من بين الردود والمداخلات الكثيرة جدا على مقالتي الأسبوع الماضي حول عودة العصا إلى المدارس، وما أحدثته من تداعيات، استوقفتني مداخلة لافتة للزميل داود القرنة أرسلها لي بالإيميل، تستحق بجدارة أن أن أفسح لها كامل مساحة هذه الزاوية، لأن فيها ما يجرح الوجدان، وربما يؤلم إلى حد ربما يحرك ساكنا فينا، وهي بالمناسبة لا تحتاج لأي تعليق!!
يقول صديقي داود: أوافقك الرأي على وجوب مراعاة الضبط والربط في المدارس، ولكن العودة إلى أيام « العصا لمن عصا والعصا من الجنة» سوف تثير مشكلات وإشكالات كثيرة محلياً وخارجياً. فقد احتجت الدول المانحة، على سبيل المثال، على ممارسة العقاب البدني، أحياناً، في مدارس وكالة الغوث الدولية-الأونروا- وهددت بقطع المساعدات- الشحيحة أصلاً- عن الفلسطينيين إذا ما استمرّت هذه الممارسة، ولم تُجدِ تبريرات المعلمين واحتجاجاتهم لضرورة تطبيق العقاب البدني ضد بعض الطلاب المسيئين.
ومن تجربتي التربوية والأبوية المتواضعة اعتقد أن الوضع في مدارسنا مأساوي إلى درجة كبيرة ولذلك أسباب كثيرة وتشترك فيه أطراف متعددة بدءًا من الوزارة، وصولاً إلى الإدارات المدرسية، ثم إلى العائلة. والمحزن في كل هذا هو غياب الرقابة على المدارس وإداراتها، فقد تحولت مهنة التدريس، مثلما هي مهنة الطب، إلى مجرد وظيفة ولم تَعُد رسالة، ولم يَعُد هناك من يقول «قف للمعلم وَفِّهِ التبجيلا» لأن هناك كثيرين لا يقدّرون قيمة العلم الذي يتوّج في نهاية الأمر بالدخول إلى الجامعة من خلال المحاصصة والمحسوبيات والواسطات والعطايا لمن لا يستحقون، وكل ذلك على حساب الفقراء والمعوزين الذين لا خلاص لهم إلا بالعلم وهو علم لا يتوافر في المدارس الحكومية أصلاً، لأني كثيراً ما سمعت معلمين يقولون «إن شاء الله ما تعلّموا.»
في الأسبوع الفائت كنت أنتظر طفلتي التي تدرس في الصف الأول في مدرسة البنات الثانوية الملاصقة لمدرسة طلاب ابتدائية وروضة أطفال، وكانت معركة مرورية تدور على الأبواب وفي الشوارع الفرعية بين السيارات الخاصة والباصات الصغيرة التي تكدس الطلبة الصغار فيها مثل السردين، مما يشكل خطورة كبيرة على حياتهم في حال وقوع حادث مروري. والملفت أني رأيت نساءً يعملن في وظيفة نقل الطلبة في باصات صغيرة خاصة بهن.
على أبواب تلك المدارس لا ترى معلمة أو معلما أو شرطيا أو متطوعا من الأهالي أو من كبار السن المتقاعدين ينظّم حركة المرور لأن لا أحد تعنيه سلامة هؤلاء الصغار، كما لا يوجد من هو على استعداد لبذل جهد أكثر مما هو مطلوب منه، هذا إن كان يبذل هذا الجهد أصلاً، مثل معلمة غرفة المصادر التي ترفض أن تقبل أكثر من ثلاث طالبات في دروس علاج عسر القراءة لأنها لا تريد أن تبذل جهدا، في الوقت الذي أصبح عدد الطلاب يبلغ أكثر من أربعين طالبا أو طالبة في الصف العادي.
على حائط تلك المدرسة، اقترب منّي طفل صغير وقال: أستطيع أن أتسلق هذه الشجرة. حاولت أن أثنيه عن المحاولة مبينا له المخاطر، ولكنه لم يستمع لي وتسلق شجرة الحور الطويلة. فجأة سمعت رجلاً يصرخ عليه بصوت عالٍ ليهبط عن الشجرة مما أصاب الطفل بالخوف وكاد يسقط من على الشجرة. وعندما سألت الطفل: من هذا الرجل؟ قال لي إنه أحد المعلمين في المدرسة. وقال لي إن المعلمين يدخّنون في الصف ويرمون أعقاب السجائر على الأرض. بجانبنا وقفت سيارة فيها شابان يدخّنان وفي وجه أحدهما جرح قديم. الطفل قال لي أن هذين الشابين من «المغازلجية» (محترفي مغازلة البنات!) الكثيرين الذين يتجمعون قرب مدارس البنات وأنهم يرسلون لهن رسائل حب مع الطلاب الصغار في المدرسة الابتدائية الذين يفعلون ذلك إمّا عن جهل، وإمّا خوفاً وإمّا مقابل شيء مادي. و لَكَ أن تتصور كيف سيكون حال هذا الجيل الذي يتربى منذ الآن على ثقافة نقل رسائل العشاق إمّا جهلاً أو خوفاً أو طمعاً في مكسب مادي! .
