الوباء من وجهة نظر الفيروس

الوباء من وجهة نظر الفيروس
أخبار البلد -   اخبار البلد- 
لا يمكن لأي شخص سليم عاقل أن يجادل بأن وباء «كورونا المستجد» من أكبر المآسي التي شهدتها البشرية حتى اليوم – وهي مأساة شديدة حتى بالمعنى اليوناني القديم للكلمة على النحو الذي عرفه الفيلسوف القديم أرسطو، سيما مع النهاية الكارثية التي تتسق مع نقص في افتخار بطل الرواية بإنجازاته. ونحن لا نتحدث في هذه المأساة عن أبطال الإغريق القدامى من أمثال أوديب أو أغاممنون. بل إننا نتحدث هذه المرة عن أنفسنا على اعتبارنا البطل الغبي المغرور للغاية الذي أتى بالكارثة حتى عقر داره بنفسه. ويعكس نطاق الكارثة وحجم الدمار المصاحب لها مقداراً كبيراً من سوء الحظ والطالع، في خضم عالم خطير للغاية، مع الفشل الذريع للبصيرة البشرية، والإرادة المجتمعية، والقيادة السياسية.
ولكن، دعونا نمعن النظر فيما وراء هذا السجل القاتم من الفشل البشري، مع التفكير في هذه الأزمة برمتها من وجهة نظر فيروس «كورونا المستجد» ذاته. ثم دعونا نقيس الأمر من زاوية منطق التطور الجامد البارد: إن مسيرة فيروس «سارس كوف 2» الوبائية حتى اللحظة هي من أكبر وأعظم قصص النجاح الباهرة من زاوية تشارلز داروين القديمة.
كان فيروس «كورونا المستجد» سيئ السمعة في بادئ أمره ليس أكثر من مخلوق تافه غير واضح المعالم يكمن في هدوء متربصاً ومتحيناً اللحظة للهجوم في مربضه الطبيعي الاعتيادي لدى حفنة من الحيوانات، وربما بعض الخفافيش القابعة في ظلمات الكهوف وغياهب الغابات المتناثرة في جنوب الصين. ويعد وجود مثل هذا المخبأ الطبيعي الحي – والمعروف أيضاً باسم المستودع المضيف – من الضرورات المنطقية حال نشوء أي فيروس جديد ويتحول على نحو مفاجئ إلى العدوى الوبائية ضد البشر.
ولكن لماذا؟ نظراً لأن كل شيء ينبع من مكان ما، والفيروسات تنشأ من الكائنات الخلوية، من شاكلة الحيوانات، أو النباتات، أو الفطريات. ويملك الفيروس المقدرة على استنساخ نفسه بنفسه، وهو يواصل العمل على هذا المنوال مع مرور الوقت إذا بقي على قيد الحياة وكان يسكن مستقراً داخل خلايا الكائنات الأخرى الأكثر تعقيداً، مثل نوع من أنواع الطفيليات الجينية.
بصفة عامة، تشكل العلاقة ما بين الفيروس والمستودع المضيف نوعاً من التأقلم التطوري القديم؛ إذ يقبع الفيروس في أولى مراحله كامناً في حالة سكون من دون الظهور أو التسبب في أي نوع من المشاكل، ومن دون الانتشار المفاجئ الواسع النطاق، وفي المقابل يحصل لنفسه على قدر من الأمان طويل الأمد. وتطلعات الفيروس في تلك المرحلة تتسم كحجمه بقدر كبير من التواضع: تكاثر ضئيل نسبياً ضمن محيط جغرافي محدود للغاية.
بيد أن ترتيبات «الضيافة» المشار إليها ما بين «الضيف والمضيف» لا تتسم في أغلب الأحيان بالثبات أو الاستقرار، ولا يمكن اعتبارها نهاية الحكاية بأي حال من الأحوال. فإذا دخل نوع آخر من المخلوقات الخلوية على خط الاتصال الوثيق بالكائن المضيف – عن طريق الافتراس، أو الاستيلاء – ربما يؤدي ذلك إلى استفزاز الفيروس الكامن ودفعه رغماً عنه إلى مغادرة «منطقة الراحة» الخاصة به والانتقال إلى وضعية أخرى تماماً؛ المضيف الجديد المحتمل.
