خطاب الملك «رأس النظام» كان واضح الرسالة، فقد أعلن النظام السياسي الأردني حسمه لخيارته الإصلاحية، حيث جعلها حكرا على توصيات لجنة الحوار الوطني المتعلقة بقانوني الانتخاب والاحزاب.
الملك في خطابه تحدث عن عموميات لم تخل منها كلماته السابقة منذ تولى حكمه في 1999، فالمساواة في الحقوق والواجبات، والمواطنة، وحكومات الأغلبية النيابية السياسية ومكافحة الفساد، كلها نقاط عامة ومشرقة نتمنى جميعا الوصول إليها.
لكن ما يهمنا في الخطاب هو رسالته المرحلية وتوقيته، فالملك وداخل عمومياته التي تصلح للثناء، أعلن أن ملف الإصلاح لديه قد ختم بتفصيلات ما جادت به لجنة الحوار التي سماها توافقية وهذه هي الرسالة.
أما توقيت الخطاب فقد كان هاما، حيث جاء بعد يوم من خروج أعداد كبيرة للاحتفال بالملك، ولا يخفى على احد أن الحكومة والأجهزة بذلت جهدا كبيرا لتحقيق هذا الزخم من الحضور، وذلك ليتلوه ما تلاه.
ويقال أيضا إن الخطاب سيليه زيارة ملكية لمحافظة الطفيلة تبرّد ما سخن هناك، وتنزع عن الحراك بعض أسبابه، وبالتالي يصبح الفهم الإجرائي للخطاب أكثر ضغطا على الجميع من اجل قبوله.
طبعا ثمة تلميحات في الخطاب تحدثت عن فئة تريد احتكار شكل الإصلاح، وربما يفهم الناس من هذه العبارة أن المقصود هي المعارضة الإسلامية، ونتمنى أن يكون المقصود من ذلك قوى الشد العكسي التي لا تريد للإصلاح إلا روايتها.
النظام وبغض النظر عن نياته ومكاييله، أعلن انه يملك نسخة للإصلاح وأنها نهاية الحدث، وهذا الواقع سيفرض تحديا مختلفا على كل القوى الإصلاحية غير الراضية عن مخرجات لجنة الحوار.
هذه القوى الحزبية والشعبية تجد نفسها اليوم في زاوية شائكة، محاطة بسلطة النظام، وبمعنوية التبني الملكي لخياراته، كما أنها تقف أمام وقت ضيق وشارع مرتبك قد لا يسعفها إلا إذا أبدعت خارقا مستعجلا.
بعد كل ما جرى على ساحتنا السياسية، ننتظر من الجميع ردود أفعالهم الذكية والمناسبة، فالأهداف تبقى متحركة ومتدحرجة وسيالة، لكن الثوابت أن النظام لم يقدم إجراءات إنقاذية كافية لاحتواء الأجواء، وهنا سيعود التوتر قريبا.