فاز الرئيس دكتور بشار الأسد بولاية جديدة وفق دستور الجمهورية العربية السورية الجديد، وحتى التقارير كلّها التي كانت تصدر حتى عن جهات معادية للدولة الوطنية السورية على مدى ثلاث سنوات ونيف كانت تقول باستمرار إنه لو أجريت الانتخابات «الآن» فإن الأسد سيفوز فيها بنسبة كبيرة. وازدادت احتمالات هذا الفوز لأسباب عديدة، منها تكشّف حقيقة ما كان يقال عن «سلمية» المعارضة واتضاح ارتباطها بالخارج الرجعي الظلامي التكفيري العنصري الطائفي المذهبي، وارتباطها التبعي بالاستعمار والإمبريالية والكيان الصهيوني، وما حملته هذه الجماعات من ممارسات متخلّفة جهالية عصبوية متعصبة متطرّفة لا تطاق، ومن خلافات مستفحلة في ما بينها، فضلاً عما قدمت من فتاوى فتنوية ومخالفة لأبسط قواعد الشريعة كجهاد النكاح واستدعاء الأجنبي للتدخل في شؤون البلاد والعباد والاستعداء عليهما، وشحن المتطرّفين من بقاع الأرض كافة للقتال والاقتتال على الأرض السورية.
ما سبق وما تبع من نتائج وتداعيات أظهر بوضوح كم هو الفرق شاسع بين ما كانت عليه سورية وما أصبحت عليه بسبب الجماعات الظلامية وما يخطط لسورية تفكيكاً وضياعاً، كما أظهرت أن لا بديل من الدولة الوطنية السورية، وأن محصلة الصراع سترسم ليس مستقبل سورية فحسب بل مصير المنطقة، ومصالح قوى صاعدة تناهض الإمبريالية وتعمل على وضع حدّ لهيمنتها وتسلّطها على مقدرات الأمم والشعوب والدول، واشعالها الحروب والفتن.
تضافرت عوامل عديدة لتحقيق النصر السوري، ففي الداخل وقف الشعب والجيش والقيادة معاً لصدّ الحرب الدولية على سورية، بمساندة نزيهة من روسيا والصين وإيران ودول البريكس وفنزويلا وكوبا وكوريا الديمقراطية والمقاومة اللبنانية، وبدعم شعبي عربي معنوي، شكل نوعاً من الضغط على النظام الرسمي العربي.
فيما جرّب الغرب الأباعير والبغال والأسلحة والذخائر والصلف الإعلامي وما توصل إليه من تقنيات متقدمة وحرب إشاعات وفتاوى فتن وتحليل المحرمات وتحشيد إرهابيين جهاليين وأجهزة اتصال متقدمة وتدخّل غير مباشر ومباشر من الكيان الصهيوني، وفتحٍ لحدود دول الجوار لضخ السلاح والذخائر والمال والإرهابيين، واستخدام الأموال في إغواء البعض دولاً وحكومات وقوى وأفراد… ذلك كلّه لم يُجْدِ نفعاً في كسر إرادة السوريين وحلفائهم.
لكن ماذا بعد الانتصار الكبير الذي حققته سورية وحلفاؤها بنجاح انتخابات الرئاسة على هذا النحو المشرّف والتاريخي، في مواجهة «معارضة» مدعية لا تملك أي رصيد شعبي، كاذبة، عميلة، فارغة المحتوى، وخاصة «معارضة الخارج» والجماعات الإرهابية في الداخل.
حتما ستكون سورية بعد الانتصار على الأرض وفي الإعلام والانتخابات، غيرها قبل الأزمة وخلالها… اكتسبت الدولة بمكوّناتها من جيش وإدارة ومنظمات شعبية وأحزاب ومؤسسة رئاسة وشعب، خبرات إضافية وتجارب صقلتها الأزمة وأكسبتها المزيد من القدرات، وبيّنت أنها تملك لحمة وطنية أهم من دعاوى الفتن، ولا ينبغي إتاحة اختراقها تحت أي ذريعة أو ظرف.
انبرى للدفاع عن الدولة شبّان ونساء ورجال ومسنون من مختلف المناطق والمحافظات والفئات الاجتماعية، ممن لم يكونوا يوماً في واجهة اتخاذ القرار أو المسؤولية أو الانتماء لحزب، سواء كان في الحكم أو خارجه، ولم يسبق أن تحركوا وفق اعتبارات طائفية أو مذهبية أو انتفاع مباشر من النظام السياسي، فما دفعهم الى ذلك هو وعي أهمية الانتماء إلى الوطن والدفاع عنه، بغض النظر عن التفاصيل، فيما هرب من أداء واجب المسؤولية منتفعون وبعض أصحاب قرار وإن كانوا قلة قياساً بمن بقوا، ما يستوجب إعادة النظر بمعادلة الانتماء الحزبي، خاصة من قبل الأحزاب التاريخية الكبيرة وفي مقدّمها حزب البعث.
