اللافت هنا أن كل تلك الجهات هي ذاتها التي ظلت على مدى ثماني سنوات، هي عمر إدارة أوباما، تدفع في اتجاه تغيير الأنظمة العربية ومنح الإسلاميين الفرص للحكم، ودفعت برياح الربيع لتضرب استقرار العالم العربي لتدب فيه الفوضى، فينتهي الأمر بأن تسدد الشعوب العربية أثماناً باهظة من دون أن تحصل إلا على الدمار والفوضى. إنها الجهات التي حولت المنطقة العربية إلى كرة لهب تحرق كل من اقترب منها فاتسقت مواقفها الأخيرة مع أفعالها على مدى السنوات الماضية، إذ ارتبطت بجماعات مصالح وشخصيات «إخوانية» استطاعت اختراق إدارة أوباما بل التحكم في قراراتها، وظلت على مدى سنوات تمهد الطريق لـ «الإخوان» ليتسلقوا القطاعات الشعبية ويؤسسوا المراكز الإعلامية ويصعدوا سلالم السلطة بمزاعم ديموقراطية. المخطئ هنا من تصور أن وصول ترامب للسلطة كفيل بأن تكف هذه الجهات عن دعمها «الإخوان»، أو أن تغلق أبوابها وتبحث عن نشاط آخر فهي ما زالت تأمل بأن تهب شظايا الربيع العربي من جديد على المنطقة.
وفقاً لتقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» حول «الكارثة التي حلت بالعالم العربي»، فإن خسائر الوطن العربي بلغت 830 بليون دولار نتيجة ذلك الربيع، هذا فضلاً عن الدمار الحاصل في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسورية. والصحيفة ذاتها التي أشارت إلى مرحلة من التاريخ العربي وصفت «بعصر الانحطاط»، اعتبرت أن الانحطاط الذي يشهده الوطن العربي اليوم «غير مسبوق في التاريخ»، خصوصاً أنه «يحدث في عصر تحرز فيه الشعوب مزيداً من التقدم والارتقاء». بعدما أقرت بأن عملية تدمير الوطن العربي «ما زالت مستمرة».
العرب يحاربون العرب في اليمن ويدمرون البلاد، والعرب يحاربون العرب في سورية ويدمرون سورية، والعرب يحاربون العرب في ليبيا ويدمرون ليبيا، والعرب يحاربون العرب في العراق ويدمرون العراق. ومع أن الإرهابيين يشنون حربهم على الإنسانية باسم الإسلام، فإن 70 في المئة من ضحاياهم مسلمون.
جماعات المصالح الأميركية الداعمة «الإخوان» تتعامل معهم كأنهم جماعة أميركية وتقاتل من أجل عدم إدراج الجماعة كـ «تنظيم إرهابي» لأن الجروح العربية نازفة وملتهبة وتستعصي على الشفاء، وأي مستقبل لمجتمعات لم تعد تعتبر نفسها مجتمعات وطنية بل مكونات اجتماعية، تنقسم على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق. بالتالي، فإنها تحتفظ بالأمل في استعادة الأدوار التي لعبتها من قبل وهي تعتقد أنه طالما بقيت الصراعات في الوطن العربي وما دامت الفوضى تضرب بعض دول المنطقة فإن الفرص ما زالت سانحة أمام «الإخوان» ليفوزوا بالسلطة في هذا البلد أو ذاك وبالتالي أن تعود كل تلك الجهات الأميركية إلى واجهة الأحداث مجدداً.
عموماً، فإن المؤكد أن ترامب وإدارته ورموز حكمه لديهم مواقف صارمة ضد «الإخوان» وإذا ما صدر القرار بتصنيف الجماعة «تنظيم إرهابي» فإنه سيؤثر بكل تأكيد في أوضاع «الإخوان» في أميركا وأوروبا وخارج الوطن العربي، لكن الأهم أن «الإخوان» تمّ تصنيفهم بالفعل في مصر ودول عربية أخرى، وما القرار الأميركي المتوقع إلا خطوة مكملة.