مقدمة لا بد منها
كتابي السابع عشر هذا « التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود « يصدر في سياق تفاقم حالة الصراع في العالم العربي واحتدامه بشكل عبثي ودموي، بعد انفجار ثورة الربيع العربي التي توسلت البحث عن : 1- التحرر والاستقلال، وامتلاك زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار، 2- الطمأنينة ولقمة العيش الكريم متضمنة ثلاثة مطالب أساس يفتقدها المواطن العربي هي الراتب المناسب، التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي عند التقاعد والوصول إلى الشيخوخة، و3- الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، ولذلك جاءت كتبي في سلسلة قضايا ثلاث رئيسة متداخلة، سلسلة الكتب الأردنية تحت عنوان : معاً من أجل أردن وطني ديمقراطي، وسلسلة الكتب الفلسطينية تحت عنوان : معاً من أجل فلسطين والقدس، وسلسلة الكتب العربية تحت عنوان : من أجل عالم عربي تعددي ديمقراطي موحد .
وكتابي السابع عشر هذا مرتبط بكتابين، سبق نشرهما، وهما: 1- حزب الإخوان المسلمين في الميزان، و2- الدور السياسي لحركة الإخوان المسلمين، في إطار تنظيمات وأحزاب التيار الإسلامي، تأكيداً لدورهم ومكانتهم وقيادتهم للحركة السياسية في العالم العربي، في غياب أحزاب التيار اليساري، وأحزاب التيار القومي، وأحزاب التيار الليبرالي، التي تضررت بفعل الحرب الباردة ونتائجها .
كما جاء كتابي هذا على خلفية كتابي الذي صدر العام 2013 عن ثورة الربيع العربي أدواتها وأهدافها، وحصيلتها أن الثورة ما كانت لتكون لولا توافر العامل الموضوعي المحفز للاحتجاجات والدافع لها والمتمثل بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي عن بعض البلدان العربية، وهيمنة اللون الواحد، والحزب الواحد، والعائلة الواحدة، والطائفة، والشخص الفرد المتحكم بمفرده في إدارة الدولة، في أكثر من بلد عربي، وأخيراً بسبب غياب العدالة والطمأنينة وعدم توافر الخدمات الأساس من صحة وتعليم وضمانات اجتماعية للمحتاجين .
أما العامل الذاتي في ثورة الربيع العربي، فقد اقتصر على مؤسسات المجتمع المدني بما تحمل من مفاهيم عصرية عن الديمقراطية والتعددية واحترام مشاركة المرأة في مؤسسات صنع القرار، وبما تملك هذه المؤسسات ( مؤسسات المجتمع المدني ) من علاقات مع مؤسسات أوروبية وأميركية توفر لها الحصانة والدعم المطلوبين، ولكن بسبب غياب دور الأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، فقد استثمرت أحزاب التيار الإسلامي حصيلة الربيع العربي ونتائجه كي تكون هي صاحبة القرار، سواء عبر تفاهمها مع الأميركيين، أو عبر حصولها على الأغلبية البرلمانية كما حصل في فلسطين والعراق ومصر وتونس والمغرب، أو لامتلاكها الخبرات القتالية على أثر دورها في أفغانستان، ورغبتها في التغيير الثوري الجوهري، فاحتكمت إلى وسائل العنف واستعمال السلاح لمواجهة الاحتلال الأميركي للعراق، او لإسقاط النظم القائمة في ليبيا وسوريا واليمن، وحصيلة ذلك إخفاق ثورة الربيع العربي للآن، رغم توافر العامل الموضوعي ونضوجه لقيام الثورة، تغييراً للواقع، نحو الأفضل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولكن الإخفاق الفاقع يعود لعدم نضوج العامل الذاتي، وكثرة نواقصه، وعدم اكتماله، بصفته أداة الثورة ومحركها، وطالما أن العامل الذاتي كان ناقصاً، ولم تكتمل حلقات نضوجه، فقد انعكس ذلك على ضعف أدائه وعلى نتيجة أفعاله، فغياب أحزاب التيارات الثلاثة اليسارية والقومية والليبرالية وضعفها، جعل الوضع متروكاً لقوة ونفوذ أحزاب التيار الإسلامي، التي لا تؤمن لا بالتعددية ولا بالديمقراطية، ولا تملك البرامج الاقتصادية والاجتماعية الكافية، لجعلها أداة في يد عامة الناس، وهدفاً لها كي تلتحم مع الثورة وتلتف حولها، فانطبق على المواطن العربي المثل القائل أنه مثل الشخص الذي هرب من الدلف فوقع تحت المزراب، وغدت الأنظمة السابقة بعجرها وبجرها، هي أفضل حالاً مما وقع لاحقاً، من هيمنة ونفوذ وتأثير الأحزاب الإسلامية، وقيادتها للعمل السياسي وللتغيير الثوري، مسنودة بعواصم إقليمية، فحاضنة الإخوان المسلمين تركيا وقطر، وحاضنة ولاية الفقيه الدولة الإيرانية؛ ما خلق حالة من الصراع الإقليمي والدولي المباشر في منطقتنا، وعلى أرضنا، وعلى حساب دماء شعبنا وثرواته .
