ومنذ عدة أيام نشهد عدواناً سافراً على مقبرة اليوسفية، التي جرى هدم مدخلها ودرجها،ومصادرة 4 دونمات و 200م منها،بالقرب من صرح الشهيد لمنع المسلمين من الدفن فيها،والعمل على تحويلها الى حديقة تلمودية توراتية..حيث أقدمت جرافات الإحتلال على نبش وجرف رفات وعظام الشهداء، وتجريف القبور،هذا العمل الشنيع الذي أثار غضب وحنق سكان مدينة القدس، الذين توافدوا للدفاع عن حرمة قبورهم ورفات وعظام موتاهم وشهدائهم، وقبل ذلك كان العدوان على مقبرة باب الرحمة،حيث جرى مصادرة جزء منها من أجل حفر قواعد اسمنتية لثلاثة عشر عاموداً بإرتفاع 26 متراً ،تشكل حوامل لسكة حديد القطار الطائر ” التلفريك” الذي سينقل المصلين اليهود والزوار الى ساحة حائط البراق، بالإضافة الى الإطلالة على كل ما يدور في الأقصى ومراقبة كل ما يجري داخله،ولا ننسى أنه جرى إزالة مقبرة القسام في حيفا ومقبرة عنابه في الرملة ،وتتعرض مقبرة”الإسعاف” في يافا لعدوان مستمر عليها من قبل شركات ومستثمرين يهود.
ان المخطط المستهدف لمقبرة اليوسفية التاريخية،يتعدى في مخاطره وتداعياته،إقامة مسارات وحدائق تلمودية وتوراتية ومدرجات تطل على جبل الطور،فهو يستهدف طمس كل معالم الوجود العربي الإسلامي المسيحي في المدينة، من تاريخ وتراث وأثار وحضارة ووجود، وإكمال المشاريع الإستيطانية التي تطوق أسوار مدينة القدس،وتربط البؤر الإستيطانية مع بعضها البعض ،وتعزل شمال شرق المدينة عن قلبها (البلدة القديمة)،ولذلك هناك مشروع استيطاني على شكل هرم،سيجري تنفيذه من منطقة المتحف الفلسطيني مروراً بأرض الحسبة في طلعة واد الجوز والسيطرة على الأملاك الوقفية الإسلامية والمسيحية هناك،ومن ثم استملاك البلدية لقطعة الأرض العائدة لعائلات حمد وعطا الله وعويس المعروفة بسوق ” الجمعة”،تحت حجج وذريعة المنفعة العامة، لضمها لقطعة الأرض المصادرة من المقبرة اليوسفية،ومن ثم يتجه المشروع الإستيطاني الى داخل البلدة القديمة مستهدفاً،منطقة برج اللقلق” القريب منه بؤرة استيطانية،وقد حاول الإحتلال السيطرة على أرض البرج عام 1996،ولكن تصدي المقدسيين لتلك المحاولة أفشلها وقبرها في مهدها.
العدوان الإسرائيلي الممنهج والمبرمج على المقدسيين ومقدساتهم،وعلى أحيائهم وامواتهم مستمر ومتواصل بلا توقف،وما يصدر عن محاكم احتلالية ياتي فقط من أجل ذر الرماد في العيون،ومن اجل تخفيف حدة الإحتجاجات الدولية،ومن أجل عدم إحراج دول حلف ” ابراهام ” التطبيعي من العربان المنهارين،وكذلك حتى لا تتصاعد الأمور مع الحكومة الأردنية،صاحبة الرعاية والوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية وفي المقدمة منها المسجد الأقصى،وفي الوقت الذي التقى فيه الملك الأردني عبد الله الثاني مع رئيس وزراء الإحتلال الحالي من الصهيونية الدينية "بينت” ووزير خارجيته لبيد،كل على حدة، ووعدا بعدم المس بالوضع القانوني والتاريخي والديني للمسجد الأقصى،ولكن هذه الوعود،شبيهة بالوعود التي قطعها رئيس وزراء الإحتلال السابق نتنياهو للملك عبد الله الثاني،كما يقول المأثور الشعبي ” كلام الليل مدهون بزبده”،أي سريع الذوبان،فقادة حكومة الإحتلال من بينت رئيس الوزراء الى وزيرة داخليته شاكيد،ووزير أمنه الداخلي عومر بارليف ومفتش عام شرطته يعكوف شبتاي ..الخ، سمحوا للجماعات التلمودية والتوراتية بأداء طقوس تلمودية وتوراتية لصلوات صامتة في المسجد الأقصى،في تطور خطير نحو تثبيت وقائع جديدة تغير من الأوضاع القانونية والتاريخية والدينية للمسجد الأقصى،في خطوات ممنهجة ومنظمة،عبرت عنها القاضية اليمنية المتطرفة "بيهلا يهالوم” فيما يسمى بمحكمة الصلح الإسرائيلية،والتي أعطت قراراً بالسماح للحاخام اليمني المتطرف "أريه ليبو” وأتباعه بأداء طقوس الصلوات الصامتة في الأقصى،وهذا الحاخام العنصري ،هو أمين سر مجلس ” السنهدرين الجدد”، الذي شكلته مجموعة من الحاخامين من التيار القومي- الديني لإحياء ما يسمى بالهيكل المزعوم بدل المسجد الأقصى مع كامل طقوسه التلمودية والتوراتية.
