مروة بني هذيل/
إن أحاسيس القلق والشكوك والاعتقادات المرتبطة بالتشاؤم والتفاؤل كل هذه أشياء عادية فى حياة كل منا… فمثلا التلميذ الذى يعد السلالم أثناء هبوطه أو تسلقه والذى يقذف حجرا بقدمه من المدرسة إلى المنزل وكذلك عند العودة، أو يسير خطوة على الرصيف وخطوة على الأرض وهو يعلم تفاهة هذه الأعمال ولكنه لا يستطيع التوقف عنها… كذلك فان الكثير من العادات والتقاليد يلعب فيها العامل القهرى دورا هاما… فحدوة الحصان على المنزل تمنع الحسد ويوم الجمعة ظهرا ساعة نحس، وسكب الملح على المائدة يبعث على التشاؤم… وهكذا ثم نفخ الزهر قبل لعب الطاولة، ثم الطقوس الذى يقوم بها الفرد قبل خروجه من المنزل من شرب الشاى وقراءة الجرائد، وحلق الذقن والاستحمام والإفطار بطريقه منتظمة إن اختلف عنها شعر بعدم الراحة والقلق رغم معرفته إن تغيير هذا الروتين لن يضر إطلاقا … والطالب الذى يستمر طوال الامتحان مرتديا نفس الزي الذى انهى به اليوم الأول وأجاد أثناءه الامتحان وأصبح يتشاءم من تغيير ردائه.
ولكن عندما تصبح هذه الأشياء زائدة عن الحد كان يستغرق إنسان فى غسيل اليدين ساعات وساعات … أو عمل أشياء غير ذات معنى على الإطلاق كان تقود سيارتك ساعات وساعات حول منطقة سكنك للتأكد من إن حادثة ما لم تحدث، عندئذ يقوم الأطباء بتشخيص الحالة على أنها حالة مرض الوسواس القهرى. ففى مرض الوسواس القهرى، يبدو العقل كأنه
التصق بفكره معينة أو دافع ما و أن العقل لا يريد أن يترك هذه الفكرة أو هذا الدافع. ويعتبر مرض الوسواس القهرى مرضا طبيا مرتبط بالمخ ويسبب مشاكل فى معالجة المعلومات الذى تصل المخ.
في حوار مع استشاري الامراض النفسية الدكتور خليل أبو زنّاد… طرحت مجموعة من الاسئلة المتعلقة بمرض الوسواس القهري.. بهدف تشخيص هذه الحالة ومعرفة أبعاد المرض ونتائجه وأسبابه وكيفية علاجه…
ما هو الوسواس القهري؟؟
الوسواس فكرة متسلطة ، والقهر سلوك جبري يفرض نفسه على المريض ويلازمه ولا يستطيع المريض مقاومته على الرغم من اقتناعه بعدم معقوليته وعدم فائدته ، ويشعر المريض بالقلق والتوتر إذا ما حاول استبعاد الفكرة المتسلطة أو عدم إتيان الفعل القهري ويطلق على الوسواس عصاب الحصار ، حيث أن الفكرة المتسلطة تحاصر المريض ولا يستطيع الفكاك منها .
هو مرض نفسي بامتياز لان كل علاماته وأعراضه اغلبها نفسية, ومنتشر بشدة ويستدعي الاهتمام بنفس الوقت عدم معالجته تؤدي إلى أضرار جسيمة على نفسه وعلى من حوله, أي يجب أن لا يستهان أبدا بهذا المرض ( كوسواس النظافة ) فالمرض يزيد بالإهمال وتزيد إضراره عند المريض.
ماهي علامات المرض واعراضه ؟؟
هذا المرض يأتي على شكلين.. الأول لأشياء عملية في حياتنا..مثلا: ( سيدة أغلقت أنبوبة الغاز قبل نومها .. فيبقى يأتيها وسواس يقلقها ويوهمها بأنها لم تغلق تلك الأنبوبة وبالتالي يهيئ لها بأن الغاز سيتسرب ويخنق أولادها.. وتبقى طوال الليل وهي تتأكد من إغلاقها لأنبوبة الغاز بإحكام..)
مثال آخر: ( شخص غسل يديه مره.. ثم يأتي إليه الوسواس بأنه لم يغسل يداه جيدا وانه يوجد عليها جراثيم فيذهب لتلبيه نداء الوسواس ويبقى يغسل يديه لفترات طويلة.. حتى وصلت إحدى الحالات بأن قامت مصابة بالمرض بغسل يديها مدة ساعتين متواصلتين..)
وهذا دليل بأن الوسواس مزعج ومتعب جدا للمريض نفسه..
