يعتبر تداول مفهوم العنف الاسري والتشريعات الناظمة له في مجتمعنا الاردني حديث نسبيا مقارنة مع مدى تناول التشريعات الاردنية المحلية للمفاهيم المجتمعية ؛ وتؤثر الحالة الثقافية للاسرة في مقدارالعنف وفي تنوع اشكاله بحيث يدور العنف في دائرة فهم الافراد لمدى فرصهم وحرياتهم بمواجهة بعضهم البعض وبالتالي نجد ان فرصة نشوء العنف الاسري تزداد بازدياد تباين امكانيات افراد الاسرة الواحدة في ظل منظومة فكرية مشوهة تسود فيها سيطرة القوي. وقد تزداد درجات الاعتداء الاسري ليدخل ضمن إطار الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات الاردني الا ان ارتباط المعنَّف بالمتسبب بالعنِف ارتباطا ثقافيا واقتصاديا يجعل من سكوت المعنف والتزامه الصمت اولى خياراته ، والناظر في العنف الزواجي يجد شريحة من الزوجات المعنفات اللواتي يقابلن اعمال العنف المتزايد بالصمت والركود رغم تهديدهن بالوقوع ضحايا للقتل والتعذيب من حين لآخر في حين يعزى صمتهن لإنعدام امكانياتهن الإقتصادية والثقافية امام البيئة المجتمعية ؛ بل ونجد غالبيتهن من ضحايا الزواج المبكر اللواتي حرمن من فرص التعليم والعمل فغدون انصاف مواطنات ونساء متكلات .
اما بالنسبة لإمكانيات الدولة في إدماجهن اوابقائهن جزء فاعل من المجتمع فهي امكانيات ضعيفة يرسمها غياب برامج مستدامة قد تلبي احتياجات الضحية او تتناسب مع اعتبارهن مواطنات صالحات ، ومرد ضعف الإمكانيات على المستوى الفردي والمؤسسي هو ثقافة مجتمعية متناقضة تحمل المرأة فوق طاقتها مقابل اخضاعها للقيود الاشد .
ورغم ما ذكر فقد تجد الزوجة المعنفة نفسها تاركة منزل الزوجية لتخرج الى مجتمع يجلدها بسوط سبق الأحكام وهو انها ليست زوجة فاضلة ولا مواطنة صالحة دون الاخذ بعين الاعتبار ان صبرها على المعاناة والعنف قد تجاوز قدرتها كإنسانة ودون الاخذ بعين الاعتبار ان خروجها من المنزل جاء حماية لنفسها و/او صغارها.
وتبدأ استضافة الدولة لها في حالتين اولهمـــــا تقديمها شكوى في إدارة حماية الاسرة استنادا لكونها حالة ايذاء جسدي بليغ وفيه يتم متابعة الشكوى اداريا او قضائيا او السعي للإصلاح بحسب درجة الإعتداء وخيار السيدة المعنفة وهنا ياتي دور ادارة حماية الاسرة تكميلي مع الحاكم الاداري او القضاء او مؤسسات المجتمع المدني ودور الإيواء.
اما حالة الإستضافة الثانيـــــة للمعنفة اسريا من قبل الدولة فهي حالة من الإستضافة تشكل انتهاكا صارخا للقانون الانساني والقانون المحلي على حد سواء بحيث تنشأ هذه الحالة عندما يتقدم الزوج المعتدي بتقديم بلاغ بتغيب الزوجة المعنفة عن منزل الزوجية مدعيا انه الحارس الامين متظاهرا انه يجهل سبب تغيبها عن منزل الزوجية ؛ فيستجيب المركز الامني بفتح ملف للبلاغ والتعميم على اسم الزوجة لغاية جلبها امنيا من قبل جميع الجهات الأمنية في المملكة لغايات استكمال التحقيق ، وفي حال حضرت الزوجة للمركز الأمني بإرادتها او تم القاء القبض عليها – وكلاهما سيان ـ يبدأ توقيفها لحين حضور الزوج واستئناف التحقيق مع الطرفين ولا يتم اغلاق الملف وترك الزوجة المعنف طليقة إلا في حال رغب الزوج بذلك باعتباره مقدم الشكوى ! وقد يستمر التوقيف لايام انتظارا لحضور الزوج وقد يمتد التوقيف لسنين في حال توسعت دائرة الإتهام بمواجهتها في حال لاحت تهديدات لها بالقتل !.
للاسف تجري استجابة المركز الامني لبلاغ الزوج بتحرير المذكرات الرسمية دون الاتصال بالزوجة ودون التحقق من صحة البلاغ ودون تقصي وجود خلافات زوجية من خلال المبادرة والتواصل مع ادارة حماية الاسرة رغم ان ادارة حماية الاسرة هي الجهة الامنية ذات الصدارة والمخولة قانونا بتنظيم ملفات الخلافات الاسرية ؛ وهذا التعميم من قبل المراكز الأمنية يعطل تنفيذ نص قانوني ويعيق موظف عام عن تادية واجبه بحيث يعيق انتقال افراد الضابطة العدلية لمنزل الزوجية عند ورود بلاغات التغيب لغايات التحري والحماية ؛ وهو نص المادة التاسعة من قانون الحماية من العنف الاسري التي تلزم رجال الضابطة العدلية التحرك لمنزل الزوجية لتوقيف العنف او الاشتباه بوقوعه نتيجة البلاغ .
وهنا تقع ضحية العنف الاسري ضحية انتهاك قانوني بحيث تقيد حريتها ويتم توقيفها عدى عما يشوب إجراءات تنقيلها من بطء وضعف بالتواصل بين الجهات الامنية والإدارية المعنية مما يلحق ضرر معنوي شديد بالسيدة المعنفة والضرر الأشد تعريض اطفالها للتشرد وهم في انتظارها !
ورغم كون الزوجة ضحية عنف اسري تستوجب الإغاثة والادماج المجتمعي؛ الا ان التعامل معها يتم على انها مرتكبة للعنف ويجب الإحتفاظ بها قانونا في حين أن المتسبب بالعنف مازال سيد الموقف .
إن تقييد حرية مواطن اردني بدون سند قانوني جرم وفقا لنص المادة 8/1 من الدستور الاردني التي جاء فيها " لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون "؛ هذه صورة من صور الإنتهاك الدستوري ترتكبه مؤسسات حكومية تحدث بشكل يومي تستند في اساسها - كما يظهر - على ان مفهوم العلاقة الزوجية العبودية والسخرة لا التشاركية والعطاء ! فلو افترضنا جدلا ان الزوج ترك منزل الزوجية مخلفا وراءه اطفال جياع حرموا من متطلبات العيش فهل سيتم الاستجابة لبلاغ الزوجة واحتياجات الصغار؟ وهل ستسطر مذكرة احضار بحقه توقيفا للعنف الإقتصادي والمعنوي الذي يرتكبه بحق افراد اسرته؟.
إن بلاغ التغيب عن منزل الزوجية سوط في يد المتسبب بالعنف مسلط على المعنفات اسريا ؛ صورة من التعامل الحكومي المتمم لاعمال العنف الاسري تبتعد كل البعد عن حداثة دولتنا وعطاء مؤسساتنا وسماحة مجتمعنا .
المحامية مرام مغالســــة
ناشطة في حقوق الإنسان