بعد موجة الغضب التي اجتاحت المجتمع المقدسي،ورفعت من حدة الغليان في المدينة،وبما ينذر بإنفجار الأوضاع على نحو أوسع وأشمل،وبما يعيد الأوضاع الى ما كانت عليه في نيسان الماضي،حيث هبات القدس الثلاث ساحة باب العمود، الأقصى والشيخ جراح،والتي جاءت كرد فعل مباشر على العدوان الإسرائيلي على شعبنا في القدس بهدف تهويد ساحة باب العمود وتغيير الأوضاع القانونية والتاريخية والدينية في الأقصى وطرد وتهجير سكان حي الشيخ جراح.
ما يسمى بالمحكمة المركزية الإسرائيلية،بعدما رأت بأن الأوضاع يمكن أن تنفجر على نطاق أوسع من مدينة القدس،أصدرت قراراً بمنع أداء الصلوات التوارتية الصامتة في الأقصى،ولكنها لم تلغ قرار محكمة الصلح الإسرائيلية،وتركت التقرير بشأن الصلوات والطقوس التلمودية والتوراتية في الأقصى بيد قائد شرطة الإحتلال. وقد سبق قرار تلك القاضية المتطرفة جملة من الممارسات الميدانية المدعومة من قبل المستويين السياسي والأمني،مهدت لقرار تلك القاضية المتطرفة،خلال فترة الأعياد جرت محاولات لإدخال الأدوات المستخدمة في احتفالات ما يسمى بعيد العرش من سعف النخيل وأغصان الريحان والصفصاف،وكذلك رفع العلم الإسرائيلي في الأقصى،والنفخ في البوق وترداد ما يسمى بنشيد دولة الإحتلال "هتكفا” ،واحياء طقوس زواج وممارسات لا اخلاقية وفاضحة،وأداء طقوس ما يسمى بالسجود الملحمي،وتبجح زعيم "الصهيونية الدينية” المتطرف اليميني ايتمار بن غفير بأنه في المرة القادمة سيدخل علناً الى ” جبل الهيكل”،أي المسجد الأقصى رافعاً علم دولة الإحتلال.
العدوان والإعتداءات على القدس بأحيائها وامواتها ومقدساتها وفي المقدمة منها الأقصى لم ولن تتوقف،في ظل حالة فلسطينية منقسمة على ذاتها ومتشظية وضعيفة، وسلطة لا ترتقي بدورها ومسؤولياتها الى حجم المخاطر المحدقة بالقدس والأقصى، فردود الأفعال الباهتة فلسطينياً وعربياً واسلامياً،والمكتفية باللازمة المكررة والإسطوانة المشروخة والتي لم تعد مقنعة لطفل فلسطيني،من بيانات شجب واستنكار ومذكرات احتجاج وبكاء وعويل على أبواب المؤسسات الدولية،لن تلجم العدوان لا على القدس ولا على الأقصى ولا على الكنائس ولا على المقابر الإسلامية والمسيحية،ولا على الرموز والقامات الدينية والوطنية،التي يجري اقتحام بيوتها واعتقالها وإبعادها عن الأقصى والمقبرة اليوسفية وباب العمود والبلدة القديمة من القدس.