رغم ان ثورة ٢٥ يناير لم يمض عليها سوى مائة يوم ... ولم تستكمل تحقيق اهدافها وغاياتها ... الا انها نقلت مصر من دولة هامشية بحجم احدى جمهوريات الموز في امريكا الوسطى الِى قوة اقليمية فاعلة في الشرق الأوسط ما اعاد الأمور الى نصابها عندما كانت مصر اكبر قوة اقليمية في المنطقة منذ عهد الملك فاروق الى عام ١٩٦٧ عندما مني العسكر بهزيمة قاسية على ايدي الكيان الصهيوني لا زالت آثارها ماثلة للعيان ....
المشروع الاستعماري نجح في زرع الكيان الصهيوني في خاصرة الوطن العربي وجعله خندقا متقدما لمصالحه في المنطقة العربية التي تمتد على رقعة شاسعة من الارض بين المحيط والخليج ولكن تنقصها عوامل القوة واسباب المنعة كالوحدة واستغلال الموارد الطبيعية الاستغلال الأمثل وتسخيرها في خدمة الشعب العربي لتحقيق نموه وازدهاره ونهضته ...
ولم يكتف هذا المشروع بزرع الكيان الصهيوني ... وانما تعهد بحمايته ورعايته حتى اشتد عوده وفتح ترسانته العسكرية على مصاريعها امامه ليتزود بعوامل القوة وشتى انواع السلاح بما في ذلك السلاح النووي الذي حظرت الدول الغربية على العرب صناعته واقتناءه او التعامل به ليغدو الكيان الصهيوني القوة الاقليمية الوحيدة في المنطقة التي تمتلك السلاح النووي ...
ورغم وجود قوى اقليمية في المنطقة كايران ما قبل الثورة وتركيا العلمانية الا ان هاتين الدولتين لا تمتلكان السلاح النووي الذي يحتكره الكيان الصهيوني فيما عملت مصر على بناء قوتها الذاتية من جهة والعمل على تحقيق الوحدة العربية من جهة اخرى وخاصة بعد انقلاب الجيش عام ١٩٥٢ ودعم الثورات العربية ضد الاستعمار كثورة الجزائر وضد الرجعية والحكم الاستبدادي كثورة اليمن ..
وبعد ابرام معاهدة كامب ديفيد عام ١٩٧٧ انضوت مصر تحت لواء الامبراطورية الصهيونية وحولت جيشها من جيش العروبة الى مجرد حارس لحدود الكيان الصهيوني واضحت مصر قوة داعمه لاسرائيل في مواجهة المقاومة الفلسطينية ما زاد من غطرسة الكيان الصهيوني وعربدته واطلق يده في الاراضي الفلسطينية استيطانا وقمعا وتنكيلا واذلالا للشعب الفلسطيني والامعان فيه قتلا وتشريدا لا سيما بعد ضرب العراق الذي اوشك ان يصبح قوة اقليمية في المنطقة ..
الا ان التحولات التي شهدتها المنطقة وتحديدا الثورة الايرانية وتصديها للمشروعين الاستعماري والصهيوني ... والتطورات الهائلة التي شهدتها الساحة التركية وانتقالها من دولة علمانية الى دولة حديثة لها مشروعها القومي والانساني ... وانتقلت من قوة اقليمية مساندة للكيان الصهيوني الى قوة مناصرة للحق الفلسطيني ومناوئة للاطماع والمؤمرات الصهيونية ...
التغيير الاكبر في الشرق الاوسط يتمثل بثورة ٢٥ يناير في مصر التي اعادت ارض الكنانة الى انتمائها العربي وحولتها الى قوة اقليمية فاعلة في المنطقة لا يقل دورها عن الدور التركي او الايراني ان لم يزد عليهما ... فمصر الثورة رغم عدم اكتمالها استعادت زمام المبادرة في الشرق الاوسط ورفعت لواء الحرية والديمقراطية والوحدة مؤكدة التزامها بدعم الحق الفلسطيني واعادة فاخ معبر رفح ...
ثورة ٢٥ يناير اعادت بلا شك بعثرة الأوراق في المنطقة وغيرت كثيرا من خارطة القوى الاقليمية واولوياتها ... فبعد ان كانت هذه القوى داعمة للكيان الصهيوني محققة لمصالحه بدءا من مصر وانتهاء بتركيا مرورا بايران ... اضحت القوى الاقليمية كلها في مواجهة المشروع الصهيوني الذي لم يعد قادرا على خداع الآخرين !!!