القى المفكر الاستراتيجي الدكتور وليد عبد الحي الأسبوع الماضي محاضرة بعنوان (التحولات البنيوية في النظام الدولي بين المنظور الصفري وغير الصفري) استعرض خلالها المؤشرات العلمية التي تحدد طبيعة النظام العالمي والتنافس بين أطرافه وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا والصين والتي أظهرت مدى تراجع الدور الأميركي كقطب أوحد، ورغم استناد الدكتور عبد الحي على نظريات لمفكرين في السياسة وعلم الاجتماع بشأن المستقبل «الامبراطورية الأميركية» من أمثال عالم الاجتماع النرويجي «يوهان فينسينت جالتونج» وكتابه الشهير (سقوط الامبراطورية الأميركية: وماذا بعد؟) أو المفكر البريطاني بول كينيدي وكتابه الشهير (صعود وسقوط القوى العظمى) إلا أن المفكر عبد الحي قدم بحثاً قيماً ودقيقاً شخص من خلاله التراجع النسبي والبطيء لواشنطن كقوة اوحد على صعد عدة.
كنت قد كتبت عن كتاب يوهان جالتونج مقالاً هنا في هذه الزاوية وعن كتابه في الثامن من حزيران عام 2020 عنونته باسم الكتاب ذاته، وجاءت فكرة الكتابة عن هذا الكتاب على خلفية حادثة قتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد من قبل ضابط الشرطة الأميركي ديريك شوفين، وهي الجريمة التى فجرت المجتمع الأميركي من الداخل وأظهرت حجم التناقضات الطبقية والعرقية داخله وتسببت باضطرابات ومواجهات مع الشرطة.
أعتقد أن الدكتور وليد عبد الحي اختار عنوان المحاضرة بذكاء وذلك بعد أن باتت المواجهة بين روسيا من جهة وواشنطن والدول الغربية من جهة اخرى محسومة عسكرياً وميدانياً بل واقتصاديا لصالح روسيا وحلفائها، وبعد أن تفجر التضخم المقرون بالانكماش في الولايات المتحدة واوروبا الغربية في ظاهرة لم تتكرر كثيراً عبر التاريخ المعاصر بسبب السياسة الاقتصادية الهجومية لبوتين في وقف تصدير الغاز والبترول لتلك الدول التي أسماها غير الصديقة واعتماد الروبل الروسي عملة لشراء مصادر الطاقة الروسية بدلاً من الدولار في خطوة تهدف الى ايذاء?النظام المالي العالمي الحالي ووقف هيمنة الدولار عليه ومن أجل تحقيق هدف استراتيجي اخر يتمثل في بناء نظام اقتصادي اخر نواته دول «بريكس» أي مجموعة الدول الاسرع نموا في العالم والمكونة من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا وهي «الغول القادم» الذي يرعب أميركاً وأوروبا الغربية حيث تشكل مساحة أراضي هذه المجموعة ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض.
في محاضرة الدكتور عبد الحي وبالاستناد للأرقام فإن الصين قوة صاعدة وبقوة «ملفتة» وتحديداً في المجال الاقتصادي وما يرتبط به من تجارة وتصنيع بالإضافة إلى اقتراب الصين من هزيمة الولايات المتحدة في المجال التقني والصناعات التكنولوجية، وبخاصة في تكنولوجيا المستقبل القريب ألا وهي «الذكاء الصناعي» حيث رصدت لهذه التكنولوجيا ما يبلغ من تريليون و680 مليار دولار تحت اسم قومي له وقعه السياسي ألا وهو «صنع في الصين».
بالعودة إلى كتاب يوهان جالتونج واستشرافه لسقوط الامبراطورية الأميركية فإنه يركز على عناصر الضعف الأساسية في النظام الأميركي ومن أبرزها ما يلي:
• السياسة العدوانية والشرسة تجاه العالم.
• دولة عظمى تجهل ثقافات وقيم وعادات الشعوب الاخرى وتتعامل معها باستعلاء.
• السياسة الاقتصادية لأميركا قائمة على الكسب والمادية المفرطة والجشع.
• تزايد العنصرية والتمييز في المواقع المهمة لصنع القرار وتحديداً ضد السود.
• وهنا النقطة التي تهمنا كعرب ألا وهي نجاح الصهيونية في أميركا بربط الإنجليين الجدد بإسرائيل ومصالحها.
في مقالي عن كتاب يوهان جالتونج المشار إليه أعلاه خلصت لنتيجة أريد الإشارة إليها بعد عامين كاملين من عمر ذلك المقال ونصها (النتيجة الأهم من كل ما سبق أن سقوط الامبراطورية الأميركية سيعني حتماً سقوط الفاشية الصهيونية، فالحالتان تعتاشان على بعضهما بعضاً).