وعلى نحو مفاجئ، يتحول الأمر برمته إلى ما يشبه حفنة من الجرذان التي تقفز من على متن سفينة مبحرة إلى شاطئ جزيرة نائية. وعند هذه المرحلة، قد يفشل الفيروس في التأقلم ثم يموت، أو ربما ينشط ويزدهر في الموطن الجديد. وإذا كان الاحتمال الثاني، ووجد الفيروس بمحض المصادفة أن البيئة الجديدة أكثر ضيافة وترحاباً، فربما يثبت نفسه في تلك البيئة.
وربما يكتشف الفيروس في نفسه المقدرة على الولوج إلى بعض خلايا العائل (المضيف) الجديد، ومن ثم يشرع في التناسخ بكثرة مع القدرة على الانتقال من ذلك العائل إلى عوائل أخرى. ويطلق العلماء على هذه الوثبة مسمى «تبديل المضيف»، أو باصطلاح هو أكثر وضوحا: التمدد والانتشار. فإذا نجم عن هذا الانتشار ظهور المرض بين دزينة أو اثنتين من الأشخاص، فهذا يعني من الناحية العلمية بلوغ مرحلة «التفشي». وإذا ما تواصل الانتشار في كافة أرجاء البلاد، فهذا يسمى «الوباء». وإذا ما استمر الانتشار في كافة أنحاء العالم، فنحن في مواجهة «الجائحة».
لنتصور مرة أخرى تلك الحفنة القليلة من الجرذان التي انتشرت في جزيرة نائية كانت خالية تماما من الجرذان في الماضي. من دواعي غبطتها أنها تجد تلك الجزيرة مأهولة بالعديد من مختلف أنواع الطيور المتوطنة، التي تملك قدراً لا بأس به من الثقة الباعثة على السذاجة من حيث وضع بيضها على أرض الجزيرة اعتياداً. فمن ثم تقتات الجرذان الجائعة على بيض الطيور، وبالتالي سرعان ما تفقد الجزيرة على نحو تدريجي سكانها الطبيعيين من الطيور المتوطنة مع وفرة متزايدة في أعداد الجرذان بدلاً من ذلك.
ومع مرور الوقت، تكتسب الجرذان المقدرة على إخراج السحالي من مخابئها في قلب الصخور وجذوع الأشجار لتأكلها وتعيش عليها. ثم تتطور لدى الجرذان مقدرة خفة الحركة المحسنة في تسلق جذوع وأغصان الأشجار من أجل الوصول إلى أعشاش الطيور كي تقتات على بيضها هناك أيضاً. والآن، يمكننا بكل سهولة إطلاق مسمى جديد على تلك البيئة، ألا وهو «جزيرة الجرذان». أما بالنسبة إلى الجرذان أنفسها، فلا يعدو الأمر كونه قصة من أقاصيص النجاح التطوري الباهر!
إذا كان العائل المضيف عبارة عن كائن بشري تمكن فيروس من الفيروسات من الولوج إلى جسده عبر الاتصال بحيوان غير بشري، فإننا في هذه الحالة نطلق على هذا الفيروس مسمى: «المرض الحيواني المنشأ» أو المرض الحيواني القابل للانتشار بين البشر. وبالتالي تكون العدوى الناشئة عن ذلك هي العدوى الحيوانية المنشأ. وتندرج نسبة 60 في المائة من الأمراض المعدية التي يتعرض لها البشر تحت هذه الفئة من الأمراض الحيوانية المنشأ التي نجحت في الانتشار على نطاق كبير. وتعتبر البكتيريا مسؤولة عن بعض الأمراض حيوانية المنشأ التي تصيب البشر أو بعض الأنواع الأخرى من البكتيريا المسببة للأمراض، غير أن أغلبها فيروسي الطبيعة.
لا تضمر الفيروسات حقداً دفيناً ضد البشر. وهي لا تملك أجندات، أو أهدافاً، أو مخططات من أي نوع. بل إنها تتبع نفس التطورات التطورية البسيطة على غرار الجرذان أو أي مخلوق آخر مدفوع بخريطة جينية معينة: الانتشار الذاتي الوافر بأكبر قدر ممكن داخل المحيط الجغرافي والمجال الزماني.
