الضائقة الاقتصادية فقط هي ما يوقظ صخب الحديث عن الفساد من مرقده, والمبالغة في كثير من الأحيان هي سيدة الموقف لأن التوثيق غائب كما أن الروايات المتناقلة لا تستند الى وثائق لكن الأهم هو ضعف الشفافية والرد.
لا ندعي أن الفساد غير موجود, بل ندعي أن الفساد الصغير هو الآفة التي يجب التصدي لها وهو ينتعش في ظل غياب الرقابة وتعمق الأزمة الاقتصادية وعجز الموظف عن الوفاء بالتزاماته لتراجع معدلات الدخل.
المنقذ من هذا كله هو النمو الاقتصادي الذي يحد من البطالة ويحسن معدلات الدخل, ويكبح جماح الأسعار, والنمو لا يأتي من الإنفاق الحكومي ولا يأتي من زيادته عبر الضرائب بل من الاستثمار ومن معدلات ضريبية معتدلة تمس شرائح متوسطة ومحدودة الدخل خصوصا.
إذا كانت هناك أموال منهوبة سواء من المال العام أو الخاص، كبيرة أو صغيرة، فلا سبيل لاستردادها الا بالطرق القانونية عندما تتوافر أدلة الإدانة.
معظم القضايا الكبرى كانت من نصيب القطاع الخاص, لكن الشبهات ظلت تدور حول رموز في القطاع العام. هذه هي ضريبة المنصب العام وهو تحت الأضواء دائما وقد ظل ضعف وغياب الرد الحكومي الحاسم سببا في ترسخها وتحولها الى حقائق في أذهان الناس.
استرداد الأموال المنهوبة شعار سياسي وفد نجح في الحيلولة دون اتخاذ أي قرار وأفلح في طبع سمة التردد على متخذ القرار وعطل مصالح كثيرة ونفّر استثمارات أكثر.
حاجة الخزينة أكبر من تلبيتها من استرداد الأموال المنهوبة كبيرة كانت أم صغيرة لكن هناك خلطاً بين المال العام والمال الخاص، فاسترداد الأموال المنهوبة من الشركات إن حصل، وقد حصل فعلا في حالات كثيرة إعيدت الأموال لتلك الشركات والأموال المستردة من تجار البورصات الوهمية أعيدت للموهمين بها الذين وضعوا مدخراتهم بتصرف هؤلاء النصابين بثقة، وإذا افترضنا أن القضاء استطاع استرداد اموال في قضية الفوسفات على فرض أنها صحيحة فإن المبلع يعود لمساهمي الشركة وليس للخزينة.
لم أسمع بقضايا كبيرة بخصوص أموال منهوبة من الخزينة، هذا لا يعني أنها غير موجودة لكن إثباتها كان وما زال صعبا ربما أقول ربما لأن دائرة مكافحة الفساد التي تحيل قضايا الفساد بالجملة إلى القضاء، في كثير من الأحيان لا تقدم الأدلة الكافية لإدانة من تشتبه بهم، والقضاء لا يستطيع الحكم بموجب الشبهات والشعارات السياسية، بل يحتاج لأدلة لم يقدمها أحد، مما يحرج القضاء الذي يعمل على التأجيل حتى لا يتسرع في منح البراءة.
مرة أخرى الأموال المنهوبة ليست للتمويل، فهي لا تغني عن الخطط وبذل الجهود لتحفيز النمو والتنمية الاقتصادية ووضع موازنة الدولة وإجراءاتها في الطريق الصحيح وتصحيح الاوضاع المالية الشاذة عن طريق زيادة الإيرادات المحلية وضبط النفقات.