مدينة مكاور التاريخية تقع على بعد 32 كم جنوب غرب مدينة مادبا والى الجنوب الشرقي من حمامات ماعين. بنيت قلعتها على تله متوسطه ترتفع 730 م عن سطح البحر وتشرف على البحر الميت من الجهة الشرقية. وتشير الكتابة الفسيفسائية الموجودة في القلعة ،وهي ؛ أقدم قطعة فسيفسائية ؛ على أن باني القلعة هو لإسكندر جانيوس من المكابيين،حيث تم بنائها سنة 90 قبل ميلاد المسيح .و أصبحت فيما بعد مركزا قويا لمقاومة الرومان، مما دفعهم للاستيلاء عليها وتدميرها سنة 57 قبل الميلاد. وبقيت هكذا إلى إن جاء إليها هيرودس الكبير الذي اهتم بالمكان اهتماماً كبيراً، فزاد من تحصينها.
وقد أقام هيرودس على أثارها وبجوار القلعة مدينة كبيرة. فأعاد بنائها من جديد سنة (25-6 ق.م) وأرادها قلعة حصينة فأحاطها بسور و أبراج عالية ، وربط المدينة بالقلعة بواسطة جسر . ويفسر هذا الاهتمام الكبير من هيرودس بالمكان إلى عدة أسباب منها ؛
أولا - من اجل مراقبة تحركات العرب الأنباط في البتراء لسوء العلاقات بينهما ،وصد غزوات الرومان .
2- كون الموقع قريباً من مياه الزارة البركانية العلاجية.
3- توفر المياه العذبة الباردة فيها .
بعد موت "هيرودس" الكبير استلم الحكم ابنه "هيرودس انتيباس"، الذي وضمها لملكه. و بعد مرور أربعين سنة جاءت الجيوش الرومانية بقيادة لوسيليوس باسوس لإخماد ثورة اليهود في فلسطين (71-72م) وبعد إن دخل القدس هرب اليهود إلى القلاع المجاورة و منها قلعة "هيروديوم" في شرق بيت لحم وقلعة مكاور،مما دعا لوسيليوس باسوسالى محاصرة مكاور واحتلاها.
ومنذ القرن السادس وحسب الآثار المكتشفة وفد الرهبان المسيحيون إلى " خربة مكاور"واستوطنوا فيها، وبنوا كنائسهم البيزنطية الماثلة أثارها إلى اليوم، حيث أصبحت مكاور "مكانا مسيحيا" لآل عمران "،وموقعا للحج المسيحي حتى القرن التاسع الميلادي حيث تم تدميرها ومحوها كمركز حضاري نتيجة للغزوات اللاحقة.
تم إعادة اكتشاف المنطقة في سنة 1964 من قبل بعثة الإباء الفرنسسكان من القدس .وتوالت التنقيبات الاترية في القلعة في العام 1968، حيث انصبت أعمال التنقيب الأثرية على القلعة، وتم الكشف عن مسرحها ومعبد النبي يحيى عليه السلام في منطقة "الدير".
لم يتم إعادة بناء المدينة التاريخية في إطار مشروع وطني لإحياء حضارة المدينة لتكون منطلق ألحج المسيحي إلى إن اختارها الفاتيكان "مكاور" موقعا دينينا مسيحيا مقدس سنة الألفين " لاحتضانها" آل عمران " ومركز انطلاق دعوة النبي يحيى بن زكريا" يوحنا المعمدان" الذي ولد فيها.
و تشير بعض المصادر التاريخية إلى إن "عين كارم" كانت موطنا ل" زكريا وأليصابات" والدي" يوحنا المعمدان"، لكنهما انتقلا إلى مدينة "مكاور"،التي أصبحت موطنا ل " آل عمران " ،حيث كان عمران راعيا لكهنة كنسية المدينة فيها، وشهدت ولادة السيدة البتول مريم بنت عمران والدة السيد المسيح عيسى بن مريم ،وحضانتها ورعايتها من قبل النبي زكريا في كنيسة مكاور، بعد وفاة والدها ، وقبل انتقالها إلى بيت لحم .
