تعدّدت الروايات الإسلامية، التي تربط أحاديث النبي العربي حول قيام الساعة (أي يوم القيامة) بانحدار حياة الناس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقيمية. والحقّ أنّ ثمّة فهم خاطئ لتلك الأحاديث، تمّ تعميمه لأغراض سياسية، من قبل سلطات الحكم على مدار التاريخ الإسلامي الممتدّ، بقصد دفع الناس الى الإعراض عن شؤون حياتهم ودنياهم. فموعد يوم القيامة (قيام الساعة العظمى) هو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسألوني عن الساعة ، فإنما علمها عند الله ).
أما المراد بالساعة الوارد ذكرها في الأحاديث النبوية، نتيجة تفشّي الفساد والظواهر السيئة في مجتمع ما، فهو اقتراب ساعة أمة ما، وانقراض قرنهم وعصرهم، يؤكد ذلك قول عائشة: ( قامت عليكم ساعتكم ). باعتبار أن من يموت يدخل في حكم يوم القيامة.
ولعلّ أشهر الأحاديث في هذا السياق، هو قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): (قبل الساعة سنون خداعة، يكذب فيها الصادق ، ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ، ويؤتمن فيها الخائن ، وينطق فيها الرويبضة ) . وعن أبي هريرة ، أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال : (إن من أشراط الساعة أن يرى رعاء الشاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة يتبارون في البناء ، وأن تلد الأمة ربتها أو ربها ). وعنه أيضا قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء ) . وروى كذلك: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويظهر الجهل ، ويكثر الهرج ، قيل وما الهرج قال : القتل ) .
ومن تلك الأحاديث، التي تؤكد نفس المعنى ما يلي: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال ، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل منه صدقة ماله، وحتى يقبض العلم ، ويقترب الزمان ، وتظهر الفتن ويكثر الهرج ) قالوا : الهرج أيما يا رسول الله؟ قال : القتل القتل ). وقوله: ( لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة ، وتكون بينهما مقتلة عظيمة). وقوله: ( لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله) .
وقوله: ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) . وقوله: ( والذي بعثني بالحق لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف، والقذف، والمسخ ، قالوا : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا رأيت النساء ركبن الفروج، وكثرت القينات ، وكثرت شهادة الزور ، واستغنى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ). وقوله: ( إن من علامات الساعة أن تغرب العقول ، وتنقص الأحلام ) . وقوله: ( إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة ، وفشو التجارة . حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وشهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق، وظهور الجهل ) . وقوله: (لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريعته من أهل الأرض ، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ، ولا ينكرون منكراً ) . وقوله: ( إن من البيان لسحراً ، وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون قبورهم مساجد) .
وربما كان من باب الحكمة والحصافة فهم الساعة التي تشير اليها الاحاديث النبوية، وما يرافقها من علامات انحطاط، يراها الناس متفشية في المجتمع، على انها ساعة زوال للعصر السائد، الذي يستعيد فيه الناس تلك الاحاديث، بدوافع شيوع الظلم والفساد واختلال القيم، وغياب كلّ عناصر القوة التي يتميّز بها المجتمع المتماسك والمتقدم.