الحكومة مدانة شعبيا والبراءة لم تنقذها من المأزق .
نجا رئيس الوزراء معروف البخيت من الاتهام في قضية الكازينو واكتفت الاغلبية النيابية باتهام وزرائه, لكنها براءة مثلومة.
ففي تقرير لجنة التحقق النيابية ما يكفي من الادلة والمستمسكات لتوجيه الاتهام للجميع.
بالمعنى السياسي والدستوري رئيس الوزراء ومن معه متهمون سواء أيّد مجلس النواب توصية اللجنة ام لا , فقد احتوى التقرير على مخالفات جسيمة للقانون, وتجاوزات للدستور, وتقاليد الادارة الحكومية لا يمكن قبول أي تبرير لها.
صحيح أن التحقيقات لم تقدم ادلة على أن أياً من المسؤولين تلقى رشوة لتمرير الاتفاقية واجزم ان البخيت كان صادقا فيما قاله عن شخصه بهذا الخصوص , لكن الطريقة التي كانت تدار فيها "العملية" توحي بأن بعض المسؤولين استغل نفوذه من أجل مصالح شخصية لا يعلمها الا الاطراف المعنية بالاتفاقية.
يصاب المرء بالدُّوار وهو يطالع التقرير, ويشعر بالصدمة من سلوك الوزراء وطريقة تعاطيهم مع قضايا تمس مصالح الناس والدولة. كنا نعتقد ان الوسائل الملتوية وأساليب التحايل على الدستور والقوانين والانظمة هي من ابتكار تيار بعينه في الدولة واذ بها نهج عابر للحكومات بصرف النظر عن هوية رئيسها وطاقمها, فمن يصدق ان معروف البخيت ابن المؤسسة البيروقراطية يقبل بهذه الالاعيب وينخرط شخصيا في ترتيب وتفصيل اتفاقية بهذه الاهمية من دون اتباع الخطوات القانونية متجاهلا رأي القانونيين في حكومته? !
النواب كانوا امام مهمة تاريخية,فالتقرير يعطيهم المبررات الكافية لتوجيه الاتهام, يترتب على ذلك استقالة الحكومة فورا, والبخيت ابدى الاستعداد لتقبل الامر واظنه لن يقبل الاحتماء بمظلة الاعيان للهروب من تحمل المسؤولية. لكن النواب انقسموا بين فريق يؤيد توصية اللجنة, وآخر يريد استثناء البخيت والاكتفاء بمحاكمة الوزراء وباقي المسؤولين المعنيين.
أنصار الفريق الاول على قناعة بأن البخيت يستحق المحاكمة, ويجدون في ذلك فرصة لاستعادة المجلس هيبته وشعبيته, الامر الذي ربما يساعد في ابعاد شبح الحل عنه.
يخالفهم الفريق الثاني الرأي اذ يعتقدون ان في ادانة الرئيس سابقة خطيرة لا تحتملها التجربة البرلمانية والسياسية في البلاد, واستقالة الحكومة في هذا الظرف ستكون على حساب اجندة الاصلاحات المطلوبة باقصى سرعة ممكنة لتخفيف الاحتقان في الشارع, خاصة وان رحيل الحكومة الان وقبل انجاز حزمة تشريعات الاصلاح السياسي يعني ان الحكومة الجديدة لن تختلف في تركيبتها واسلوب تشكيلها عن اي حكومة سابقة بما فيها حكومة البخيت.
لكن مهمة هذا الفريق في الدفاع عما يوصف بالرأي العقلاني كانت صعبة وسط اجواء مشحونة بالعداء لحكومة البخيت الغارقة في العديد من المشاكل ابرزها قضية او فضيحة سفر السجين خالد شاهين الى لندن بدعوى العلاج في الخارج والتي يتوعد النواب بمحاسبة الحكومة عليها حسابا عسيرا في الدورة العادية المقبلة.
مجلس النواب اذاً كان امام خيارات صعبة, والحكومة في وضع اصعب حتى بعد ان بَرّاً المجلس رئيسها, فهي في نظر الرأي العام مدانة بالتهم المتعلقة بالحكومة الاولى والثانية, فما السبيل للخروج من المأزق?
الحل عند البخيت, بمبادرة شجاعة تضع حدا للنقاش الذي لا نعرف الى اي حد يمكن ان يصل اذا ظل العرض مفتوحا امام الجمهور.
البخيت ينجو من اتهام النواب .. هل انتهت القضية؟
أخبار البلد -