والشكل الثاني.. يكون بالأفكار الوسواسية وتكون بانشغال ذهن المريض بمواضيع فكرية متعبه ومتوهة وتثير أفكاره وتعمل على تسلسلها مما يزيد من الإرهاق الذهني لدى المريض.. وعادة تكون هذه المواضيع دينية أو جنسية..
مثلا.. شخص يبقى يتساءل عن وجود الله عز وجل.. ويبقى يكرر السؤال وهو يعلم بانه دخل لمتاهات فكرية لكن لا يسيطر على ذهنه بل يسيطر الوسواس عليه..
هل المريض يكون مدرك لحالته المرضية ؟؟
في البداية يكون الشخص معتبر نفسه حريصاً وأنه هو الأفضل .. لكن مع مرور الوقت تتطور الحالة تدريجياً ويبدأ التساؤل لدى الشخص بأن ما يفعله ليس منطقياً وفوق المستوى المعقول ويصبح مدركا تماماً لأفعاله المبالغ بها لكن عدم قدرته على السيطرة ومقاومة لهذا الوسواس تضعه في قفص المرض النفسي ويصبح عبداً لهذه الوساوس التي تزداد بمرور الأيام مما يسوء به حالة المريض..
وهنا يجب التنويه على أهميه الإعلام والتوجيه والإرشاد بخطورة هذا المرض وبضرورة المعالجة النفسية من بدايات هذه الحالة المرضية حتى لا تتفاقم للأسوء..
وكيف تتم طرق علاج مرض الوسواس القهري؟؟
العلاج للوسواس القهري يعالج في ثلاث شقوق..
1) العلاج النفسي المعرفي… هنا يتم تعريف المريض بحالته ويضع الطبيب النفسي هذا المريض بالصورة ليكون مدرك تماماً لحالته بكل تفاصيلها وبكل ابعادها.. وهذا يعتبر علاج نفسي فدراية المريض بحالته تسهل من علاجه انطلاقاً من فهمه الجيد لهذه الحالة المرضية..
2) العلاج النفسي السلوكي.. وهي تكون متتابعة مع العلاج النفسي المعرفي ويأتي في المرحلة الثانيه من العلاج النفسي من خلال توجيه المريض لكيفية ضبط سلوكه المكرر والمبالغ به ومساعدته للتغلب على تلك الوساوس القهرية ليسيطر على المواقف وبالتالي التغلب على المرض..
3) علاج دوائي… إن مرض الوسواس القهري هو عبارة عن نقص في مادة (السيلوتونين) الموجودة في الناقلات العصبية بالمخ.. ونقصها هو الذي يعمل على تولد وساوس في ذهن الشخص .. وتؤخذ أدوية علاجيه لزيادة تركيز مادة السيلوتونين بالنسبة المطلوبة لتحقيق التوازن الفكري والسلوكي ضمن الاطار المنطقي والمعقول..
فالسيلوتونين هو المسؤول عن مرض الوسواس القهري ونقصانه هو السبب لهذا المرض..
ما علاقة الوسواس بالاكتئاب؟؟
أغلب الأمراض النفسية يشكل الاكتئاب أحد أعراضها ..
وهناك علاقتين بين الوسواس القهري والاكتئاب.. فوجود مرض الوسواس عند الشخص بدرجة كبيرة تولد لديه الاكتئاب… وبحالة اخرى فان الشخص المصاب بالاكتئاب بشكل مستقل يكون من بعض أعراض اكتئابه القلق والتوتر والوسواس.. وبهذا فالاكتئاب ملازم لجميع الامراض النفسية.
الى أي مدى تتشكل خطورة هذا المرض.. سواء على المريض نفسه او على مجتمعه المحيط؟؟
من دون شك.. فان مرض الوسواس القهري.. هو مرض متعب جداً جداً على الشخص المصاب به خاصة في حالاته المتطورة.. ومع تفاقم الوسواس يصاب المريض بالاكتئاب لدرجات عاليه توّلد لديه افكار انتحارية.. نتيجه تعبه وارهاقه الشديد من نفسه فتتساوي الحياه والموت في منظوره .. وبهذا فان مرض الوسواس القهري هو مضر ومتعب للمريض بالدرجه الاولى.. وبالمقابل فان هذا المرض قد لا يدركه المجتمع المحيط لهذا المريض لانه عوارضه نفسيه وذاتيه بشكل مركز…
الوسواس القهري..هل يعتبر من الامراض المعدية ؟؟
هو مرض معدي لكن ليس بالمعنى العلمي للعدوى..فهو مرض وراثي وقد يصاب اكثر من شخص في نفس العائله بهذا المرض.. والعدوى تكون نفسيه بشكل لا ارادي لكن بالسلوك اكثر من الافكار نتيجه العشره والاختلاط المعيشي الكبير بين افراد العائله.. فقد يصاب افراد اخرى بالعائلة بالمرض.
