حينما تغيّبُ الحقيقةُ أو تطمس عند عمد لا يصبح أمام الخيال إلا التهويمات والفرضيات وتضخيم الأشياء، وقراءة خيالاتها على صفحات الجدران. فالطبيعة لا تقبل الفراغ أبداً. فإذا لم يكن هناك حقيقة (ستتفرعن) الكذبات، ويطغى الهرجُ والمرج.
حتى هذه اللحظة فإن كمية الذهب المنتشلة من هرقلة عجلون (والاسم مأخوذ من الأمبراطور البيزنطي هرقل عاش في القرن السابع الميلادي) تتزايد على ألسن الناس بما لا يهضمه العقل الراجح. وقد رصدت كيف أخذت الكميات بالتنامي السرطاني من بضعة تماثيل مساء الخميس، حتى وصلت إلى صناديق تنوء بحملها الشاحنات مساء الجمعة الماضي.
المواطن يشعر بالغبن والخسارة وبالمهانة أحياناً،لأنه تم استغباؤه وتجاهله وتهميشه، والضحك على ذقنه، وأكل حلاوة منفوشة بعقله. لماذا هذا التعتيم في زمن الإنفتاح؟!. لماذا لا يكون الناس شركاء الحقيقة. كي لا نصنع منهم أصدقاء للأكاذيب.
نريد من يحترم مشاعرنا وعقولنا. ويكشف عن تفاصيل ما حدث بالصورة والصوت.
أعرف أن البحث عن الذهب هو وسيلة (العجزان) الذي لا يستطيع أصنع الذهب في منجمه الخاص، ولا يابه بعمارة الأرض وجعلها تدر ذهباً ولؤلؤا وياقوتا ولبناً. ولكان الأمر علاوة على هذه الإشارة الخطرة، يجعلنا نقدر كيف أننا بقينا نراوح مكاننا، وقد سبقتنا الأمم التي تفتش عن (السبب قبل الذهب).
الذهب لا يخطفُ الأبصار، بل يفاقم الحكايات ويجعل لها أجنحة تطير. وهذا يذكرنا بكذبة جحا حين أسر لزوجته بأنه باض بيضة، فهمست الخبر بأذن جارتها؛ لينتشر بعدها في القرية، حتى وصل القاضي الذي استدعى جحا وسأله عن أمر ( المئة بيضة) التي باضها. فضحك جحا قائلاً: بالله عليك يا سيدي كم هو العدد الحقيقي الذي وصلك. فابتسم وقال: تسعة وتسعين.
كلنا يعرف كيف يفعل المخيال الشعبي بحكايات (اللقيا) والدفائن، وقصصها التي يزخر بها موروثنا الشعبي, وكلنا يعلم كيف تتزايد لتصبح مثل حكاية (إبريق الزيت).
الناس أحياناً تبحث عما يدغدغ عواطفها وأمانيها. ولا يوجد حديث يسيل اللعاب مثل أحاديث الذهب والكنوز.
عجلون كنز ذهبي مغيب. لدينا كنز في الغابات التي بدأنا بجزها، ولدينا أراض يمكنها أن تصنع الذهب، ولدينا طاقات شبابية معطلة. هذه سلاسل ذهبية يمكنها أن ترفع الأمم. لا أن تقيدها بخيالات الوهم.
ramzi972@hotmail.com