رغم قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات قاسية على القذافي واحالة ملفه الى المحكمة الجنائية الدولية ما يتيح المجال للتدخل العسكري في ليبيا لا سيما وان القرار جاء بموجب الفصل السابع الذي يسمح بهذا التدخل ... الا اننا آثرنا الكتابة عن تونس التي تشهد ثورة شعبية منذ منتصف شهر ديسمبر «كانون الأول» من العام الماضي لم ينطفئ لهيبها ... بل ربما ازدادت نيرانها اشتعالا ولظى مع استقالة الوزير الأول محمد الغنوشي وتكليف باجي قائد السبسي بتشكيل حكومة جديدة ...
تونس التي تعيش على وقع المظاهرات والمسيرات واعمال الشغب والنهب والسلب والاعتداء على اموال الناس وممتلكاتهم والحرائق والتخريب منذ نحو ثلاثة اشهر ... بحاجة الى الهدوء والاستقرار والأمن لتحقيق اهداف الثورة جميعها وفي مقدمتها اقامة نظام ديمقراطي برلماني يقوم على التعددية السياسية وضمان حقوق الانسان على انقاض دولة الحزب الواحد التي ترتكز على الدكتاتورية وعبادة الشخصية والشللية والمحسوبية وتنفيع الاقارب والاصهار ...
فمنذ شهرين ونصف والاحتجاجات والمسيرات والتظاهرات مستمرة في كافة المدن التونسية مطالبة بالقطع مع الماضي ... ورغم ان الثورة حققت العديد من المطالب وفي مقدمتها رحيل الرئيس المخلوع والسماح بترخيص الاحزاب السياسية لا سيما المحظورة واطلاق سراح سجناء الرأي وعودة المبعدين السياسيين من الخارج والاعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية من المقرر اجراؤها في منتصف شهر يوليو «تموز» المقبل كما اعلن ذلك الوزير الأول محمد الغنوشي لدى اعلان استقالته ... الا ان الشعب الذي قدم الدماء رخيصة من اجل ان تحيا تونس حرة ويعيش ابناؤها بكرامة حرص على القطع مع الماضي وفي مقدمة ذلك عزل رموزه وفي مقدمتهم الغنوشي الذي استجاب للضغط الشعبي الهائل واعلن استقالته أمس الأول ...
والسؤال المطروح الآن: هل استقالة الغنوشي تنهي المشكلة وتضع حدا للمسيرات التي تشهدها تونس علاوة على اعمال الشغب والعبث والخروج على القانون والسلب والنهب والحرائق واخرها ما شهدته مدينة القصرين ... لا سيما ونحن لا نعلم شيئا عن الوزير الأول المكلف باجي قائد السبسي سوى انه كان وزيرا في عهد بورقيبة ... وهل سيكون السبسي قادرا على النهوض باعباء المرحلة الانتقالية التي تسبق الانتخابات ...
ثمة متغيرات دولية واقليمية جديدة ضاعفت اعباء تونس بعد اندلاع الثورة الليبية حيث شهدت تونس تدفق مئات الآلاف من العمال من ليبيا في طريق عودتهم الى بلدانهم ما يرتب التزامات جديدة بايواء هؤلاء وتأمين الطعام والعلاج لهم لحين عودتهم الى بلدانهم ...
الشعب التونسي الذي عرف على الدوام بكرمه وسخائه واستعداده للتضحية من اجل اشقائه العرب لم يدخر جهدا في استقبال العائدين من ليبيا وتجهيز المعسكرات اللازمة لايوائهم رغم شح الامكانات لا سيما وان تونس استقبلت ايضا نحو مائة من ابنائها العائدين من ليبيا ...
على المجتمع الدولي والمنظمات المعنية باللاجئين وحقوق الانسان تقديم مساعدات عاجلة للسلطات التونسية لتمكينها من اعالة العرب والافارقة العائدين من ليبيا وتقديم كافة الخدمات اللازمة لهم لحين عودتهم سيما وان الغالبية الساحقة منهم من المصريين الذين تعيش بلادهم ظروفا مماثلة للظروف التي تمر بها تونس !!!
تونس لم تضمد جراحها بعد ولم تكفكف دموعها على المئات من الشهداء الذين قضوا دفاعا عن الديمقراطية والحرية من اجل اقامة وطن ديمقراطي يحتذى به ...
وبالتالي فهي بأمس الحاجة الى المساعدات الدولية في المجال الانساني لايواء القادمين من ليبيا ... سيما وان تونس تقوم بواجبها الانساني في ارسال الوفود الطبية لعلاج جرحى الصدامات الدامية بين قوات القذافي والمتظاهرين من ابناء شعبه ...
واذا ادركنا ان نظام بن علي قد افرغ خزائن تونس من الذهب والمجوهرات والاموال الصعبة ونهب خزائها وثرواتها ... فاننا نعلم مدى حاجة تونس للمساعدات الدولية لتمكينها من اداء مهامها وطنيا واقليميا وانسانيا !!