ما هي وبائية المرض.. من حيث العمر والجنس ومدى الانتئشار؟؟
اغلب الامراض النفسية تبدأ بسن مبكرة.. والوسواس بالذات يبدأ بعد السن 15.. ولا يفرق بين ذكر او انثى.. فالمرض يصيب الجنسين وكافه طبقات وفئات المجتمع.. وهو منتشر بشكل كبير جدا بين الناس.. ولكن الاستخفاف به او عدم الوعي باضراره او ربما بوجوده اصلا لدى البعض .. ادى الى انتشار المرض وحدوث اضرار جانبية كبيره وسلبيه جداً على هذه الفئات .. ومنها الاكتئاب..
ماذا عن علاقه مرض الوسواس القهري بالطب القضائي؟؟
ان الشخص المريض بالوسواس القهري هو شخص واعي وعاقل ومدرك تماما لكل تصرفاته وأفعاله وأقواله.. فهو محاسب أمام القضاء باعتباره شخص مسؤول وعاقل..
فالوسواس ليس كالانفصام او الهوس او الجنون الذي يأخد بها القضاء بعين الاعتبار هذه الحالات بدرجه حساسه جدا في حالة ارتكاب جرائم قضائية..فتكون في هذه الحالات القضيه مرتبطة بمرضه..
هل يمكن للمريض بالوسواس ان يجن او يفقد عقله؟؟
لا ابدا.. لا يؤدي هذا المرض الى فقدان العقل .. لان هذا المرض ليس مرض عقلي وبالتالي وجود المرض لا يفقد القوى العقلية للانسان.. بل يكون مدرك لكل افعاله واقواله.. وهذا الفرق بينه وبين المجنون الذي يفقد السيطره على عقله وعلى تفكيره بدرجه تجعله يقوم بافعال هو لا يدركها.. بهو فاقد السيطره على قواه العقلية..
وهل يعتبر هذا المرض جديد؟؟
هو مريض قديم جدا.. وذكر في كتاب الله عز وجل ( من شر الوسواس الخناس.. الذي يوسوس في صدور الناس) صدق الله العظيم…
والكثير من الناس تعتقد بان الوسواس هو الشيطان الذي يوسوس للشخص المريض.. لكن علميا فهو مرض نفسي سببه خلل في الناقلات العصبيه في مخ المريض.. وهنا نرى بعض المصابين بهذا المرض يذهبون للعرافين والدجالين لاعتقادهم بأن الحل عندهم… متجاهلين دور الطب النفسي والعلاجي بمثل هذه الحالات..
لماذا لا يتحكم مرضى الوسواس القهري في سلوكهم؟؟
ان سر علاج هذا المرض هو القدره على مقاومه الوساوس القهرية.. فالمريض فعلاً هو من لا يتحكم بافعاله ولهذا السبب هو مريض.. لكن اذا فكر قليلا وقاوم القلق والاستفزاز الفكري.. فانه تدريجيا ستخف حالته الى ان تنتهي تماما مع تكرار المقاومه والاصرار عليها..
مثلاً.. تلك الام التي تقوم طوال الليل للتأكد من اغلاقها أنبوبة الغاز.. فانها عندما تأتيها الافكار الوسواسية يتولد لديها قلق وتوتر.. وان تلبيتها لنداء وساويسها الذهنيه يؤدي الى ذهاب القلق والتوتر… وبالمقابل عدم قيامها بتكرار السلوك سيزيد من وجود القلق نتيجة العلاقة الطرديه مع تزايد الافكار الوسواسيه..
والمطلوب هو عدم القيام بالفعل.. مع التخلص من القلق.. وهذا يأتي من خلال المقاومة.. بتجاهل هذه الافكار الوسواسية المؤدية بدايةً الى تزايد القلق ومع مرور الوقت يتلاشى القلق تدريجيا وتعود الى الحاله الطبيعية للانسان… فالخلاصه هي ان المقاومه سر العلاج..
ولماذا سمي هذا المرض بالوسواس القهري؟؟
سمي وسواس نتيجه وجود افكار غير منطقيه وغير واقعيه في ذهن الانسان.. وهو قهري لانها أفكار مستفزة وقاهرة ومتعبة جداً.. فهو يجبر المريض على القيام بسلوكيات او التفكير بامور.. هو يدرك عدم منطقيتها ومعقوليتها لكنه لا يستطيع ان يسيطر على نفسه.. وبالتالي فهو وسواس قهري..