تجيء ذكرى النكبة هذا العام في ظل واقع جديد، مختلف فيه بشرى سقوط المشروع الصهيوني ونهوض المارد الفلسطيني الذي أثخنته جراح 72 عاما، لكنه لم يهزم ولن يهزم.
ظن نتنياهو وحلفاؤه من العنصريين الصهاينة أن الأمور قد استتبت لصالحهم وأنهم يستطيعون العربدة كما يشاؤون، فقد حصلوا من ترامب بترتيبات صهره كوشنر وغلاة حزبه الجمهوري على قرارات لم يحلموا بها: نقل السفارة الأميركية إلى القدس وإعلان صفقة القرن والضوء الأخضر لضم معظم أراضي الضفة الغربية وخاصة الأغوار في ظل فوضى عالمية وصراعات إقليمية على المصالح والنفوذ. وخاصة بين أميركا والصين وروسيا وحلفائهم في أوروبا وجنوب شرق آسيا.
وفي العالم العربي أوضاع غير مسبوقة، السعودية والبحرين والامارات ومعها مصر تقاطع قطر، مصر امام تحديات كبرى محلية ودولية، ليبيا واليمن وسوريا في حالة حروب أهلية، ولبنان ممزق، وإيران تفرض هيمنتها، وتركيا تتخبط في سياساتها وتتوغل في العراق وسوريا وتتواجه مع السعودية ومصر التي عليها ان تتعامل مع سد النهضة ومخاطره المصيرية على كافة نواحي الحياة لدى الشعب المصري. والأردن في ظروف سياسية واقتصادية ومجتمعية معقدة، والاجماع العربي يتصدع ودول بأوامر من ترامب تهرول للتطبيع المجاني.
أما في فلسطين، انقسام سمَّم الحياة السياسية وحصار خانق سياسي واقتصادي، وفصائل مدعومة من قوى خارجية تريد الإطاحة بمنظمة التحرير وقيادتها، وتململ شعبي ضد السلطة الفلسطينية، وما ظهر على أنه أزمة داخل أكبر فصيل فلسطيني "فتح "تعمل دول كثيرة على تعميقها، أي باختصار، وضع فلسطيني لا يتسم بالوحدة والصلابة المنشودة، وتمتد الأزمة والصراع الى الداخل فتتشرذم القائمة العربية المشتركة، ويعلن جزء منها عن صفحة تعاون مع نتنياهو.
كل ذلك أطلق العنان للتوسع في سياسة الفصل العنصري، والتوسع في الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية كما في داخل الخط الأخضر حيث بدأ تطبيق قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل والذي ينص في بنوده الأساسية على أن ارض "إسرائيل" هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل، ودولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير وأن ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي.
أساءت دولة الاحتلال التقدير، فكل ما ورد أعلاه خلق ارهاصات حالة وواقع جديد في ظل تغيرات دولية وإقليمية كبيرة، فقد سقطت إدارة ترامب، ووجدت الولايات المتحدة بإدارة بايدن الجديدة نفسها في ورطة فالعملاق الصيني يتحداها، والاتفاق النووي مع ايران يجب إيجاد حل لخروج أميركا منه، وروسيا تصارع بقوة النفوذ الأميركي في كل العالم وعدم انسجام سياسي ومصلحي مع أوروبا وتصالحت دول الخليج ومصر، وحصل بعض الانفتاح بين ايران والسعودية بمفاوضات في الأبواب الخلفية في العراق، وأعلن عن تغيير كبير في السياسة التركية التي بدأت بإعادة علاقات فيها حرارة مع مصر والسعودية، وفي فلسطين تفاهمت الفصائل الفلسطينية على خارطة طريق تقود الى مواقف سياسية متقاربة واتفاق على خطوات لإنهاء الانقسام وإعادة تشكيل المجلس الوطني واجراء انتخابات للمجلس التشريعي عطلتها إسرائيل بمنع اجرائها في القدس لتثبيت أن صفقة القرن تلغي فلسطينية القدس تماما.
وامعانا في الغطرسة، عملت دولة الاحتلال على تهويد أحياء في القدس وخاصة ما ظهر بمحاولة طرد سكان حي الشيخ جراح، وزادت في وتيرة تدنيس المسجد الأقصى وفرض تقسيم مكاني وزماني فيه لصالح المستوطنين فكانت المواجهة الكبرى، انتفض الفلسطينيون وقلبوا الواقع القديم، بتلاحم غير مسبوق بيننهم في الوطن التاريخي كله ومؤازرة ومساندة من الشتات، ومواجهات غير متكافئة لكنها حاسمة، استعاد الفلسطينيون فيها المبادرة، فعاد الدعم العربي والدولي للحقوق الفلسطينية، وتصاعدت مظاهرات ومسيرات التأييد في كل عواصم العالم، وبدا أن الولايات المتحدة، وطبعا يتبعها من يدورون في فلكها في الخروج من خطط ترامب.
الوضع الفلسطيني في أفضل حال، وحدة وتلاحم ومواجهات وتصد وتناغم مواقف كلها تقول لن يفلح العدوان على غزة والتدمير الممنهج لها، ولا القتل والاعتقالات في القدس ومدن الداخل والضفة الغربية في الانحراف عن الثوابت التي يجمعون عليها: القدس خط احمر، والحقوق القومية والوطنية لقرابة مليوني فلسطيني داخل الخط الأخضر لا تنازل عنها، ولا حل الا بزوال الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ولا تهاون في حق العودة.
الأيام المقبلة حاسمة، والواقع الجديد بدأ يتجلى، صلابة الموقف الفلسطيني وهشاشة دولة "إسرائيل".