ما ينبغي ملاحظته أيضاً إعادة الاعتبار إلى المؤسسات الوطنية وتقوية شكيمتها باعتبارها عناصر بناء وارتقاء بالشعور الوطني والقومي من منظمات شعبية وطلائعية وشبيبية وجيش شعبي أو دفاع وطني فالحرب لن تضع أوزارها، طالما بقي احتلال لأرض عربية وكيان صهيوني، وإن استسلم بعض الأعاريب، فالعدو الصهيوني يريد استئصال العروبة وإسلام المنطقة المقاوم،،ليس لتنفيذ مآربه فحسب بل لاستكمال مشاريع الغرب الاستعمارية في منطقتنا.
لا بد من إعادة الاعتبار الكامل للزراعة، باعتبارها أساس القرار السياسي المستقل والأمن الغذائي، وأساس الصناعة الوطنية، وأن توفر النفط والغاز والطاقة البديلة وجميع عوامل الاستقرار الاقتصادي الأخرى. ولا بد من ربط التجارة الخارجية بالأصدقاء، بحيث لا تحدث العقوبات الاقتصادية الغربية آثاراً ضارة بليغة بالاقتصاد الوطني والقيمة الشرائية للعملة الوطنية، والتوقف عن إيداع مدخرات البلاد في المصارف الإمبريالية والتابعة لها.
إن محددات معينة من الممارسة السياسية كانت مناسبة في مرحلة معينة هي غيرها الآن، وهذا ما أدركته القيادة السياسية لسورية قبل نحو تسع سنوات، لكن أعداء سورية أدخلوها في نفق تلو آخر منذ سنة 2000 حتى الآن ذاك ما تناولنا في مقالات سابقة وكان مقصوداً إعاقة الاصلاحات، عبر توريط الدولة في إجراءات اقتصادية خاطئة كلفتها تراجع قاعدتها الشعبية، وانزياح بعضها الى جانب الإرهابيين كبيئات حاضنة قبل أن يعودوا ثانية الى أحضان الدولة، بعدما خبروا الممارسات الشاذة لهذه الجماعات.
فيما أحيطت سورية بـ «حلفاء» غير أنقياء كانت مهمتهم زجها في ما لا خير لها فيه قطر وتركيا وفرنسا لكن القيادة السورية ممثلة بالرئيس الأسد أحبطت المخطط، فلم يكن بعد فشل جميع محاولات التحجيم والاحتواء وحرف المسار سوى شن حرب مباشرة على الدولة الوطنية السورية وهذا ما حدث منذ 17 آذار 2011 حتى الآن.
أقول إنه لا ينبغي البتة العودة عن تحقيق الإصلاحات التي تكرس بخاصة التفاف أوسع القواعد الشعبية حول الدولة انتماءً ومصالح ووعياً، وبالضرورة ليست «إصلاحات اقتصاد السوق الاجتماعي» وهي مفردة محسّنة للردة عن الاشتراكية التي أنجزت استقلال سورية اقتصادياً وحققت لها أمنها الغذائي بعد عقود من الصبر والنضال والبناء الممنهج وشد الأحزمة على البطون، ومن حق سورية ألاّ تضيع تلك الإنجازات.
إن التدمير المذهل الذي أحدثته الثورة المضادة في سورية يستوجب تضافر جميع الأيادي والإمكانات والطاقات السورية ودعم الشعوب والدول الصديقة. إن إرادة العمل والبناء والإنجاز والانتصار تتوافر لدى شعب بلاد الشام متعدد الإثنية والقدرة، كما لا تتوافر ربما لدى أي شعب آخر، بقدر ما تعرض له على مدى التاريخ من حروب وغزوات ومطامع، وهي مهمات مطروحة بقوة أمام الدولة الوطنية السورية.
يبقى أخيراً أن تدقق سورية في أصدقائها سواء منهم قبل الأزمة أو خلالها أو ما بعدها، من استمر منهم، من سقط، من انتهز، من ضلّل، من تاجر بهذه الصداقة ومن لم يتاجر، ومن كان منهم جندياً مجهولاً أو معلوماً، من كان مستعداً لدفع دمه، ومن كان يجيد الظهور على الشاشات، من كان معها منذ البدايات ومن انحاز إليها بعدما رأى الكفة تنحاز إليها، من حاول التشكيك في أصدقائها ومن قرّب إليها الأصدقاء.
ليس لأحد، مطلق أحد، أن يزايد على الدولة الوطنية السورية، أو أن يدعي الحكمة بأثر رجعي. إنها مجرّد أفكار تخطر في البال، فالذين صنعوا النصر أولى وأدرى بشعابهم.