3 ادخال صاروخ سجيل أحد أبرز الصواريخ الإيرانية الى ساحة المعركةوضربه عدة مواقع حيويةوهامة ما ادخل الرعب والهلع الى قلوب الإسرائيليين الذين هرعوا للملاجئ كالفئران المذعورة حيث لم تعد أي منطقة امنة والاجواء الإسرائيلية اصبحت مفتوحة أمام الصواريخ والمسيرات الايرانيةفهل سيغير هذا الصاروخ الوحش ميزان القوة لصالح إيران في جولات الحرب القادمة وما مدى فاعليته وقدرته على تهديد كيان الاحتلال فعلا
صاروخ سجيل هو واحد من ترسانة صواريخ متنوعة تمتلكها إيران والتي تضم أنواعا أخرى من الصواريخ مثلفاتح-110و ذو الفقار وتشرين وقيام-1 وشهاب-1 وشهاب-2 وشهاب-3 وخرم شهر ورعد-500 وأرض الرافدين وحيدر وزلزال وأشتر ومبين وصاروخ كروز سومار
لقد اعتبر عسكريا ظهور صاروخ سجيل نقطة تحول في الحرب الصاروخية كونه من أبرز الأسلحة الإيرانية المتطورة بعيدة المدى حيث يعمل بالوقود الصلب على مرحلتين وطورته إيران ضمن استراتيجيتها لتأمين قدرة ردع حاسمة ضد الخصوم الإقليميين وعلى رأسهم إسرائيل ويتميز بقدرته التدميرية العالية ومناورته ضد أنظمة الدفاع الجوي وقد أُعلن عن أول تجربة ناجحة له في عام 2008 ويعتبر اليوم نقلة نوعية في قدرات إيران الصاروخية كونه يستخدم وقودًا صلبًا بدلًا من السائل ما يمنحه سرعة إطلاق أعلى وقدرة أفضل على التخفي والردع السريع ويتراوح مداه بين 2000 إلى 2500 كيلومتر وطوله 18 متر اما وزنه الإجمالي عند الإطلاق يصل ما بين 23 و26 طن ويقدر وزن حمولته القتالية بحوالي 500 إلى 650 كجم من المتفجرات ويعتمد على أنظمة ملاحة بالقصور الذاتي وسرعته تفوق الصوت بما يقرب من 13ماخ في المرحلة النهائية ولديه قدرة هائلة على المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض لتضليل أنظمة الدفاع الجوي كما ان قدرته التدميرية عالية و يمكنه حمل رؤوس حربية تقليدية أو عنقودية وقد صمم ليكون قادر على حمل رأس نووي إن توفّر في المستقل
استخدام صاروخسجيللأول مرة في الحرب الدائرة بين ايران واسرائيل شكلمنعطف خطير ومعادلة ردع جديدةنظراً لمداه البعيد وسرعته الفائقة وقدرته على ضرب أي هدف داخل إسرائيل بكل دقة بما في ذلك المنشآت الحيوية في تل أبيب وحيفا وديمونا ومما يصعب على انظمة الدفاع الإسرائيلية مثل حيتس-2 وحيتس-3 اعتراضه على ارتفاعات عالية بالإضافة الى عجز اجهزة الاستخبارات والعملاء عن امكانية رصده وتدميره قبل اطلاقه لاعتماده على الوقود الصلب الذي يجعل زمن التحضير لإطلاقه قصير نسبياً وقد اضطرت طهران لاستخدامه مؤخرا بعد تطور المواجهة واقترابها من أن تصبح حرب شاملة ومباشرة ويدور هنا تساؤل حول عدد صواريخ سجيل المتاحة لدى ايران في مخزونها وهل سيتم استخدامها في رشقات صاروخية قادمة أم لا ومن المرجح أن تستثمر طهران هذه الصواريخ في توجيه ضربات قوية تجاه مصالح وقواعد أمريكية أو نحو اهداف حيوية في تل أبيب إذا ما تم توسيع دائرة الصراع وتدخل واشنطن رسمياً في الحرب لصالح إسرائيل
على الارض ورغم الهجمات الإسرائيلية المتلاحقة على منصات ومنشآت لإنتاج المواد الخام والمركبات الخاصة بتجميع الصواريخ الباليستية فقد أطلقت طهران منذ بدء عملية الأسد الصاعدما لا يقل عن 400 صاروخ باليستي وألف مسيرة وقد أصابت دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية يوم الخميس الماضي مبني للاستخبارات قرب مستشفى سيروك في جنوب إسرائيل بالإضافة الى ضرب مدينتين قرب تل أبيب ما أسفر عن إصابة ما لا يقل عن 47 شخص
