اخبار البلد -
لعل من المفيد بداية أن نوضح للقارئ الكريم المقصود بانتفاضة الأسرى، فالأسرى الفلسطينيون يخوضون معركة متواصلة مع مديرية السجون وذلك بهدف الحفاظ على بعض منجزاتهم التي تحققت عبر عشرات الإضرابات عن الطعام وبعد سنوات من المعاناة والنضال المستمر، وبعدما قررت إدراة مصلحة سجون الاحتلال أنها في حل من التزاماتها وأنها ستتراجع عن تفاهماتها مع الأسرى.
ولكي نوضح أكثر فالحديث لا يدور عن ظروف معيشية تتشابه وإذ بشيء بسيط مع تلك التي يعيشها أي معتقل في العالم، فهنا نحن نتحدث عن أبسط الحقوق الطبيعية التي يحظى بها كل سجناء العالم على اختلاف أشكالهم وألوانهم وحتى طبيعة الفعل الذي قاموا به. فالانتفاضة التي تدور رحها في ساحات سجون الاحتلال الإسرائيلي هي على منح الأسير الفلسطيني الحق بأن يخرج من الزنزانة إلى الساحة التي يفصله عنها باب واحد فقط ولمدة ساعتين أكثر مما تسمح به إدارة السجون، وما تريده إدارة السجون أن يبقى الأسير داخل زنزانته لأكثر من عشرين ساعة بينما يرفض الأسرى ذلك لما يسببه هذا الأمر من الأمراض الجسدية والنفسية والاجتماعية ولما يعكسه ذلك على الحياة العامة داخل السجون، وهذا القرار هو واحد من عشرة قرارات اتخذتها سلطات سجون الاحتلال للحد من حركة وانتقال الأسرى وكذلك من أجل فرض إرادتها على الأسرى ما يشكل ذلك من استفزاز لمشاعر الأسرى وممارسة أقصى الضغوط النفسية والجسدية على الأٍسير الذي يفتقد لأبسط الأمور الحياتية. ولأن استشعار الخطر الدائم من قبل الأسرى كان سمة المرحلة فإن الحركة الوطنية الأسيرة بكافة مواقعها وفصائلها شريكة الآن في جهد وطني جبار يتعدى بمراحل خطوة الإضراب عن الطعام لما يشكله من إرهاق واستنزاف لقوى مصلحة السجون، فالسمة المميزة لهذه المعركة هي الخطوات التكتيكية الصغيرة المتواصلة والموحدة وهي الاستراتيجية التي تثبت نجاحها يوما بعد يوم وفي مختلف المواقع، ففي الشيخ جراح تمسكت العائلات الفلسطينية في بيوتها وخاضت معارك قضائية وإعلامية وسياسية ومع تضافر الجهود والتفاف شعبنا حول هذا الحق كان تراجع إسرائيل عن إخلاء عائلة سالم، هذه العائلة المناضلة والتي ضربت نموذجا مميزا لكل أبناء شعبنا.
من هنا نقول أن نموذج انتفاضة الأسرى الحالية ونضال أهالي حي الشيخ جراح يجب أن يشكل حافزا قويا ومثلا يحتذى به في مختلف المواقع المهددة بالمصادرة والاستيطان، وكما أن هذا الفعل النضالي المتميز يجب أن ينسحب بلا شك على الفعل السياسي الفلسطيني الذي تراجع كثيرا في الآونة الأخيرة، وإذا ما أردنا إيقاف هذا التراجع فعلينا استلهام هذه التجارب الناجحة وتعديل المسار الحالي الذي وقعنا به بعد الانقسام السياسي والذي بدأ يتحول شيئا فشيئا لانفصال جغرافي واجتماعي، وإذا ما تداركنا جميعا الأمر وتجاوزنا الحالة التي نعيشها واستطعنا أن نرتقي لمستوى اللحظة التاريخية التي وصلت إليها قضيتنا وإيقاف المشروع الإحلالي الصهيوني لا يكون ذلك إلا بوقفة حقيقة لمحاسبة النفس والكف عن تضخيم المصالح الحزبية والفردية على حساب مشروع الشعب الفلسطيني، فتجارب التاريخ كثيرة وهي ماثلة أمامنا وبالإمكان أخذ العبر الكثيرة منها دون أن نخسر ما تبقى لنا ونحن نعاود تكرار ذات التجارب الفاشلة.
خلاصة القول أن التاريخ لن يرحمنا جميعا وأنه ما زال هناك متسع من الوقت لإعادة المحاولة ووضع مصلحة الوطن قبل أي مصالح فئوية أخرى، والتفاهم فيما بيننا على الأولويات الوطنية وإدارة المرحلة الحالية بنجاح على طريق إعادة توحيد الوطن واستعادة الوحدة الوطنية ووضع استراتيجية شاملة لتحقيق أهدافنا الوطنية.