ويشار إلى إن مدينة مكاور تقابل مدينة بيت لحم من حيث الموقع الجغرافي ، حيث يفصلهما عن بعضها البعض البحر الميت ،وكليهما تحتضن قلعة بذات المواصفات، كما شهدت مدينة مكاور ميلاد النبي يحيى "يوحنا المعمدان " وبمعجزة إلهية فيها، وثم انطلاق دعوته منها إلى الإنسانية. في حين شهدت مدينة بيت لحم ميلاد السيد المسيح عيسى بن مريم بمعجزة إلهية ،وانطلاق دعوته منها إلى البشرية .
ووفقا للروايات التاريخية في هذا المكان التاريخي صدر الأمر الإلهي إلى النبي يحيى بن زكريا، وهو ؛ صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام كتاب الشريعة.. ورزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي .. وكان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم ،وهو؛ صبي.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أحكام الدين، ويعرفهم بالحلال والحرام ويحذرهم من طريق الظلال.
وحينما اشتد سوقه وعظم شأن يحيي بالنبوة زاد علمه، وعظمت رحمته وحنانه بوالديه والناس والمخلوقات، والطيور والأشجار، حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة إلى الله من الذنوب، وكان يدعو الله لهم، ولم يكن هناك إنسان يكره يحي أو يتمنى له الضرر. حيث كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد على ذلك بالتنسك بمنطقة "الدير" في مكاور..
إن ما يعتصر القلب والقواد ،هو؛ مدى إلاهمال الحكومي لهذا المعلم الأثري التاريخي العظيم،الذي يفتقر لأدنى احتياجات السياحة والبني التحية والفوقية ، فلا توجد استراحة سياحية، ولا كنسية لإقامة الصلوات الدينية كمنطلق للحج المسيحي . بل أصبحت المنطقة طاردة لمواطنيها، وغير جاذبة لحجاجها وزوارها، وفي السنوات الأخيرة شيدت وزارة السياحة مركزا للزوار يفتقر للخدمات الأساسية كمرفق سياحي.
لكن الملاحظ هو تزايد توافد السياح الأجانب إلى هذه القلعة بشكل فردي بسياراتهم الخاصة أو المستأجرة، لزيارة الموقع الذي له قيمة دينية وتاريخية كبيرة عند المعمدايين وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.ومن الملاحظ أيضا إن عددا من ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية نفذا زيارات لقلعة ميكاروس بعد انتهاء مدة رئاساتهم.
تقع قلعة "ميكاروس" التي سميت بذلك لاستدارة قلعتها، والتي ورد ذكرها ضمن خارطة الفسيفساء في مادبا على تل مخروطي الشكل يبلغ ارتفاعه (1125) مترا عن سطح البحر، وتقع هذه القلعة على القرب من حمامات ماعين ومحمية الموجب ومطلة على جبال فلسطين والبحر الميت. حيث لا تزال بقايا قصر هيرودوس قائمة حتى الآن الذي بناه للراحة والترفيه وبقايا الكنائس وأبراج والسور المحيط بالقلعة وبعض البيوت التي بنيت في أسفل القلعة وفي سفوح الجبل لعائلات الحراسة، واثأر المدينة المدمرة من اثر الزلزال الذي ضربها عقابا لأهلها على مقتل نبي الله يحي بن زكريا .
على مقربة من القلعة يوجد "مسرح المدينة" في الجنوب الغربي من المدينة ، حيث رقصت الراقصة الشهيرة "سالومي" في عيد ميلاد هيرودوس الذي وعدها بأن يلبي لها كل ما تريد، فطلبت منه قطع رأس النبي يحيى عليه السلام "يوحنا المعمدان" إذ كان في السجن،فقد استجاب لطلبها هيرودوس بعد أن رقصت حتى الصباح، فقطع رأس النبي يحيى وقدمه للراقصة سالومي على طبق من ذهب وما يزال كهف المشنقة باقيا حتى الآن وسط القلعة.