الاستهداف الجوي الإسرائيلي المتواصل للقدرات الصاروخية الإيرانية قد يؤدي إلى تقليل عدد الرشقات الصاروخية إلى مستوى يتيح لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية وخاصة القبة الحديدية التعامل معها رغم ما تظهره من فشل متواصل لكن من غير المتوقع أن تتمكن الدفاعات الاسرائيلية من القضاء نهائيا على هذه القدراتخاصة مع احتمال وجود دعم عسكري صيني سري للإيرانيين بموجب اتفاقيات سبقت اندلاع الحرب الأخيرةكما يجب ان نتذكر ان للصين تاريخ طويل في إمداد إيران بالأسلحة رغم الانتقادات الدولية مثل إرسالها آلاف الأطنان من مكونات الصواريخ الباليستية التي استخدمتها إيران في تطوير اسلحتها النووية
الملاحظ خلال متابعة مجريات المعركة ان طهران حتى الآن لم تستخدم من أسلحتها الثقيلة والاستراتيجية منذ بدء هجومالاحتلالضدها الا عدد محدد من الطرازات الصاروخيةالاعتياديةمثل خيبر والحاج قاسم والذين أصابا مواقع متعددة في تل أبيب وأحدثا دمارا كبيراواما من الصواريخ المدمرة فلم تستخدم بكثافة عالية بعد صواريخ ( فاتح 2 والجيل الجديد من سجيل وصواريخ خرمشر ) التي لا يقل وزن الواحد منها عن طنين وبعضهافرط صوتية قادرة على تغيير مسارها أثناء الطيراناضافة الى بعض صواريخ كروز السريعة التي يصعب جدا اكتشافها واعتراضها والتي تحتفظ طهران بها لبقية عملية الوعد الصادق3 أو لتوجيه الضربة الختامية غير المحددة الموعد والمؤكد هنا انالصواريخ والمسيرات الإيرانية على طول الاسبوع الماضي هاجمت أهدافا إسرائيليةعلى امتداد فلسطين المحتلة من الناقورة شمالا وحتى إم الرشراش جنوبا واحدثت دمار كبير لم تشهد مثله إسرائيل من قبل
الواقع الاسرائيلي المؤلم والحرج جعل قادة الاحتلال يأملون بدعم عاجل من امريكا في الحرب ضد إيران من خلال مساندتهم بطائراتها من طرازB-2وB-52وباستخدام قنابل ضخمة لا تملكها اسرائيل خاصة بعد ما أحدثته الصواريخ الإيرانية خلال الايام القليلة الماضيةدمار واسع وخلفت عشرات الإصابات بعضها في حالة حرجةفي مناطق مختلفة داخل اسرائيل أبرزها وسط تل أبيب وبئر السبعمما يهدد بانهيار منظومة الفصل الايراني بين الأهداف العسكرية والبنية التحتية الحيويةوالتي ستضع اسرائيل على حافة الهاويةوالمستغرب اسرائيليا ان الهجمات الإيرانية نجحت في الوصول إلى العمق رغم اعتماد الاحتلال على منظومات دفاعية متقدمة طّورها عبر سنوات لمواجهة صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية خصوصًا حماس ومقاتلي حزب الله في لبنانوهنالك بعض المسيرات الانتحارية لم تستخدم بعد
للحقيقة ان اختراق الصواريخ الايرانية للخطوط الحمراء لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيليةاعاد الثقة بالنفس الثوري والروح القتالية للجنود والمواطنيين وضاعف من الضغط النفسي على اسرائيل بعدما فشلت انظمةالقبة الحديديةومقلاع داوودوأرو 3وثاد الامريكي في مواجهة الهجمات الصاروخية الإيرانية الجديدة خاصة مع زخمها والتي شملت الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية في موجات متتالية كما وجهت ايران غبر صواريخها رسالة قاسية للإسرائيليين كجزء من الحرب النفسية العميقة إما ( أن تختاروا الموت البطيء في الملاجئ أو الفرار من الأرض المغتصبة لتبقوا أحياء )
