لم يترك القيادي الإسلامي نمر العساف موقفاً للحركة الإسلامية، وللدقة لجماعة الإخوان المسلمين، داعماً للدولة منذ الخمسينيات إلا وذكره بحماس شديد خلال لقاء جمع نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية سعد هايل سرور الأسبوع الماضي مع الأحزاب السياسية بعد أحداث دوار الداخلية.
العساف ذكّر السرور والحضور بمواقف الإخوان في الخمسينيات عندما كانوا معادين لكل التوجهات اليسارية والقومية. وذكّره أيضاً بموقف الإخوان في أحداث السبعينيات، وتطرق لهبة نيسان، وكيف وقف الإخوان إلى جانب النظام، وكذلك في التسعينيات وأحداث الخبز. ثم تساءل: ما الذي تغير حتى تصبح الحركة الإسلامية شرارة الفتنة النائمة في الأردن؟
في لقاء استمر ثلاث ساعات مع رئيس الوزراء معروف البخيت، بحضور وزير الإعلام طاهر العدوان وعشرة كتّاب، قبل أيام، قلت بوضوح إن جماعة الإخوان المسلمين "يتكتكون"، ويلعبون سياسة أفضل بكثير من الحكومة وأجهزتها، وأحياناً أفضل من سياسة الدولة ذاتها. وأضفت أنهم يأخذونكم -والكلام موجه لرئيس الوزراء- إلى المساحة والملعب الذي يريدونه هم، ويصبحون هم اللاعبين الأساس، وأنتم تلعبون سياسة ردات الفعل، ولهذا هم يكسبون في الشارع نقاطاً على حسابكم، مع أن حجمهم الفعلي وقوة حضورهم لا يتساويان مع حجم تعاملكم معهم وطرق محاورتكم لهم.
قوة حضورهم في الشارع، وبحسب استطلاعات علمية، لا تتعدى 15 %، وظهر ذلك من خلال الانتخابات التي خاضوها في السنوات الأخيرة، وكذلك حجم إمكاناتهم في حشد المشاركين في المسيرات الاحتجاجية التي ينظمونها.
لنلاحظ شيئاً مهمّاً اعترف به بعض قادة الحركة، فقد كان قرارهم الأخير بمقاطعة الانتخابات النيابية مرتبطاً بمشاكل داخلية وتنظيمية تخصهم، مع أنهم حمّلوا القانون وزر قرارهم بالمقاطعة، رغم أن الحكومة وأطرافاً أخرى في الدولة حاورتهم إلى اللحظة الأخيرة، وبعد أن جرت الانتخابات التي أعلنوا فور انتهائها أنها لا تمثل الشارع، وأنها مزورة، وهي في بعض دوائرها كذلك، طالبوا فوراً بحل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، وركبوا موجة التغيير التي طالت دولاً عربية لهم فيها حضور متساوٍ مع حضورهم في الأردن، وأصبح شعارهم الدائم "حل البرلمان".
أخلص من هذه المقدمة الطويلة إلى النقطة المركزية التي أرى ضرورة طرحها بالصوت العالي، وهي: هل يملك برنامج الإخوان على اختلاف مشاربهم وبرنامج أي حزب ديني بند الإصلاح السياسي؟
الخياط الذي يحيك ثياب جماعة الإخوان المسلمين في العالم واحد، ولهذا فأوجه التشابه السياسية متقاربة إلى درجة الاستنساخ.
وقادة الإخوان المسلمين متفقون في كل مكان عند الانتهاء من نشاط ما على أن ينصرف أنصارهم راشدين، حتى إن هذا التعبير أصبح ملازماً لجميع خطاباتهم، وهم يؤكدونه دائماً، ويعدّونه تعبيراً عن سياساتهم ورشدهم. ولكن ما يلاحظه المراقب أن هذا الرشد يتم تجاوزه في أحيان كثيرة، وفي أكثر من ساحة عربية وإسلامية.
فمثلاً، الإخوان المسلمون عندنا يفتخرون مراراً بعلاقتهم الجذرية مع نظام الحكم، ولهذا هم دائماً يرفعون وتيرة خطابهم بأنهم يريدون أن يحاوروا رأس السلطة، متجاوزين في ذلك أن البلاد تحكم بمؤسسات، مع أنهم فقدوا في العهد الجديد قوة التأثير، ومع هذا فإن قياداتهم التاريخية لا تريد أن تعترف بذلك، وتعتقد أنها تستطيع في أي لحظة عقد صفقة ما مع الدولة، كالتي تم الترويج لها مؤخراً، والتي تقضي بحلّ البرلمان ومشاركتهم في انتخابات مبكرة.
الإخوان المسلمون الذين شاركوا في البرلمانات المنتخبة والمعينة، والمزورة أيضاً مثل انتخابات 2007، شاركوا بفعالية في حكومات وصلت نسبتهم في إحداها إلى الربع، ومعروف في الأردن أن وزارة التربية والتعليم هي من نتاج الإخوان المسلمين، بعد أن سيطروا عليها لعشرات السنين.
ولكن، ورغم كل الود مع النظام، وبعد ساعات من فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، خرج يومها رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان عزام الهنيدي بتصريح مفاده أن "الإخوان في الأردن جاهزون لتسلّم السلطة التنفيذية"، ما أثار جدلاً واسعاً وصل في النهاية إلى علاقة متوترة بين الطرفين.
وبعد انتهاء الحرب الأخيرة في غزة، وإعلان حماس انتصارها، سارع إخوان الأردن إلى محاولة جني الثمار مرة أخرى، فأعلن أحد قادتهم، ارحيل الغرايبة، مذكرة شعبية موقّعة من 100 شخصية سياسية تطالب بحكم ملكي دستوري، يصل إلى حدّ انتخاب رئيس للوزراء.