ليس من دم يمتزج تاريخياً كدم الاردنيين والفلسطينيين،فلا التاريخ ولاالجغرافيا،يسمحان بالانسحاب من وحدة الدم،وحين كان الاردني يذهب لتقديس حجه بعد العودة من مكة الى القدس،كان يعلن ايضاً ان مابين الناس عبادة من العبادات.
تقديس الحج يقول ايضاً ان فلسطين جزء من عقيدة الاردني الدينية والسياسية والاجتماعية،وليس بعدها الا نبوءة التحرير لارض مقدسة محتلة،لاتتحقق الا عبر هذه الارض المقدسة ايضاً فيكون كل اهلها زاد التحرير ورجاله،بترتيب رباني وقرار سماوي.
بين يدي قصص كثيرة لشهداء الاردن على ارض فلسطين،والاردنيون وحدهم بين العرب والمسلمين،يتفردون بعدد الشهداء من ابناء العشائر الكريمة،لتبقى قصة الاردنيين والفلسطينيين ُمعمّدة بالدم،عبرالتاريخ،وهذا قدرهما،قبل ان يكون قراراً لاحد.
في قرية «رنتيس» غرب «رام الله»،تلك القرية الحدودية،التي لا يفصلها عن مدينة اللد المحتلة سوى بضعة كيلومترات يرقد الشهيد البطل الملازم الأردني،عبد الله فلاح السردية،ابن البادية، بطل معركة «قولية» الشهيرة إحدى القرى الفلسطينية المدمرة والذي استشهد بعد أن ألحق هزيمة كبرى بجيش الاحتلال وقتل القائد الاسرائيلي في تلك المعركة.
كان ذلك يوم السابع من حزيران عام 48 ليرتقي إلى العلا،ويوارى الثرى في قرية «رنتيس» المجاورة،وما زال ضريحه شاهداً إلى يومنا هذا،على بطولة نادرة وفريدة.
يقول الحاج السبعيني عبد الكريم غنام أحد سكان القرية،إن الشهيد السردية،كان رجلا ومقاتلا شجاعاً،وشارك حتى في محاربة الانتداب البريطاني،وكان يتخذ من قرى المنطقة المحاذية لما يسمى»الخط الأخضر»موقعاً لعملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايته،إلى أن استشهد في معركة «قولية»،وقتل احد عشر جندياً إسرائيلياً، بينهم قائد جيش الاحتلال في تلك المعركة.
ويصف غنام تلك الحادثة فيقول «القائد عبد الله فلاح السردية، قاتل بكل ما يملك من سلاح وذخيرة،قبل أن يتعانق وجهاً لوجه مع قائد جيش الاحتلال ويفجر ما بجعبته من قنابل يدوية،ليرديه قتيلا،قبل أن يرتفع إلى السماء شهيدا».
هي علاقة غير قابلة للتحليل التاريخي او الاجتماعي او السياسي،وفي قصة شهيد آخر من عشيرة كريمة،عبرة كبيرة،فقد بقي جسد شهيد اردني كماهولتسع سنوات ولم يتحلل وبقيت ثيابه كما هي ولم تتغير.
في 22/5/1948 استشهد سبعة وثلاثون شهيداً من الجيش الاردني من بينهم الرقيب «سند ناصر اخو صحينه الهقيش» حيث دفن في المنطقة الغربية الجنوبية من حي الشيخ جراح وعثر عليه بعد تسع سنوات من استشهاده ولم يتحلل جسمه او ملابسه وجرت له مراسم دفن رسمية عام 1957بحضور أئمة المسجد الأقصى ورجال الدين وضريحه في القدس.
علاقة الاردنيين والفلسطينيين،علاقة لافكاك منها ولافرار،بفعل التاريخ والماضي والحاضر،ولان المستقبل لايرتسم الا عبر الارض المقدسة على ضفتي النهر،وبهذا المعنى فإن القدر هو من يقرر،قبل الاهواء والامزجة،والظن والعبث ايضاً.
ان كان من اصحاب لفلسطين وُملاك لارضها ومقدسها،مع الفلسطينيين،فهم الاردنيون حصراً وتحديداً،قبل بقية العرب والمسلمين،وقد نذرهما الله،معاً،ليوم عظيم،آت لاشك فيه،فلا يليق ببعضنا ان يعاند القدر ويتحدى ارادة الله.
صدق الله العظيم في قوله «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا»،وفي قول الله تحديد لصفة رفاق محمد واصحابه،شرط واشتراط،وعلى كل واحد فينا ان يختار دوماً صحبته او عدم صحبته.
علاقة موقّعة بالدم في الارض والسماء،لاجل المسجد الاقصى،اصلب بكثير من ظن البعض ان المقامرة بها،امر سهل او ممكن.