إذن هذا الكتاب، ليس فلسفة معرفية، بل هو إضافة سياسية تراكمية، لوضع ثورة الربيع العربي في سياقها من أجل إنتصار الديمقراطية في العالم العربي، وتحقيق الطمأنينة بلقمة العيش الكريم بالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، وتحرير فلسطين .
هذا الكتاب يسلط الضوء على التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، أي أنه يستهدف القوى الإسلامية الأساس القيّا تأثيراً ومكانة في العالم العربي، ولا يستهدف تنظيمات إسلامية محلية في هذا البلد العربي أو ذاك، بصرف النظر عن قوتها أو ضعفها، بل هو يستهدف التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود، والتي تعمل في السياسة، ولها تأثير على صنع القرار، أو على صنع الأحداث الجارية :
1- حركة الإخوان المسلمين . 2- ولاية الفقيه الإيرانية . 3- تنظيم القاعدة . 4- تنظيم الدولة الإسلامية داعش . 5- حزب التحرير الإسلامي.
لذا أرجو أن يقدم شيئاً جديداً، للقارئ، وللمكتبة العربية، وأن ينال الاهتمام كما يستحق، وفق الجهد الذي بذل وتحقق.
حمادة فراعنة *
التناحر الأسلامي والقرار الدولي
علّق عبد العزيز أبو مصعب ، الناطق باسم العمليات العسكرية لجماعة الشباب الأسلامي في الصومال على اغتيال النائب مصطفى حاج محمد بقوله « كم مرة حذرنا الصوماليين من الأنضمام الى الحكومة الكافرة ، فليكن هذا ، درساً جيداً للأخرين « والأخرين هؤلاء هم تنظيمات اسلامية ، ولكنها لا تتفق مع جماعة الشباب الأسلامي ، في اسلوب عملها الجهادي ، وهي ترى أن التفاهم والتوصل الى اتفاق ، هو أسلم الطرق لانهاء الصراع والأنقسام الذي يجتاح الصومال منذ أكثر من عشرين عاماً ، وأدى الى فشل كل الأطراف لانهاء القتال لصالحه وفرض سيطرته الأحادية على أي جزء من أرض الصومال .
التناحر والخلاف ، بدا سمة غالبة بين الفصائل الأسلامية ، ليس فقط على أرض الصومال ، بل وفي أغلب البلدان العربية ، التي يتمتع فيها وعلى أرضها وبين مسامات شعبها ، نفوذ الأحزاب والتنظيمات الأسلامية ، سواء تلك التي تشتغل بالعمل المسلح كما هي في الصومال ، واليمن ، وسوريا ، ومن قبلهم في قطاع غزة حيث جرت سلسلة من التصفيات الجسدية لقادة التنظيمات الأسلامية المعارضة لحركة حماس ، منذ أن تولت حماس بمفردها ادارة قطاع غزة بعد الأنقلاب في حزيران 2007 ، أو تلك التي تعمل في النشاط السياسي والجماهيري ولا تملك الفرصة أو الأمكانية لممارسة نشاط مسلح على أراضي بلادها ، كما هو الوضع في تونس ومصر .
