*
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ،الحمد الذي عَزَّ جَاهُهُ،وجَلَّ ثناؤُهُ،وتقدَّسَتْ أسماؤُهُ، الحمد لله الذي مَنْ توكَّلَ عليهِ كفَاهُ،ومَنْ لجأَ إليهِ آوَاهُ،ومَنْ سأَلَهُ أعطَاهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ وصفيُّهُ وخليلُهُ.صلِّي اللهم وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيِّدِنَا محمَّدٍ عبدك وعلى آله وأصحابه أهل الشيم والكرم.
يقول تعالى في محكم التنزيل:(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً).وفي الحديث القدسي يقول تعالى:يا عبادي،إني حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلتُه بينكم محرّمًا فلا تظالموا.وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:اتقوا الظلم ؛فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. فلقد حذّر الله من الظلم ،فقال في الحديث القدسي:يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلتُه بينكم محرّمًا فلا تظالموا.لأن الظلم ذنب عظيم،وإثم مرتعه وخيم،هو سبب الفساد والفتن،والعقاب والمحن،وزوال الأمن والاستقرار من المجتمعات الظلم منبع الرذائل والموبقات،ومصدر الشرور والسيئات،متى فشا وانتشر في أمة أذن الله بأفولها وزوالها ونهايتها،فبه تفسد البلدان والديار،وبه تدمر الأوطان،وبه ينزل غضب الجبار،قال الله الواحد القهار (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً).فان جميع الأمم الظالمة القاهرة، الغابرة السابقة قد زالت بسبب ظلمها؟فأين هم الآن،أين ذهب هؤلاء جميعا.لقد نزلت بهم الفواجع ،وحلّت بهم المواجع بسبب ظلمهم لأنفسهم ولغيرهم،فمهما بلغت قوّةُ الظالم،وضعفُ المظلوم،فإنَّ الظالم مقهور مخذول لا شك في ذلك، فدعوة المظلوم يرفعها الحيّ القيوم ،فوق عنان الغيوم،فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:إنَّ اللهَ لَيُملي للظالم،حتىٰ إذا أخذَه لم يُفلِتْه ثم قرأ:(وكذلكَ أخذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ القُرَى وهي ظالمة إنَّ أخذَهُ أليمٌ شديد) .فاحذروا الظلم فان النار هي موعد من ظلم وطغى في الآخرة والخزي والعار له في الدنيا،قال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ).فلا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً،فالظلم ترجع عقباه إلى الندم،تنام عينك والمظلوم منتبه،يدعو عليك وعين الله لم تنم. فيا أيها الجلساء والإخلاء،الذين اجتمعوا في ليال ظلماء،يحيكون المكائد،وينصبون المصائد، يخططون للظلم،ويعملون للجرم. فاحذروا أن ينطبق عليكم قوله عز وجل:(وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ).فلنتقي الله ونكف عن ظلمِنا،كفّوا عن عصيانكم وطغيانكم ،من قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له من الله،وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ.فيا من زلَّت قدمه بظلم أخيه في الدنيا،بادر إليه،واطلب منه أن يسامحَك،وتحلَّل من مظلَمَتك في الدنيا، واستبرئ ذمَّتَك في الدنيا قبل الآخرة،اذكُر عندَ الظلم عدلَ الله فيك، وعند القوّة قدرةَ الله عليك .فإن الظلم مَرْتَعُهُ وَخِيم وشؤمه جسيم وعاقبته أليمة،وقد توعّد الله أهله بالعذاب والنكال الشديد،فقال تعالى:(وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا).والله انه لوعيد من الله تنخلع له القلوب الحية،وتقشعرّ له الجلود المؤمنة، وكفى به زاجرًا عن الظلم أو الإعانة عليه.فاعلموا أن الله سبحانه وتعالى نهى عن الظلم بجميع صوره،وأمر برفع الظلم عن المظلومين،فإذا تركنا الظالم على ظلمه،فقد خالفنا ما جاءت به الله ورسوله،ونحن مهدّدون بعقوبة عامة،وفتنة طامة، قال صلى الله عليه وسلم:إن الناس إذا رأوا الظالم،فلم يأخذوا على يديه أي يمنعوه عن ظلمه،أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه،وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصرة المظلوم ،فانصروه وإلا فقد حق عليكم العقاب، (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).فيأيها الظالم:إذا كنت قادراً على الظلم،والتعدي على المظلوم،فتذكر قول الجبار: (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ). فاحذر أيها الظالم من التمادي في الظلم والطغيان، فعاقبة ذلك نيران،وحميم وقَطِرَان في الآخرة وخزي في الحياة الدنيا،قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).وأيها المظلوم:تمسك بحبل الله العظيم،وتذكر دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام ،عندما قال حسبنا الله ونعم الوكيل،وأكثر من قولها فان الله لن لا يغفل ولو لحظة واحدة عن إنصافك فكن على يقين من ذلك. فاحذروا مظالم العباد،وتحللوها فيما بينكم واتقوا ظلم بعضكم لبعض في دم أو مال أو عرض أو حق من الحقوق، فإن الله تبارك وتعالى قائم على كل نفس بما كسبت،ويجزيها يوم القيامة بما عملت.يقرأ الإنسان كتابه ويقال له: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً).(رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). فاللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا بلدا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وجنبنا فيه الظلم والظالمين،نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحسن خاتمتنا في الأمور كلها،وأن يصلح نيَّاتنا وذرياتنا ،ونسأل الله تعالى أن يسلمنا في ديننا وأنفسنا وأعمالنا.
جامعة العلوم الإسلامية العالمية
كلية الشيخ نوح القضاة للشريعة والقانون