تغليظ العقوبات واسكات المواقع الالكترونية لن يمنع الاردنيين من الحديث في مجالسهم
اكثر ما يثير غضب الاردنيين وسخطهم هو الفساد, وبالنسبة للاغلبية الساحقة من المواطنين لا معنى للحديث عن الاصلاح اذا لم يقترن بمكافحة الفساد. وعندما لاحظ الشارع ان هناك جهودا ملموسة على هذا الصعيد سادت حالة من الهدوء النسبي, وتراجعت وتيرة الاحتجاجات خلال اسابيع مضت.
معنى ذلك ان الاصلاحات السياسية والدستورية الموعودة على اهميتها لا تكفي لتهدئة الشارع في مرحلة انتقالية حساسة.
وبسبب الطابع السياسي للفساد في الاردن وارتباطه بالطبقات الحاكمة, ترسخت قناعة شعبية واسعة بأن الاصلاح لا يتحقق من دون محاسبة متنفذين تولوا مناصب رفيعة في الدولة, واستعادة ما يقولون انها اموال منهوبة.
المقاربة السياسية للمنطق الشعبي تصل الى نفس الاستنتاج, اذ لا يمكن للمرء ان يصدق بأن الطبقة السياسية التي ترعرعت في كنف الفساد قادرة على قيادة مرحلة الاصلاح.
للوهلة الاولى بدا ان هناك ارادة حقيقية لمكافحة الفساد, وسرت موجة ارتياح في الاوساط العامة بعد فتح عدد من ملفات الفساد, لكن سرعان ما تبددت الامال بعد تباطؤ النظر في بعض القضايا, والانباء التي ترددت عن تسويات خارج القضاء مع شخصيات ثبت تورطها في قضايا فساد تعود لسنوات سابقة.
وزاد من الشكوك بشأن جدية الدولة في مكافحة الفساد قرار الحكومة بتعديل قانون هيئة مكافحة الفساد فرضت بموجبه عقوبات على كل من ينشر اخبارا عن الفساد من دون ادلة قاطعة, لدرجة تندر البعض بوصف القانون بعد التعديل بقانون محاربة مكافحة الفساد.
لم يكن تعديل القانون الشاهد الوحيد على تراجع ارادة الاصلاح من وجهة نظر الكثيرين, بل الخطاب الذي بدأ يسود في الآونة الاخيرة والذي يرى في الحديث المستمر عن الفساد مبالغة وتعميما يضر بسمعة الاردن وينفر المستثمرين العرب والاجانب.
يختلف كثيرون مع هذه النظرية فمن واقع التجربة العالمية يقبل رجال الاعمال على الاستثمار في البلدان التي تتبع قواعد صارمة في مكافحة الفساد والرشوة, لان في ذلك ضمانة قانونية لعدم ضياع حقوقهم او هدرها في دفع الرشى, وكم من مستثمر اجنبي وعربي اشتكى في السنوات الماضية من ابتزاز مسؤولين له وطلب "الكوميشن" مقابل تسهيل اعماله, وبالنتيجة قصد هؤلاء دولا غير الاردن.
ويرجع محللون انتشار الاشاعات عن الفساد بشكل كبير الى الاسلوب الذي تدار فيه العمليات الاستثمارية من طرف الحكومات المتعاقبة, والذي يفتقر الى الشفافية ولا يستند الى قواعد قانونية واضحة ومعلومة للرأي العام, الامر الذي يجعل من كل مشروع صفقة فساد في نظر الناس, وكثيرا ما زكت التجارب صحة هذا الانطباع بعدما انفضحت طوابق الفساد في اكثر من صفقة.
على وقع مشاعر الاحباط هذه والسخط الشديد من اسلوب الحكومة في ادارة قضية خالد شاهين, وتراشق الاتهامات بين السياسيين في قضية الكازينو, عاد الحراك الشعبي الى الشارع بزخم اكبر وبعنوان واحد من اربد الى معان هو مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين, عودة تعكس خيبة الامل بالحكومة ومؤسسات الدولة وبوعود الاصلاح, وترجمت مسيرات الجمعة الاخيرة ذلك بوضوح. والاخطر ان الشعور بالمرارة دفع بالبعض الى رفع سقف شعاراتهم لمستويات غير مسبوقة تنذر بخطر كبير.
يخطىء من يظن ان الحديث بسقف مرتفع عن الفساد يقتصر على بضعة مئات يتظاهرون في محافظات الجنوب او عدد محدود من المواقع الالكترونية, لقد بات الموضوع الدائم على اجندة المواطنين في كل المناسبات التي يجتمعون فيها.
فما الجدوى اذا من تغليظ العقوبات او اغلاق المواقع الاخبارية "المشاكسة"?
الطريق الاسهل لتبديد الاشاعات وكسب قلوب الناس وعقولهم هي الاستمرار دون كلل في محاربة الفساد وبأثر رجعي ايضا.
الاصلاح بالنسبة للاردنيين يعني مكافحة الفساد اولا.0