فقيم التعددية وتداول السلطة والأحتكام الى صناديق الأقتراع ، ليست من المفاهيم الدارجة أو المقبولة لدى التنظيمات الأسلامية ، وهي مرغمة على التعامل مع التعددية بعد ثورة الربيع العربي ، بحكم التفاهم الذي تم بين بعضها وبين الولايات المتحدة ، وخاصة حركة الأخوان المسلمين حيث اشترطت واشنطن على المرشد العام محمد بديع قبول مبدأ تداول السلطة عبر الأحتكام الى صناديق الأقتراع ، والرضوخ لقيم التعددية ، اذا رغبوا أن يكونوا في مواقع صنع القرار .
ومع ذلك ، وعلى أرضية التفاهم مع الأميركيين والأوروبيين ، ثمة من يحاول الخروج على هذه المفاهيم ، لأي سبب من الأسباب ، مستغلاً أن الأخر يقع في شرك أعماله المتطرفة ، فيتم ابرازها بهدف الأنقضاض عليه وخلع الشرعية عنه ، كما حصل في مظاهر الأحتجاجات ضد الأميركيين في العالم العربي ، بسبب الفيلم الأميركي المؤذي للمشاعر الأسلامية .
في تونس دعا راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الى تشديد القبضة الأمنية والتصدي بالوسائل القانونية للمجموعات السلفية الجهادية التي هاجمت السفارة الأميركية في العاصمة احتجاجاً على الفيلم الأميركي المسيء للاسلام ، وقتل خلالها أربعة محتجين وأصيب 49 مدنياً و 91 شرطياً بجروح خلال المواجهات بينهم وبين حراس السفارة .
وقال الغنوشي : « ان هؤلاء لا يمثلون خطراً على حركة النهضة فقط ، بل على الحريات العامة في البلاد وعلى أمنها ، لذلك ينبغي للجميع التصدي لهم بالوسائل القانونية وتشديد القبضة الأمنية ضدهم لأنهم يُخلون بالنظام ، ووقع استخدام سيء للحرية من طرف هذه المجموعات التي لا تؤمن بالحرية « .
وأضاف : « لما تجاوزوا القانون يوم 14/9/2012 وأرادوا أن يهددوا صورة تونس ومصالحها وقوانينها ، تصدت لهم الدولة وقتلت واعتقلت منهم « وقال : « نحن في حرب مع من يتجاوز القانون سواءاً كان اسلامياً أو علمانياً ، وقال : هؤلاء وغيرهم ، أعطتهم حركة النهضة الحرية كما أعطتها لغيرهم ، وهؤلاء سواء في عهد حكومة النهضة ، أو الحكومات السابقة ارتكبوا تجاوزات للحرية « .
الخلاف السياسي والأنشقاق ، وتصدع التحالفات الاسلامية ، والانقسام الحاد ، والتصريحات الساخنة ، والحرب الساخنة المشتعلة بين أطراف التيار الاسلامي ، لا يقتصر على المشهد التونسي بل يتعداه الى كل المواقع العربية بما فيها الحياة السياسية المصرية وخاصة بين الطرف الأول حركة الاخوان المسلمين ، وأطراف متعددة من الجماعة الاسلامية والتيار السلفي !! .
ولذلك أعلن عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة ، أنهم سيخضون الأنتخابات البرلمانية المقبلة بمفردهم بعيداً عن تحالفات انتخابية ، وأن الحكومة المقبلة في عهد الرئيس مرسي ستكون « اخوانية « بكامل أعضائها ؟! .
فالانقسامات الحادة بين حركة الاخوان المسلمين ، والجماعات الاسلامية والجبهات السلفية غدت عنواناً يومياً للتصريحات والمناكفات السياسية والصحفية ، وأن توزيع الغنائم ، كان السبب الرئيس في احداث الشرخ في التحالفات الاسلامية ، وبعد أن ارتفعت حدة الأنتقادات من جانب الجماعات الاسلامية ، تجاه سياسة الاخوان المسلمين بعد قرارات الرئيس محمد مرسي الخاصة بتشكيل مجلس حقوق الانسان والمجلس الأعلى للصحافة وتنقلات المحافظين وتعيين بعضهم من الأخوان المسلمين ، حيث اعتبرت رموز التيارات الاسلامية أن هذه السياسات تصب في اطار تهميشهم رغم وجود كفاءات عالية من بين صفوفهم يستطيعون القيام بالمهام التي تسند اليهم أسوة بقيادات الأخوان المسلمين ، مؤكدين ترشيح أسماء عديدة من جانبهم للرئيس محمد مرسي للحصول على مناصب في الدولة ولكن تم تجاهلها !! .