hilmias@gmail.com
يقول صديقي داود: أوافقك الرأي على وجوب مراعاة الضبط والربط في المدارس، ولكن العودة إلى أيام « العصا لمن عصا والعصا من الجنة» سوف تثير مشكلات وإشكالات كثيرة محلياً وخارجياً. فقد احتجت الدول المانحة، على سبيل المثال، على ممارسة العقاب البدني، أحياناً، في مدارس وكالة الغوث الدولية-الأونروا- وهددت بقطع المساعدات- الشحيحة أصلاً- عن الفلسطينيين إذا ما استمرّت هذه الممارسة، ولم تُجدِ تبريرات المعلمين واحتجاجاتهم لضرورة تطبيق العقاب البدني ضد بعض الطلاب المسيئين.
ومن تجربتي التربوية والأبوية المتواضعة اعتقد أن الوضع في مدارسنا مأساوي إلى درجة كبيرة ولذلك أسباب كثيرة وتشترك فيه أطراف متعددة بدءًا من الوزارة، وصولاً إلى الإدارات المدرسية، ثم إلى العائلة. والمحزن في كل هذا هو غياب الرقابة على المدارس وإداراتها، فقد تحولت مهنة التدريس، مثلما هي مهنة الطب، إلى مجرد وظيفة ولم تَعُد رسالة، ولم يَعُد هناك من يقول «قف للمعلم وَفِّهِ التبجيلا» لأن هناك كثيرين لا يقدّرون قيمة العلم الذي يتوّج في نهاية الأمر بالدخول إلى الجامعة من خلال المحاصصة والمحسوبيات والواسطات والعطايا لمن لا يستحقون، وكل ذلك على حساب الفقراء والمعوزين الذين لا خلاص لهم إلا بالعلم وهو علم لا يتوافر في المدارس الحكومية أصلاً، لأني كثيراً ما سمعت معلمين يقولون «إن شاء الله ما تعلّموا.»
في الأسبوع الفائت كنت أنتظر طفلتي التي تدرس في الصف الأول في مدرسة البنات الثانوية الملاصقة لمدرسة طلاب ابتدائية وروضة أطفال، وكانت معركة مرورية تدور على الأبواب وفي الشوارع الفرعية بين السيارات الخاصة والباصات الصغيرة التي تكدس الطلبة الصغار فيها مثل السردين، مما يشكل خطورة كبيرة على حياتهم في حال وقوع حادث مروري. والملفت أني رأيت نساءً يعملن في وظيفة نقل الطلبة في باصات صغيرة خاصة بهن.
على أبواب تلك المدارس لا ترى معلمة أو معلما أو شرطيا أو متطوعا من الأهالي أو من كبار السن المتقاعدين ينظّم حركة المرور لأن لا أحد تعنيه سلامة هؤلاء الصغار، كما لا يوجد من هو على استعداد لبذل جهد أكثر مما هو مطلوب منه، هذا إن كان يبذل هذا الجهد أصلاً، مثل معلمة غرفة المصادر التي ترفض أن تقبل أكثر من ثلاث طالبات في دروس علاج عسر القراءة لأنها لا تريد أن تبذل جهدا، في الوقت الذي أصبح عدد الطلاب يبلغ أكثر من أربعين طالبا أو طالبة في الصف العادي.
على حائط تلك المدرسة، اقترب منّي طفل صغير وقال: أستطيع أن أتسلق هذه الشجرة. حاولت أن أثنيه عن المحاولة مبينا له المخاطر، ولكنه لم يستمع لي وتسلق شجرة الحور الطويلة. فجأة سمعت رجلاً يصرخ عليه بصوت عالٍ ليهبط عن الشجرة مما أصاب الطفل بالخوف وكاد يسقط من على الشجرة. وعندما سألت الطفل: من هذا الرجل؟ قال لي إنه أحد المعلمين في المدرسة. وقال لي إن المعلمين يدخّنون في الصف ويرمون أعقاب السجائر على الأرض. بجانبنا وقفت سيارة فيها شابان يدخّنان وفي وجه أحدهما جرح قديم. الطفل قال لي أن هذين الشابين من «المغازلجية» (محترفي مغازلة البنات!) الكثيرين الذين يتجمعون قرب مدارس البنات وأنهم يرسلون لهن رسائل حب مع الطلاب الصغار في المدرسة الابتدائية الذين يفعلون ذلك إمّا عن جهل، وإمّا خوفاً وإمّا مقابل شيء مادي. و لَكَ أن تتصور كيف سيكون حال هذا الجيل الذي يتربى منذ الآن على ثقافة نقل رسائل العشاق إمّا جهلاً أو خوفاً أو طمعاً في مكسب مادي! .
hilmias@gmail.com