عندما اعتُقل كارلوس غصن في مطار طوكيو، أعلنت الـ«فيغارو» النبأ تحت عنوان «الفخ». وذكرت أن شركاً قد نُصب له على مدى أشهر ما بين القضاء الياباني وشركة «نيسان» التي يرأسها. وعندما وصل إلى المطار ذلك اليوم على طائرة الشركة الخاصة، لم يكن لديه أي شكوك حول ما يُعدّ له. بالطريقة نفسها، وبالسرّية نفسها وبالصيغة التآمرية نفسها، رتّب كارلوس غصن عملية الهرب. هذه المرّة أيضاً على متن طائرات خاصة لكنها ليست طائراته ولا طائرات الشركة. ولا يزال البحث جارياً، كما في لغة الشرطة.
ليس من عادتي ولا من طبعي الاعتراض على أي قانون في العالم، خصوصاً إذا كان المتّهم لبنانياً. فإن أكره الصفات في الإنسان عموماً، وفي الكاتب خصوصاً، أن يكون متحزباً أو متعصّباً. وفي ملفّات واسعة جداً مثل ملف كارلوس غصن، لا يمكن لفرد أو حتى لمؤسسة أن يملك من الوثائق والحقائق، ما يخوّله إصدار الأحكام أو نقضها. بالنسبة إليّ، توقّفت عند معاملة القضاء لكارلوس غصن، وليس عند التهم الموجّهة إليه. وقد أفزعني، من ضمن تلك الوسائل العائدة إلى القرون الوسطى، منع كارلوس غصن من مقابلة زوجته. ليس في ذاكرتي قمع من هذا النوع إلا ما حدث للمفكّر المصري نصر حامد أبو زيد أواخر التسعينات عندما صدر الحكم بالتفريق بينه وبين زوجته، التي هي أيضاً أستاذة من أساتذة مصر. وانتهى الأمر بأن نُفي الاثنان إلى هولندا، حيث يجيز القانون كل العقوبات المتخيّلة إلا عقوبة الفصل بين الزوج وزوجته. يومها أصدرت لجنة حقوق الإنسان في العالم، بياناً تقول فيه إن الحكم على الزوجين عمل من أعمال القرون الوسطى والعصر الحجري.
وإذا كانت اليابان قد اتّخذت قراراً مماثلاً، فإن ذلك لا يجعل هذا الشطط القانوني عملاً حديثاً أو مقبولاً. وسط هذا الضجيج العالمي حول فرار كارلوس غصن، ينسى الجميع أن القانون الياباني في هذه الحالة، هو تقليد شائن وهرطقة قضائية. لقد وصف الإعلام الياباني فرار كارلوس غصن بأنه عمل جبان، أما الحقيقة فهي أن أكبر الجبناء في التاريخ هو الظلم، وكل ما أحيط بكارلوس غصن منذ توقيفه وحتى فراره، كان ظلماً واضحاً. لقد سخّر اليابانيون كل بند وفسّروه في عملية تحيّز معلنة، وحرموا المتّهم أبسط حقوقه الطبيعية، وهي تهيئة دفاعه بحرّية ومن دون ضغوط إرهابية معلنة. قضية غصن ليست ما اتُّهم به، بل ما حُرم منه. وإذا نسيت اليابان، فالعالم لم ينسَ أن هذا الساحر نقل شركة مفلسة إلى شركة حجم أعمالها 200 مليار دولار. ويبقى القرار بمنعه من لقاء زوجته، قراراً رديئاً من قرارات تسخير القانون في سبيل الظلم.
ليس من عادتي ولا من طبعي الاعتراض على أي قانون في العالم، خصوصاً إذا كان المتّهم لبنانياً. فإن أكره الصفات في الإنسان عموماً، وفي الكاتب خصوصاً، أن يكون متحزباً أو متعصّباً. وفي ملفّات واسعة جداً مثل ملف كارلوس غصن، لا يمكن لفرد أو حتى لمؤسسة أن يملك من الوثائق والحقائق، ما يخوّله إصدار الأحكام أو نقضها. بالنسبة إليّ، توقّفت عند معاملة القضاء لكارلوس غصن، وليس عند التهم الموجّهة إليه. وقد أفزعني، من ضمن تلك الوسائل العائدة إلى القرون الوسطى، منع كارلوس غصن من مقابلة زوجته. ليس في ذاكرتي قمع من هذا النوع إلا ما حدث للمفكّر المصري نصر حامد أبو زيد أواخر التسعينات عندما صدر الحكم بالتفريق بينه وبين زوجته، التي هي أيضاً أستاذة من أساتذة مصر. وانتهى الأمر بأن نُفي الاثنان إلى هولندا، حيث يجيز القانون كل العقوبات المتخيّلة إلا عقوبة الفصل بين الزوج وزوجته. يومها أصدرت لجنة حقوق الإنسان في العالم، بياناً تقول فيه إن الحكم على الزوجين عمل من أعمال القرون الوسطى والعصر الحجري.
وإذا كانت اليابان قد اتّخذت قراراً مماثلاً، فإن ذلك لا يجعل هذا الشطط القانوني عملاً حديثاً أو مقبولاً. وسط هذا الضجيج العالمي حول فرار كارلوس غصن، ينسى الجميع أن القانون الياباني في هذه الحالة، هو تقليد شائن وهرطقة قضائية. لقد وصف الإعلام الياباني فرار كارلوس غصن بأنه عمل جبان، أما الحقيقة فهي أن أكبر الجبناء في التاريخ هو الظلم، وكل ما أحيط بكارلوس غصن منذ توقيفه وحتى فراره، كان ظلماً واضحاً. لقد سخّر اليابانيون كل بند وفسّروه في عملية تحيّز معلنة، وحرموا المتّهم أبسط حقوقه الطبيعية، وهي تهيئة دفاعه بحرّية ومن دون ضغوط إرهابية معلنة. قضية غصن ليست ما اتُّهم به، بل ما حُرم منه. وإذا نسيت اليابان، فالعالم لم ينسَ أن هذا الساحر نقل شركة مفلسة إلى شركة حجم أعمالها 200 مليار دولار. ويبقى القرار بمنعه من لقاء زوجته، قراراً رديئاً من قرارات تسخير القانون في سبيل الظلم.