وقال عاصم عبد الماجد – عضو مجلس شورى الجماعة الاسلامية : « ان الاخوان المسلمين سوف يفقدون حلفاءهم في المستقبل ، ولن يجدوا حلفاء لهم سواء من الاسلاميين أو غيرهم اذا استمروا على نهجهم الاقصائي لجميع القوى السياسية والاسلامية الأخرى ، ومحاولاتهم « التكويش « على جميع المناصب ، وأن الجماعة الاسلامية لن تتعامل مع الاخوان المسلمين ، فيما يخص شؤون الدولة « .
وقد وصف ممدوح اسماعيل نائب رئيس حزب الأصالة السلفي ، قرارات الاخوان المسلمين محذراً من سقوط التجربة الاسلامية بسبب سياسة الترضية والتوافق التي يسعى الاخوان لتطبيقها بتوزيع الغنائم وبالتالي يتجاهلون من تم ترشيحهم من قبل الأطراف الأسلامية الأخرى ، واعتبرها رجوعاً لعصر الحزب الوطني المنفرد .
ومن جانبه حذر شيخ السلفية المصرية محمد سعيد رسلان ، في رسالة الى الشعب المصري من سياسة الأخوان المسلمين فقال : وما أمر « مركز الأمام الألباني « عن الناس ببعيد ، ويقصد حين هاجمت مليشيات حركة حماس الاخوانية في غزة مركز الامام الألباني وخربوه وقبضوا على من فيه !! وأضاف الشيخ السلفي رسلان « انهم يفسدون في الأرض باسم الدين ، وسيكون زواجهم بالسلطة كزواج النصارى بلا طلاق ، فهؤلاء ان تمكنوا دخلوا في مسامكم وعقولكم وخالطوا دماءكم ، وتملكوا من مفاصل السلطة في البلد بما لايمكن أن يزاح أو يزال الا باراقة أنهار من الدماء ، والمحنة في أنه من عارضهم فهو كافر ، هذا ما يروجه الأن شيوخهم ، ولكن لم يقولوا لنا ، من يعارض اقامة الشرع ؟ ما وصفه ؟ هذه هي المغالطة الكبرى ، هذا البلد الطيب يتعرض أهله المساكين لأكبر خدعة باسم الدين مرت بهذا البلد الطيب « .
ويرى المراقبون في القاهرة أن جماعة الاخوان المسلمين بدأت تشعر بحرج بالغ من المواقف المتشددة من غلاة السلفيين والتيارات الاسلامية الجهادية ، خاصة أن أية احتجاجات أو انتقادات شعبية للمتشددين الاسلاميين ، تطول جماعة الاخوان المسلمين ، وتستهدف توجهاتها السياسية وأهدافها التي تسعى لتحقيقها ، وترسيخ وجودها على قمة السلطة .
والقوى السلفية المتشددة ، ترى في سياسة الأخوان المسلمين ، على انها اذعان للادارة الأميركية ، مما يزيد من الفجوة والصراع بين أطراف التيار الواحد ذو المرجعية الأسلامية الواحدة !! .
انتصار النهضة التونسية
في تونس ، جرت الأمور والأوضاع بشكل مختلف عما جرى في باقي البلدان العربية التي اجتاحتها ثورة الربيع العربي ، فقد تراجعت حركة النهضة الاسلامية ، من موقعها الأول في البرلمان التونسي الى الموقع الثاني لصالح حركة نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي ، أحد رموز نظامي بورقيبة وزين العابدين بن علي ، وعلى الرغم من تراجع حركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي من الموقع الأول الى الموقع الثاني ، فالنتائج دالة على قوة حركة النهضة ، وأن دورها لم يكن طارئاً ، وليس استثنائياً ، ولم تهبط من السماء على الأرض ، بقوة تحالفاتها الدولية ، أو بسبب احتجاجات الحراك التونسي ضد النظام السابق ، بل بفعل حضورها وسط شعبها التونسي ومساماته الجماهيرية ، وهذا يدلل على أنها حزب ثابت ومتحرك ، ثابت بين التوانسة ومتحرك وفق المعطيات المتبدلة حصيلة تطور الأحداث ، أي أنه حزب سياسي يعتمد على الشارع وقوة انصهاره وانغماسه بين صفوف الناس ، وليس بسبب عقيدته أو مرجعيته وان كانت تساعده وتوفر له غطاء لدى بسطاء الناس وعامتهم .