معالم مسرح المدينة لم تجر لها إي تنقيب اثري لإظهارها. لكن هناك بعض الشواهد في أسفل المدينة المدمرة التي تدل على وجود اثأر المسرح. وأما المعبد الذي كان النبي يحيى عليه السلام يتعبد فيه؛ فيوجد في منطقة "الدير" المطلة على القلعة والمدينة التاريخية، الذي منه انطلقت دعوته للإنسانية يطلق عليه حاليا " الدير ". فالحفريات الأثرية المتوالية انصبت على التنقيب في قمة القلعة دون الاهتمام بإعادة بناء المدينة التاريخية المدمرة، التي احتضنت آل عمران، ولم يتم الكشف عن المعبد في منطقة الدير والمسرح في ضواحي المدينة.
أول زيارة استكشافية نفذها الرحالة الألماني "سيتزن" في كانون الثاني 1807 ميلادية حيث قدم وصفا متواضعا لها، ولكنه كان كافيا لإثارة شهية الرحالة والباحثين الغربيين، الذين وجدوا في الأرض المقدسة، مكانا خصبا، لتفحص مواقع "الكتاب المقدس" المفترض بشكل متأن، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية. وفي شباط 1872 ميلادية وصل الدكتور "هـ.ب.ترسترام" على رأس بعثة أثرية بريطانية إلى المكان، ليقدم وصفا هو الأهم لقلعة "مكاور" ضمن رحلته في تلك الأرض المباركة، حتى ذلك الزمن،وتحديد القلعة كمكان لوقوع قطع رأس النبي يحيى عليه السلام، وذكره المؤرخ "يوسيفوس فلافيوس".
لكن القلعة الرومانية الأصل التي أعاد هيرودوس بناءها، دمرت فيما بعد على يد الرومان، وتشير الدلائل إلى أنها طويت في ثنايا التاريخ ، رغم أن مكاور تقع على خط مسرى النبي محمد سلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى المبارك ومعراجه إلى السماء ، وان الاستيطان البشري استمر في مدينة مكاور ذاتها، في العهد البيزنطي، وبعد ذلك تم استيطانها من قبل عرب بني حميدة بقيادة الشيخ احمد القعايدة احد زعماء بني حميد.
وكان عالم الآثار ألماني قد اكتشف مكان سجن وقطع رأس "يوحنا المعمدان " ، وسار بثقة إلى سفح الجبل الشمالي الشرقي، وأمر بالحفر هناك، حيث عثر على مغارة مستطيلة، تشبه في هندستها ما تركه مهندسو هيرودوس في قلاعه في فلسطين ، وفيها عثر على ما صنفه العالم الألماني أجزاء من المشنقة المفترضة التي علق عليها " يوحنا المعمدان" ليقدم رأسه على طبق من ذهب إلى سالومي. حيث يوجد وبالقرب من القلعة أثار سكنية تسمى ب "الزانية" نسبة إلى الراقصة " سالومي"، حيث كانت تعيش فيها.
ويبدو أن "لعنة سالومي" طالت مدينة مكاور إلى اليوم حيث أصابها الزلزال الكبير انتقاما لمقتل النبي يحيى "يوحنا المعدان "، فدمرت عن بكرة أبيها، ولم يتم إعادة الاعتبار لها في الحاضر والتي بحاجة إلى إعادة تنقيب، فمدينة مكاور القديمة تقع على كهف كبير من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها وإظهار مسرحها، الذي يميز حضارية المدينة التي عاش فيها آل عمران الذين كرمهم الله تعالى بالنبوة في كتابه الكريم./للبحث صلة
• صحافي ومحلل سياسي / رئيس جمعية مكاور