السؤال المهم في خضم تلاطم الاحداث هل يدخل هذا التصعيد تل أبيب في معادلة ردع جديد بعدما حطت الصواريخ الايرانية في مدن حيفا وتل أبيب وقيسارية ورمات غان وبتيح تكفا وبني براك وبيت يام وبيت شيفع وريشون لتسيون وما اسفر عنها من مقتل 24 شخص وإصابة اكثر من 800 فيما تتحدث مصادر غير رسمية عن أعداد أكبر وسط تكتم رسمي غير معتاد وما تبع ذلك من حدوث صدمة داخل المجتمع الإسرائيلي انعكست في تهافت المدنيين على الملاجئ وارتفاع غير مسبوق بنسبة 350% في طلبات الدعم النفسي بسبب حالة الذعر والتململ والخوف في صفوف المدنيين ناهيك عن الأزمة السياسية المتفاقمة اصلا داخل الحكومة الاسرائيلية
بعض الخبراء والمراقبين أكدوا في المحصلة أن المنطقة تتجه نحو مواجهة شاملة وغير مسبوقة حيث لم يكن الرد الإيراني مجرد ردة فعل وقصف انتقامي بل ضربة استراتيجية موجهة استهدفت قلب المنظومة الاسرائيلية وفتحت الباب واسعا أمام معادلة ردع جديدة تربك حسابات الاحتلال وتدفعه إلى إعادة التفكير في خياراته العسكرية والسياسية مع التأكيد بان الهجوم الإسرائيلي الذي نفذته عشرات المقاتلات الاسرائيلية ضمن عملية الأسد الصاعد لم يسفر عن النتيجة المرجوة منه بل أتى بنتائج عكسية فبدل أن يظهر قوة الردع الإسرائيلية فجر أكبر واعنف هجوم صاروخي تتعرض له تل أبيب في تاريخها ورغم كل هذا لا يزال الرئيس الأميركي الابله دونالد ترامب يدعو الرئيس الإيراني للاستسلام غير المشروط إلا أن طهران تقف بقوة وترفض علنا حتى مجرد الرضوخ للتفاوض ووقف الهجمات الصاروخية تحت الضغط والقصف والدمار
مقابل كل هذا على اسرائيل ان تعلم بان دخول صاروخ سجيل المعركة يعني أن ما بعده لن يكون كما قبله وقد يفقد الاحتلال معه القدرة على التحرك بحرية أو تنفيذ ضربات استباقية دون دفع الثمن الاستراتيجي العسكري والاقتصادي والاجتماعي والتنموي وان زمن الحروب من طرف واحد انتهى وسماء اسرائيل لم تعد آمنة والدروع التي كانت تحميها بدأت تتصدعوهنالك خشية متزايدة من انزلاق إسرائيل إلى حرب استنزاف طويلةالامدوفقدان نتنياهو زمام القرار في المعركة وعدم قدرته على تحمل التبعات العسكرية والسياسية مع بروز تحديات كبرى تتمثل في مواصلة التصعيد ومحاولة موازنة الضربات الإيرانية على الجبهة الداخلية مع الهجمات الإسرائيلية في العمق الإيراني
في ذات السياق فانأي دعم امريكي مباشر لإسرائيل سيقابل برد تقني واستراتيجي من أعلى طراز صاروخي مدمر ومن المفيد ان نشير ايضا الى ان ظهور صاروخ سجيل قد خلط الأوراق الأمنية للدول المستضيفة للقواعد الامريكية والغربية القريبة والبعيدة ووضعها في مرمى نيران التحذير الإيراني الضمني وبهذا فقد تأكد للجميع ان إيران لم تطلق مجرد ( صاروخ جديد ) بل أطلقت (رسالة استراتيجية متكاملة ) هزت اركان اسرائيل وحلفائها وفي مقدمتهم امريكا وبريطانيا وبعض الدول العربية المتأسرلة في المنطقة
كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
mahdimubarak@gmail.com