نتائج الانتخابات التشريعية التونسية دلالات عميقة ، وأثار حسية ملموسة بعدة اتجاهات :
أولاً : دللت على واقعية وحُسن ادارة وعمق تفكير قيادة النهضة ، وعلى رأسهم قائدها راشد الغنوشي ، فهو لم يسع للرئاسة ، ولا لأي موقع تنفيذي سلطوي ، وكان ذلك دلالة على تفاني الرجل ، وايمانه بقضيته ، أكثر من مسعاه الشخصي لأن يكون في المواقع السلطوية النافذة الأولى ، وهو لم يكن الوحيد في ذلك ، بل قاد مدرسة في داخل مؤسسة النهضة برزت في شخصيات الوزراء ورئيس الوزراء الذين تم اختيارهم من قبل النهضة ، وأثروا الأستقالة عندما اختلفوا مع الأخرين ، ورحلوا لمصلحة الاتفاق مع الأخرين .
تنظيم النهضة ، تراجع تمثيله في البرلمان ، ولكنه كسب دوراً وتاريخاً ومكانة من الصعوبة أن يفقدها التنظيم طالما بقيت ادارته بهذا المستوى من التفاني والواقعية التي يتحلون بها ، وهو مكسب ليس فقط للشعب التونسي ، بل وسيشكل نموذجاً يُحتذى في العالم العربي ، بدلاً من التجارب المريرة الدموية التي قادها الاخوان المسلمون في فلسطين عبر انقلاب حماس على الشرعية واختطاف قطاع غزة منذ عام 2007 وتدميره وخنقه بالأحادية واللون الواحد وادعاء التمثيل السماوي ، والسماء بريئة من التسلط والأفعال الدموية ، وكذلك ما حصل في مصر أيضاً في عمليات استئثار الاخوان المسلمين واقصاء الأخرين ، وما فعلته القاعدة ، ومن بعدها تنظيم الدولة الاسلامية داعش في سوريا والعراق واليمن ومصر ومن قبلهم في الصومال والجزائر وصولاً نحو المغرب ، ولم تسلم العربية السعودية من أفعالهم ، وما فعله تنظيم ولاية الفقيه في ايران ولبنان والعراق وما يفعله الأن في اليمن تحت يافطة أنصار الله والحوثيين ، ومحاولة السيطرة الأحادية وصراعه مع القاعدة وضد حركة الاخوان المسلمين وحزبها الاصلاح .
انتصرت النهضة رغم خسارتها للموقع الأول ، ولكنها دللت على أنها تحترم نتائج صناديق الاقتراع وتقبل بقيم تداول السلطة ، وهذا ما يُسجل لها ، كما يُسجل للتوانسة أنهم لا يوقعون على بياض لأي حزب مهما ادعى بالعقيدة أو بالتمايز عن الأحزاب الأخرى ، فالنهضة حزب سياسي مثله مثل الأخرين .
ثانياً : يؤكد انتصار حزب نداء تونس ، وهو حزب حديث النشأة ، ولكنه عميق التكوين منذ أيام بورقبية ومروراً بعهد زين العابدين بن علي ، أن الذين عملوا مع العهدين السابقين لم يكونوا شياطين وحسب ، بل ناساً يحتكمون لصناديق الاقتراع ، وينحاز لهم شعبهم مما يدلل على قدراتهم وتملكهم لخبرات ادارية وتاريخ مهني ، دفعت التونسيين للانحياز لهم لسببين :
أولاً : لنظافة ماضيهم المهني .
