في غزة، يحتفل النازحون الفلسطينيون بـ إذلال إسرائيل ، هكذا عنونت القناة 12 العبرية خبرها الرئيسي، الاثنين، بشأن بدء عودة عشرات آلاف المهجرين الفلسطينيين إلى منازلهم في شمال القطاع.
ورغم أن العودة هي إحدى الخطوات الرئيسية المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، إلا أن الكثير من الإسرائيليين لم يتمكنوا من استيعاب مشاهد العودة التي غصت بها وسائل الإعلام.
ومع الإشارة إلى الأهمية التي توليها حركة حماس لهذه العودة، برزت تشكيكات في إسرائيل بشأن فرص استئناف حرب الإبادة على غزة بعد عودة النازحين.
وبعد تلكؤ، أزال الجيش الإسرائيلي، صباح الاثنين، الحواجز التي نصبها في ممر نتساريم وسط القطاع، الذي فصل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شمال القطاع عن باقي أنحائه.
وتداول ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو لما أسموه طوفان العودة ، وسط صيحات التكبير تارة، وأهازيج ثورية فلسطينية تارة أخرى، طغت على مشهد عودة المهجرين الفلسطينيين.
ورغم أن إسرائيل حولت شمال القطاع إلى ركام جراء الإبادة والتطهير العرقي، إلا أن الفلسطينيين أعربوا عن فرحتهم بالعودة، لما تمثله تلك الديار بالنسبة لهم، حتى لو كانت أطلالا.
ويواصل عشرات آلاف الفلسطينيين التدفق إلى محافظتي غزة والشمال قادمين من محافظتي الجنوب والوسطى عبر محور نتساريم من شارعي الرشيد الساحلي للمشاة، وصلاح الدين للمركبات، حيث يسمح لها بالمرور بعد خضوعها لفحص أمني.
وأنشأ الجيش الإسرائيلي محور نتساريم مع بداية عمليته البرية على قطاع غزة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ليفصل بين شمال القطاع وجنوبه.
ومن المقرر في 22 يناير الجاري أن يكمل الجيش انسحابه حتى المنطقة العازلة قرب السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، على طول الحدود من الشمال للجنوب، حسب الاتفاق.
**دفع نحو المرحلة الثانية
في السياق، قال المحلل العسكري في موقع واي نت الإخباري الإسرائيلي رون بن يشاي، إن السبب الرئيسي وراء موافقة حماس هو رغبتها، ورغبة الجهاد الإسلامي، في التوصل إلى المرحلة الثانية من الصفقة التي تتعهد فيها إسرائيل، بضمانة أميركية، بوقف الحرب (الإبادة بغزة) تماما .
وادعى أن هذا هو الهدف النهائي الذي تسعى إليه حماس التي تخشى بشدة من تهديدات الحكومة باستئناف القتال. وبالنسبة لها، فإن كل يوم تتأخر فيه المفاوضات بشأن المرحلة الثانية يمثل خسارة خطيرة .
وبموجب الاتفاق، يفترض أن تبدأ المفاوضات حول آليات تنفيذ المرحلة الثانية في موعد أقصاه اليوم السادس عشر من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ (4 فبراير/ شباط المقبل) على أن تنتهي قبل أسبوع من انتهاء المرحلة الأولى التي تستمر 42 يوما.
وتقول وسائل إعلام إسرائيلية إن نتنياهو لا يريد المضي قدما نحو المرحلة الثانية من الاتفاق، ولذلك فإنه يتلكأ بهدف تأجيل بدء المفاوضات حول المرحلة الثانية .
وقال بن يشاي: من المفترض أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية يوم الثلاثاء المقبل، ولو أن حماس والجهاد الإسلامي استمرتا في الإصرار على إطلاق سراح أربيل يهود فقط يوم السبت المقبل، لكان الموعد النهائي قد تم تأجيله .
وأضاف: يجب أن نتذكر أن المرحلة الأولى (الإنسانية) من وجهة نظر الفصائل في غزة، تهدف فقط إلى فتح الطريق أمام الهدف الرئيسي وهو نهاية الحرب .
وتابع: عندما تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الصفقة، سيُطلب من إسرائيل تقديم إجابة على سؤال من سيحكم قطاع غزة مدنيا بدلا من حماس في اليوم التالي (للإبادة)، هذه هي المرحلة الحاسمة من الصفقة .
** حماس حققت أهدافها
وتحاول الحكومة الإسرائيلية تبرير قبولها وقف إطلاق النار، بالقول إن المسلحين الفلسطينيين لن يتمكنوا من نقل أسلحتهم من جنوب قطاع غزة إلى شماله.
ولكن مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش الإسرائيلي دورون كدوش قال، الاثنين: بموجب الاتفاق يمنع عودة المسلحين أو الأسلحة إلى شمال قطاع غزة، إلا أن العبور الذي يتم حاليا على الأقدام عبر الطريق الساحلي يتم دون أي تفتيش للعائدين من غزة .
وأضاف: كما يمكن ملاحظة ذلك في الصور، لا توجد مشكلة في تهريب الأسلحة بين الكمية الكبيرة من المعدات التي يعود بها سكان غزة إلى الشمال، وبالتالي يمكن التقدير بأن حماس ستنجح بسهولة في نقل كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة إلى شمال قطاع غزة رغم الاتفاق .
