«أخجل أن أتذكر»

«أخجل أن أتذكر»
أخبار البلد -  


أنت صحافي وتبحث عن موضوع مثير. أحترم صبرك وإلحاحك. ولا أُخفي عليك أن الشيخوخة موحشة وقاسية. تتركك وحيداً مع ذكرياتك بحريرها وخناجرها. ولا أنكر أن المرء قد يجد عزاءً حين يرى قصته منشورة في صحيفة محترمة لتنام لاحقاً في كتاب. في النهاية لا يبقى من المرء، مهما كان شأنه ودوره، غير حفنة سطور. هذا إذا بقي شيء. النسيان سيّد الأجيال».

 

 

وأضاف: «فكرتُ طويلاً في الأمر. كل مذكّرات يكتبها عربي اليوم هي مجرد اعتراف بالفشل. لو نجحنا لما كان صحافي مثلك يبحث عن مذكراتنا. كانت بالتأكيد أقل إثارة. وأنا مذكراتي لن تكون أكثر من اعترافٍ بفشل العمر الذي أنفقته مدافعاً عن فكرة. واعتراف جديد بفشل القطر الذي أنتمي إليه. والأمّة المستباحة اليوم على يد المتعصّبين من أبنائها، وعلى يد الشراهات الإقليمية والدولية».

 

 

«ليس الخوف هو ما يمنعني من نشر المذكّرات. إنه الخجل. أخشى أن أواجه جيل أبنائي وجيل أحفادي. لم نترك لهم شيئاً. لا دولة صالحة للعيش. ولا مؤسسة محترمة. وصورتنا لديهم باتت مرتبطة بالتسلُّط والجشع والقهر والقتل وتبديد الموارد. صورتنا مرتبطة بالدم والسجون والتصفيات، ثم بفتح أبواب بلداننا أمام القوى التي كنا نزعم محاربتها وإحباط مخططاتها».

 

 

«لديَّ الكثير لأقوله. كنت في قلب المعارك والأحداث. أعرف الكثير عن عبدالسلام عارف وشقيقه. وأحمد حسن البكر. وصدام حسين. وعلي صالح السعدي. أعرف الكثير أيضاً عن صلاح جديد، وحافظ الأسد. كل هؤلاء عايشتُهم وعملتُ معهم. واتفقنا واختلفنا. وقبل كل هؤلاء ميشال عفلق الذي لم يكن يريد بعثاً مؤيداً للانقلابات العسكرية لكن الوقائع غلبته».

 

 

«هل تريدني أن أحكي لك عن تجربة الرفاق في العراق. عن إنجازاتهم وأخطائهم. ينكسر قلبي حين أقول كلمة العراق. عن أي عراق نتحدث؟ أين وحدته؟ وسيادته؟ وعروبته؟ بعض العراق رهينة لدى داعش والبغدادي، وبعضه الآخر يضج بالميليشيات المذهبية التي تنتظر تعليمات الجنرال قاسم سليماني. لم يعد يهمني البعث ولا صدّام. لكن تضخيم ارتكاباتهما وهي كبيرة، استُخدِم لإنهاء بلد عربي هو العراق. دعني أُسجّل للتاريخ. كان صدّام قاسياً ومتسلطاً، لكنه كان عراقياً وعربياً ولم يكن مذهبياً».

 

 

«هل تريدني أن أحكي لك عن صلاح جديد وأمين الحافظ وحافظ الأسد؟ لا علاقة لفكرة البعث بما فعلوا. هناك من صادر الحزب في بغداد ودمشق. التهم ضباط الأمن الحزب والإدارة والبلاد، ولم يبقَ فيها ما يذكّر بالوحدة والحرية والاشتراكية. تحوّل الحزب غطاءً للاستباحات في البلدين. توهّمنا أن معركتنا هي أولاً وأخيراً مع الأجنبي. وعجزنا عن بناء اقتصاد ومؤسسات تتّسع وجامعات تستحق التسمية. وحين هبّت العواصف تركنا شعوبنا عُرضةً للفتك على أيدي قوى الظلام وميليشيات الهيمنة ومشاريع اغتيال العروبة وتغيير الهوية. مَن هو صاحب القرار في بغداد اليوم؟ مَن هو صاحب القرار في دمشق اليوم؟ أهدرنا أعمارنا وأهدرنا بلداننا».

 

 

«أنا لا أنكر مسؤولية البعثين العراقي والسوري. والدليل ما يحصل في الأنبار وحلب. لكن أخطاء البعث أو ارتكاباته إن شئت لا تُبرِّر وحدها أبداً سقوط دول عربية واعدة في قبضة التكفيريين من جهة، وفي قبضة الهجوم الإيراني الواسع في الإقليم. إن عمليات التطهير والتغيير الديموغرافي الجارية تُنذر بجعل العراق الذي نعرفه مجرّد ذكرى. والأمر نفسه بالنسبة إلى سورية، ولا يغيب عن بالي لبنان واليمن».

 

 

«المشكلة ليست الماضي على رغم وطأته. المشكلة هي المستقبل الذي يبدو قاتماً. إننا نحتاج إلى فكرة جديدة. نحتاج إلى إيقاظ فكرة العروبة مجدداً. وعلى قاعدة الحرية والمؤسسات وقبول الآخر والمصالحة مع العصر. لا جدوى من الحفر في الماضي. فشلنا. واعترفنا بهذا الفشل. يجب أن تولد فكرة جديدة ليقظة العرب. لاسترجاعهم من خنادقهم المذهبية وبراثن المتعصبين. الغريب أن هناك من بات يتّهمك بالتعصّب والتخلّف إذا قلت أنا عربي وأن الأمة تستحق العيش أسوة بسائر الأمم».

 

 

«أنت تريد مذكراتي وأنا أخجل أن أتذكر. لا يحق لي الحديث عن دوري وأدوار رفاقي، وأنا أرى بغداد لم تعد بغداد ودمشق لم تعد دمشق».

 

 

للكاتبTags not available
115 9
 

 
شريط الأخبار «المركزي»: تعليمات خاصة لتعزيز إدارة مخاطر السيولة لدى البنوك فرنسا ترسل سفينة عسكرية إلى سواحل لبنان احترازيا في حال اضطرت لإجلاء رعاياها الاتحاد الأردني لشركات التأمين يهنئ البنك المركزي الأردني بفوزه بجائزة الملك عبدالله الثاني للتميز عن فئة الأداء الحكومي والشفافية لعام 2024 الصفدي يوجه لنجيب ميقاتي رسالة ملكية جادة وول ستريت تستكمل تسجيل المكاسب بعد تصريحات رئيس الفدرالي الأميركي إعلان تجنيد للذكور والإناث صادر عن مديرية الأمن العام المستشفى الميداني الأردني غزة /79 يستقبل 16 ألف مراجع الملك يرعى حفل جوائز الملك عبدالله الثاني للتميز الخارجية: لا إصابات بين الأردنيين جراء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان حزب الله: قصفنا مستعمرة "جيشر هزيف" بصلية صاروخية الحكومة تقرر تخفيض أسعار البنزين 90 و95 والديزل لشهر تشرين الأول المقبل وفاة احد المصابين بحادثة اطلاق النار داخل المصنع بالعقبة البنك الأردني الكويتي ينفذ تجربة إخلاء وهمية لمباني الإدارة العامة والفرع الرئيسي وفيلا البنكية الخاصة الخبير الشوبكي يجيب.. لماذا تتراجع أسعار النفط عالمياً رغم العدوان الصهيوني في المنطقة؟ حملة للتبرع بالدم في مستشفى الكندي إرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية حتى 18 تشرين الثاني المقبل (ارادة ملكية) الاعلام العبري: أنباء عن محاولة أسر جندي بغزة تسجيل أسهم الزيادة في رأس مال الشركة المتحدة للتأمين ليصبح 14 مليون (سهم/دينار) هيفاء وهبي تنتقد الصمت الخارجي بشأن العدوان الإسرائيلي على لبنان مشاهد لتدمير صاروخ "إسكندر" 12 عربة قطار محملة بالأسلحة والذخائر لقوات كييف