وثانياً : رغبة من قبل الأغلبية التونسية في مواصلة خيار النظام المدني والديمقراطي والتعددي ، بعيداً عن الأحادية وادعاء امتلاك الحقيقة أو احتكار الدين وجعله مظلة للوصول الى سلطة اتخاذ القرار .
انتصار رموز العهدين السابقين ، يدلل على فشل تجارب العراق ومصر وليبيا في حرمان رموز العهود السابقة من حق العمل السياسي ، فالحرمان قرار تعسفي ورؤية أحادية اقصائية مرفوضة وها هو البرلمان الليبي يتراجع عن قرار الأقصاء ، كما تجري محاولات عراقية للتراجع عن قرار اقصاء البعثيين ، طالما أن رموز العهد السابق لم يتورطوا في أي عمل فاسد ، فالفاسد يجب تقديمه للمحاكمة ، كشخص ارتكب فعل الفساد سواء في عهد نظام ديكتاتوري أو نظام ديقراطي ، وبالتالي حرمان شخصه فقط من تولي أي مهام جديدة ، اذا أدانته محكمة عادلة .
ثالثاً : غياب أحزاب أخرى عن النتائج الملموسة ، يدلل على أنها طارئة ، وليست عميقة الجذور وسط مسامات شعبها ، فالحراك التونسي ولّد أحزاباً أو شخصيات صعدت على سطح المشهد السياسي التونسي ولكنها تلاشت في أول اختبار ديمقراطي صنعته نتائج صناديق الاقتراع ، وهذا يعكس ديناميكية الشعب التونسي الذي يستفيد من تجارب أوروبا القريبة منه ، ومن تجارب توانسة عاشوا في أوروبا وعادوا الى تونس وبعضهم ما زال في أوروبا ، ولم يفقد صلته بوطنه الأم ، مع أنه وصل الى مواقع برلمانية وحزبية وبلدية في العديد من البلدان الأوروبية المختلفة ، ولمن صلته بوطنه الأم ، أكسبت مواطنيه التعلم وتبادل المعرفة والتأثير المشترك الذي ترك بصمات له على أحداث المشهد التونسي .
الموقف والقرار الدولي
لم يكن مفاجئاً ، الهجوم والضربات الجوية المركزة التي قام بها التحالف الدولي يوم 23/أيلول 2014 ضد داعش والقاعدة ، في كل من سوريا والعراق ، فقد سبق ذلك سلسلة من الهجمات الأميركية على مواقع التنظيمين ، تجاوزت 150 ضربة جوية ناجحة ، منعت كل من داعش والقاعدة من التمدد باتجاه اقليم كردستان العراق ، وقد أعلن الرئيس الأميركي في خطابه يوم 11 سبتمبر 2014 ، بمناسبة هجمات القاعدة سنة 2001 ، أن أميركا ستقود تحالفاً عريضاً ضد داعش والقاعدة وقال : « سوف نقوم بالحط من قدرات داعش ، وفي نهاية المطاف تدميرها ، من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الارهاب « كتلك التي نفذتها واشنطن في اليمن والصومال ، بدون التدخل العسكري على الأرض وفي الميدان ، وانما من خلال مجموعة من العوامل ، ذكرها الرئيس أوباما كما يلي :
أولاً : سنقوم بحملة منظمة من الضربات الجوية ضد هؤلاء الارهابيين .
ثانياً : سنزيد دعمنا للقوات العراقية التي تقاتل هؤلاء الارهابيين في الميدان ، مع رفع مساعداتنا العسكرية للمعارضة السورية .
ثالثاً : سنواصل الاعتماد على قدراتنا الهائلة لمكافحة الارهاب منعاً لهجمات داعش ، وبالعمل مع شركائنا سنضاعف جهودنا لمنع مصادر تمويله ، وتحسين عمل الاستخبارات ، وتعزيز دفاعاتنا ، والتصدي لعقيدتها المشوهة ، وضبط تدفق المقاتلين الأجانب الى الشرق الأوسط ومنه .
رابعاً : سنواصل توفير مساعدات انسانية للمدنيين الأبرياء المتضررين من الارهاب ، والذين شردتهم داعش والقاعدة .