وأشار إلى أن إسرائيل لا تملك قدرة جدية على إنفاذ القانون في هذا الشأن، وحتى لو تم التعرف على رجل مسلح بين حشد من الآلاف من سكان غزة المتجهين شمالاً، فكيف سيتمكن الجيش الإسرائيلي من إيذائه ومهاجمته دون قتل العشرات من الأشخاص الآخرين من حوله؟ .
وخلص كدوش إلى القول: باختصار حماس تحصل على ما تريده هذا الصباح .
وقال: أولا، عودة السيطرة الكاملة على شمال قطاع غزة، وثانيا، ستعود منطقة شمال قطاع غزة قريباً إلى كونها منطقة يسكنها أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني بعد أن أفرغت بشكل كبير ولم يبق فيها سوى حوالي 200 ألف نسمة تقريباً .
واعتبر أن هذا سيجعل من الصعب للغاية على إسرائيل العودة إلى القتال في شمال قطاع غزة، إذا رغبت في ذلك بعد المرحلة الأولى من الاتفاق .
المراسل العسكري قال إن العودة إلى القتال في منطقة ذات كثافة سكانية عالية مثل مدينة غزة سوف تكون مهمة شبه مستحيلة بعد بضعة أسابيع .
** إذلال إسرائيل
القناة 12 العبرية، اختارت عنوانا لافتا لخبرها الرئيسي الذي حمل بين طياته صدمة كبيرة إزاء مشاهد العودة، وقالت إن النازحين الفلسطينيين يحتفلون بـ إذلال إسرائيل .
من جهته، اعتبر العقيد (احتياط) بالجيش الإسرائيلي جاك نيريا، أن تحرك الجماهير إلى شمال قطاع غزة يمثل نهاية الحرب .
ونقلت عنه القناة 7 الإسرائيلية قوله، الاثنين: لقد حسمت الحرب في غزة لصالح حماس، فهي في الميدان تدير شؤون غزة، وتبدي حيوية وسيطرة .
وقال نيريا، الباحث في معهد القدس للشؤون الخارجية والأمنية، والمسؤول الكبير السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن هدف هذه الحرب من وجهة نظر إسرائيل، وهو القضاء على حماس، لم يتحقق .
وعلى مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة الجماعية، أجبرت إسرائيل نحو 2 مليون فلسطيني على النزوح من مناطق سكنهم ومنازلهم والتوجه إلى محافظتي جنوب القطاع والوسطى، وبينهم مئات الآلاف نزحوا من غزة والشمال.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، بدأ سريان وقف لإطلاق النار وتبادل اسرى بين حركة حماس وإسرائيل، يستمر في مرحلته الأولى 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت نحو 159 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وأعرب وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير عن امتعاضه من عودة النازحين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، وانسحاب الجيش من محور "نتساريم". وقال بن غفير في قناته على "تلغرام" إن "افتتاح محور نتساريم هذا الصباح وإدخال عشرات الآلاف من سكان غزة إلى شمال قطاع غزة هما صورتان لانتصار حماس وجزء مهين آخر من الصفقة غير الشرعية".
وأضاف: "ليس هذا هو ما يبدو عليه "النصر الكامل"، بل هذا هو ما يبدو عليه الاستسلام التام. جنود الجيش الإسرائيلي الأبطال لم يقاتلوا وضحوا بحياتهم في غزة من أجل السماح بهذه الصور، يجب أن نعود إلى الحرب – وندمرهم!".
هذا وبدأت عند الساعة السابعة من صباح الاثنين، عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة وأماكن سكناهم، وذلك بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور "نتساريم"، عقب التوصل إلى تفاهمات بين حركة "حماس" وإسرائيل بشأن الإفراج عن الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود.
وسار النازحون مشيا على الأقدام انطلاقا من منطقة "تبة النويري" غرب مدينة النصيرات، مرورا بمحور "نتساريم"، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منه. وبدت علامات الفرحة والابتهاج على وجوه النازحين العائدين إلى ديارهم رغم المعاناة من الحرب.
وأعلنت حركة "حماس" أنها سلمت الوسطاء المعلومات المطلوبة عن قائمة الأسرى الذين سيُطلق سراحهم طوال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
ومن جانبه، أعلن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل و"حماس" توصلتا إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن ستة محتجزين إسرائيليين، بينهم أربيل يهود، مقابل السماح للمهجرين الفلسطينيين بالعودة إلى شمال القطاع.
واعتبرت حركة حماس، أن "عودة النازحين انتصار لشعبنا، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال، ومخططات التهجير". ولفتت إلى أن "مشاهد عودة الحشود الجماهيرية لشعبنا إلى مناطقهم التي أجبروا على النزوح منها رغم بيوتهم المدمرة، تؤكد عظمة شعبنا ورسوخه في أرضه، رغم عمق الألم والمأساة".
وأشارت الحركة إلى أن "هذه المشاهد المفعمة بفرح العودة، وحب الأرض، والتشبّث بها، هي رسالة لكل المراهنين على كسر إرادة شعبنا وتهجيره من أرضه".