تظاهرنا واعتصمنا لكل حدث من المحيط إلى الخليج وهتفنا ضد الاستعمار والصهيونية حتى بحت حناجرنا، وهذا أمر جيد, ثم طالبنا بالاصلاح ورفعنا رايات الشفافية والديمقراطية والعدالة في توزيع المكتسبات الوطنية وما زلنا نفعل ذلك حتى اليوم وهذا حراك جيد ومطلوب أيضا.
تجولت يوم الجمعة الماضي في شوارع مدينة السلط العتيقة برفقة ضيف جاء من الخارج، كان المشهد في الشوارع مأساويا، وكم كان مؤلما منظر صاحب محل خضار يغلق أبوابه وقد أخرج كل نفاياته والقى بها في عرض الشارع دون أي وازع من مواطنة أو ضمير.
كانت الشوارع غارقة تحت أكوام النفايات والمياه العادمة التي تتدفق هنا وهناك، فقال الضيف : منذ خمسة وعشرين عاما وحتى اليوم لم يتغير شيء في هذه المدينة باستثناء مشروع أعمار المباني التراثية وسط المدينة.
نعم ربع قرن وهو رقم متفائل وفي الحقيقة فان الشيء الوحيد الذي تغير في السلط منذ عام 1961 كان عندما هدمت البلدية (السرايا العثماني) فشوهت المعلم التراثي لوسط المدينة وسط احتفالات عارمة حينئذ وكأننا نزيل أثار العدوان التركي في منطقتنا.
مجالس بلدية متعاقبة في المدينة خربت أكثر مما عمرت فمعظم الاحياء الجديدة ليست الا نسخة عن أحياء مطلع القرن العشرين من حيث التنظيم وضيق الشوارع والالتواءات التي تراعي منزل فلان وبقايا حاكورة فلان، وأستمر أهالي السلط شيبا وشبانا يجأرون بالشكوى من ترهل البلدية وسوء الخدمات وتراجع مدينتهم منارة العلم في بدايات تأسيس أمارة شرق الأردن، ولكن أحدا لم يفكر أو يجرؤ على تنظيم مسيرة أو اعتصام من أجل حل المجلس البلدي أو محاسبته!؟ والسبب أن عشائر السلط الكبرى ممثلة بعضو لكل منها في المجلس البلدي!! فان اعتصمنا أو هتفنا لرحيل المجلس نصرت كل عشيرة أبنها ظالما ومقصرا وربما فاسدا في بعض الأحيان، فيصبح خصمك عشيرة كاملة!!.
أما حين لا يكون خصمك من داخل البيت السلطي فتظاهر واعتصم كما تشاء حتى لو هتفت برحيل الحكومة ومحاكمة الفاسدين والصالحين معا فلا بأس .
يبدو أن الوضع يتغير الان فتجمع شباب السلط الذي أطلقوا عليه اختصارا (أبيش) اقتباساً من أغنية الفنان عمر العبداللات (أبيش أحلى من السلط) يفكرون بأشياء مختلفة تماما، فهم شباب متحمس يطالب بالاصلاح من خلال ابتكار مبادرات ريادية تبدأ بمشاريع خدمية مثل تشجير المدينة وإعادة الألق الثقافي والسياسي اليها، بمعنى أنهم يفكرون بإصلاح البيت الداخلي أولا، حملة نظافة واسعة، توعية مجتمعية إلى أن يتوقف بعض أصحاب المحلات عن إلقاء النفايات وسكب المياه في عرض الشارع، محاسبة لجنة البلدية ومجلسها المنتظر، محاورة المحافظ ومدراء الدوائر، والسؤال عن موقع دفن (وثيقة السلط الشعبية) والبحث عن قتلتها وتأنيبهم، وبذات الوقت المشاركة في الحراك السياسي الوطني ومسيرة الاصلاح، فمن يعجز أو يتخاذل عن أسماع صوته في شؤون مدينته وشوارع حارته وهواء بيته الذي يتنفسه لن يكون فاعلا ولا مقنعا في الحديث عن الاصلاح الوطني.
الحال في معظم مدن المملكة لا يختلف كثيرا عما هو في السلط ولكننا نأمل أن نسمع أن الذين يعتصمون من أجل محاربة الفساد يعتصمون أو يشمرون عن سواعدهم في اليوم التالي لحملة نظافة مدنهم، والذين ينظمون مسيرات لرحيل الحكومات يوم الجمعة يخصصون الخميس لمسيرة انتماء لبيئة المدينة ومحاسبة مجالسهم البلدية التي انتخبوها وتخاذلوا عن محاسبتها، وأن نقول كلمة حق (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) بالمعنى الصحيح وليس بالمعنى الجاهلي.
وأخيرا إلى تجمع (أبيش) رسالة تقول (ابيش النا مكان عندكو ؟؟).
تجمع (أبيش) قد تطلق مبادرات ريادية من السلط
أخبار البلد -