وفي 12 أيلول بعد خطاب الرئيس الأميركي ، التقى وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الستة مع وزراء مصر والعراق والأردن ولبنان وأميركا وتركيا ، في جدة السعودية وأكدوا تصميمهم على « تعزيز دعمهم للحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العبادي ، في سعيها لتوحيد كافة شرائح الشعب العراقي لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق « كما ناقشوا « استراتيجية القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية في كل مكان سواء في العراق أو في سوريا « واتفقوا على اسهام كل دولة في الاستراتيجية الشاملة لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بما تشمل : 1- منع تدفق المقاتلين الأجانب من دول الجوار ، 2- وقف تدفق الأموال لتنظيم داعش وللتنظيمات المتطرفة الأخرى ، 3- رفض أيديولوجية الكراهية لدى تلك الجماعات داعش والقاعدة وغيرهما ، 4- محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الفظائع ، 5- وضع نهاية لتهربهم من القانون ، 6- الأسهام في جهود الأغاثة الانسانية ، 7- مساعدة المناطق السكنية التي تعرضت لفظائع داعش وغيرها ، 8- اعادة الاعمار والتأهيل ، 9- دعم الدول التي تواجه التهديد الأكبر من تنظيم الدولة الاسلامية ، 10- المشاركة في العمل العسكري المنسق ضد تنظيم الدولة الاسلامية .
وفي 16 أيلول سبتمبر 2014 ، دعا كل من رئيس جمهورية فرنسا ، ورئيس جمهورية العراق ، عبر دعوة مشتركة في باريس ، لعقد مؤتمر دولي أُطلق عليه « مؤتمر باريس حول الأمن والسلام في العراق « وحضرته كل من :
ألمانيا والسعودية والبحرين وبلجيكا وكندا والصين والدانمرك ومصر والامارات العربية واسبانيا والولايات المتحدة وفرنسا والعراق وايطاليا واليابان والأردن والكويت ولبنان وعُمان وهولندا وقطر والنرويج والجمهورية التشيكية والمملكة المتحدة وروسيا وتركيا وجامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ، وفي بيان من عشرة نقاط ، لخص المجتمعون ، الذين يمثلون ستة وعشرين دولة ، وثلاثة منظمات دولية ، موقفهم في دعم العراق ومحاربة تنظيم الدولة الاسلامية ، وتطبيق الالتزامات المتخذة ومتابعتها ، لا سيما في اطار الأمم المتحدة ، هذا وقد توجت هذه الجهود ، بعقد جلسة لمجلس الأمن ، برئاسة الرئيس الأميركي أوباما ، حضرها عدد من رؤساء الدول ووزراء خارجية الدول الأعضاء في المجلس ، سواء الدائمون الخمسة ، أو من المتغيرين العشرة كل سنتين ، وأصدر المجلس قرار ملزماً وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يوم 24/9/2014 تضمن محاربة تنظيم الدولة الاسلامية والمنظمات الارهابية الأخرى ووضع العراقيل في مواجهة نشاطها وتمددها والعمل على تقليص نفوذها وانحسارها .
وقد سبق لمجلس الأمن أن أصدر قراراً يوم 14/8/2014 ، أعدته بريطانيا يتضمن 17 نقطة تفصيلية تهدف الى ادانة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام « داعش « المنشقة عن تنظيم القاعدة ، واعتباره كياناً مدرجاً على قائمة العقوبات مثله في ذلك مثل تنظيم القاعدة ، وفي هذا الصدد يعرب عن استعداده للنظر في ادراج الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات التي تقدم الدعم لداعش في نظام قائمة العقوبات ، بما في ذلك أولئك الذين يعملون من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والانترنت والاعلام الاجتماعي، لصالح تنظيم داعش ، واذ يكرر ادانته للدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات الأخرى المرتبطة مع تنظيم القاعدة في شن أعمال ارهابية اجرامية متواصلة ومتعددة تهدف الى التسبب في وفاة الأبرياء المدنيين وغيرهم من الضحايا وتدمير الممتلكات وتقويض الاستقرار بشكل كبير. ويشير الى أن متطلبات تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة في الفقرة 1 من القرار 2161 (2014) تنطبق على داعش وعلى جبهة النصرة ، وعلى جميع الأفراد الآخرين والجماعات والمؤسسات، والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة .