نتذكر وليس بوسعنا أن ننسى أن من أول إنجازات سلطة أوسلو العتيدة التي بدأت تحت مسمى "غزة أريحا أولا"، كان إنشاء كازينو أريحا الذي يهدف إلى استضافة المقامرين اليهود الذين تمنع دولتهم (وبالطبع لاعتبارات دينية) إقامة كازينو للقمار في أرض "إسرائيل".
طبعا غزة ليست من أرض "إسرائيل" المقدسة بحسب الفكر الصهيوني، فالأرض المقدسة هي "يهودا والسامرة"، أما أريحا فهي مدينة ملعونة بحسب التوراة (في سفر يوشع "ملعون قدام الرب الرجل من يقوم ويبني هذه المدينة").
مع عودة القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وقبل تمددها نحو الضفة الغربية، برز اسم المستشار الاقتصادي للرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان له اسمان: اسم حركي (خالد سلام) عُرف به منذ الثمانينات، يوم عمل في حقل الإعلام مع الراحل "أبو جهاد"، وصولا إلى استقطابه من قبل ياسر عرفات حيث عمل كمستشار إعلامي. أما الاسم الآخر (محمد رشيد)، ويبدو أنه الأصلي، فقد عُرف به بعد إنشاء السلطة التي غدا مستشارا اقتصاديا لرئيسها.
صاحبنا ذو الأصول الكردية العراقية، والذي كان مستشارا إعلاميا، وتحوّل بقدرة قادر إلى مستشار اقتصادي، أصبح عنوان المال والاستثمار الأول في السلطة، ويبدو أن ياسر عرفات بعقلية الحريص على الاستئثار بكل شيء، قد وجد في الرجل الذي لا جذور له في فلسطين شخصا مناسبا لإدارة أكثر الملفات الحساسة (ملف المال).
لكن الرجل الذكي بحسب أكثر من عرفوه (التقيته شخصيا في تونس عام 90 على خلفية مقابلة صحفية مع عرفات) لم يكن ليقبل بالحجم الذي صممه المعلم، فكان أن مدّ علاقته صوب الأمريكان والإسرائيليين (كانت له علاقة خاصة مع شارون الذي استضافه ونجله "عمري" في مزرعة العائلة الخاصة كما روى لكثيرين)، فضلا عن نفوذه داخل السلطة الذي حصل عليه بسطوة المال، بخاصة علاقته الخاصة مع محمد دحلان.
عندما تحدى دحلان سلطة ياسر عرفات بعدما حوصر الأخير في مبنى المقاطعة في رام الله، كان المستشار الاقتصادي يقرأ تحولات الريح، فكان أن مال إلى التحالف مع دحلان ومن دعموه للانقلاب على الرئيس. وكان رأي الكثير من العارفين ببواطن الأمور أن المستشار الاقتصادي هو الذي يدير ذلك "الشاب" الذي أثار إعجاب جورج بوش رئيس الولايات المتحدة (أعني دحلان).
قُتل عرفات، فتساءل الناس عن مصير الأموال الموجودة بحوزة المستشار الاقتصادي، وهنا كانت المفاوضات والوساطات التي أفضت إلى دفع المستشار مبلغا (قيل إنه 600 مليون دولار) للسلطة مقابل الحصول على براءة ذمة من رئيسها تؤكد أنه دفع ما عليه أو ما لديه (ثمة فرق كبير بالطبع)، مع أن دوائر أمريكية وإسرائيلية، وربما مصرية كانت تؤكد أن المبلغ الذي لديه أكبر مما دُفع بكثير.
دفع الرجل ما بحوزته كما يقال، لكنه ظل رجل أعمال كبير يجوب الدنيا بطائرته الخاصة في سياق من تنويع استثماراته وأماكن وجودها، هو الذي كان مجرد موظف لا أكثر حتى دخول قيادة المنظمة للضفة الغربية وقطاع غزة، وبالمناسبة فقد كان الرجل ولا زال يتدخل في السياسة أيضا، إذ تعثر عليه في كل مناسبة يتابع أو يلتقي أو يتوسط، ربما بطلب من هذه الجهة أو تلك، وربما كجزء من القضية التي يواصل الاهتمام بشؤونها دون كلل أو ملل!!
نتذكر الرجل بين يدي قضية الكازينو التي تشغل الرأي العام في الأردن هذه الأيام، وبالطبع لأن اسمه يتردد بوصفه المالك الحقيقي للشركة التي حصلت على رخصة الكازينو من الحكومة، ضمن عقد تضمن شرطا جزائيا ضخما (مليار دينار)، ما يدفعنا إلى التساؤل حول العلاقة بين تحرير فلسطين الذي كان السبب وراء انخراط صاحبنا في حركة فتح، وبين افتتاح هذا اللون من البزنس المتعلق بالقمار، في أريحا أولا وفي العقبة ثانيا.
لم نسمع إلى الآن رواية الرجل للقصة، ولو كان الأمر جديا لكان من الضروري الاستماع لشهادته، لاسيما أننا لا نعرف أيضا ما الذي حصل فيما خصّ الشرط الجزائي، وما قيل عن منح مالكي الرخصة مساحة كبيرة من الأرض في منطقة البحر الميت، ونحن لا نزال بالطبع في سياق الكلام والشائعات والروايات المتعددة، وربما المتناقضة.
نتحدث في هذا الملف بحزن وأسى، والسبب هو حضور فلسطين (الأرض التي بارك الله حولها) وقضيتها المقدسة في لعبة بائسة من هذا النوع. فيا لفلسطين ما أكثر الجرائم التي ارتكبت باسمها منذ عقود ولا تزال ترتكب!!
فلسطين عندما تحضر في قضية الكازينو!!
أخبار البلد -