أما بالنسبة إلى الفيروس الغامض الكامن لدى المستودع المضيف – سواء كان خفاشاً أو قرداً في بعض البقاع النائية من قارة آسيا أو أفريقيا، أو ربما جرذاً من الجرذان القبيحة في جنوب غربي أميركا – فإن الانتشار في المحيط البشري يعد بمثابة فرصة ذهبية سانحة للامتثال لمقتضيات التطور الغريزية الأولى. وليس في مقدرة كل فيروس ناجح أن يُخضع الكوكب لسلطانه، غير أن بعض أنواع الفيروسات الخطيرة تقطع شوطاً هائلا بالفعل في الإجهاز على حياة البشر.
وهذا ما يفسر ما حدث مع جائحة فيروس الإيدز من قبل. إذ ينتقل فيروس الشمبانزي المعروف حالياً باسم «فيروس العوز المناعي القردي – وهو من الفيروسات الرجوعية»، من قرد الشمبانزي إلى البشر ربما عن طريق التلامس أثناء قتال عنيف بينهما، من أجل أن يستقر الفيروس داخل جسد الإنسان. وتخبرنا الأدلة الجزيئية التي عمل عليها فريقان من العلماء، أن هذا بالضبط نفس ما حدث على الأرجح منذ أكثر من قرن من الزمان في الركن الجنوبي الشرقي من دولة الكاميرون في وسط أفريقيا، وأن الفيروس قد استغرق عقوداً كاملة من أجل بلوغ حد الكفاءة في الانتقال السلس من إنسان إلى آخر.
وبحلول عام 1960 سافر هذا الفيروس القردي أسفل النهر صوب المدن الكبرى مثل مدينة «ليوبولدفيل» (كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية راهناً)، ثم انتشر من هناك إلى الأميركتين حتى بلغ مرحلة الانفجار مع حلول ثمانينات القرن الماضي. وصرنا نطلق عليه اليوم مسمى «إتش آي في 1 الفئة إم»، وهو مسمى السلالة الوبائية التي تشكل أغلب حالات الإصابات البشرية التي بلغت ما لا يقل عن 71 مليون حالة إصابة معروفة بين البشر حتى اليوم.
- خدمة «نيويورك تايمز»
 
شريط الأخبار طقس الجمعة أعلى من المعدلات الاعتيادية ..تفاصيل الحالة الجوية اليوم وغداً وكالة التصنيف العالمية AM Best ترفع التصنيف الائتماني لمجموعة الخليج للتأمين-الأردن إغلاق 35 مقهى في عمان لهذه الأسباب تعيين ناديا الروابدة رئيساً لهيئة مديري الشركة الوطنية للتنمية السياحية حسّان: الحكومة بدأت بتخصيص أراض لفئة الشباب انتهاء إعفاء السوريين من رسوم تصاريح العمل ومعاملتهم كبقية الجنسيات الملك والرئيس الإماراتي يبحثان هاتفيا جهود إنهاء الحرب على غزة ولبنان إعلان تشكيلة النشامى "الأساسية" أمام العراق ولي العهد في رسالة لمنتخبنا الوطني: فالكم التوفيق يالنشامى رئيس الوزراء: الحكومة تعمل على تطوير التعاونيات ودعمها لتمكينها من تنفيذ مشاريع زراعية نوعية تسهم في تطوير القطاع وتوفر فرص التشغيل الجيش الإيراني: سنرد ردا مدمرا على الكيان الصهيوني الضمان الإجتماعي يشتري (20) ألف سهم في البنك الأهلي الأردن يحتل المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج التمور وإنتاجنا السنوي يصل إلى 35 ألف طن متقاعدو مناجم الفوسفات الأردنية يردون على لجنة إدارة صندوق التأمين الصحي في الشركة متقاعدو شركة مناجم الفوسفات الأردنية يردون على لجنة إدارة صندوق التأمين الصحي في الشركة فضيلة الشيخ القاضي وائل سليم الراميني مدعي عام أول في محكمة استئناف عمان الشرعية.. الف مبروك الدكتور عصام الكساسبة يكتب.. 9 نقباء مقاولين بين الأمس واليوم صمت الخضيري بعد الاستقالة.. هل من رسائل خلف الأبواب المغلقة في نقابة المقاولين؟ نريد الحقيقة ما بين مجموعة ماجد الفطيم وكارفور: هل تمت إزالة العلامة فقط أم هناك تغيير حقيقي؟ ٧٩ محاميا يؤدون اليمين القانونية أمام وزير العدل