محمد شريف الجيوسي
لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية ولا الاتحاد الأوروبي قلقان على مصالحهما في مصر أو على ما مصير ما كُبلت به من اتفاقيات ومعاهدات ، جراء فوز أي من مرشحيْ الرئاسة المصرية ، بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية، سواء كان مرسي أو شفيق ، أو حتى لو بقي العسكر يتبأوون مقاعدهم ردحاً آخر من الزمن على رأس السلطتين التنفيذية والتشريعية .
بل إن وصول الرجلين إلى ( الدوْر الأخير ) يثلج صدر الغرب .. فالنظام السابق ( لم يكن يوماً إلا تابعا ومنفذا أمينا لإرادة الغرب وبخاصة واشنطن ) وممثل الإخوان المدعوم من مجلس الإرشاد العالمي في المانيا ، عقد صفقة كبرى مع واشنطن تمتد من المغرب حتى بغداد ، وهو مؤيد من بعض أطراف البترودولار والجماعات السلفية التي ترى فيه مقدمة للقفز عليه وصولاً للسلطة .
الطرفان أعلنا التزامهما المطلق بالمعاهدات الدولية ، ويعني الإلتزام بهذه المعاهدات ، الإلتزام بمعاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني ، ويعتبر هذا الإلتزام حجر الزاوية في علاقات الغرب بأطرافه كافة مع مصر.
ليس مهما لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تكون علمانياً أو مسلماً سنيا متشدداً ، أو شيعياً ، أو مسيحيا أو حتى قومياً أو يسارياً .. إو إرهابياً من القاعدة أو الطالبان أو ذاك المتأسلم اردوغان، عربياً أو تركياً أو إيرانيا ، أو كائناً من تكون ، وإنما أن تلتزم بتنفيذ المشروع الغربي بحرفيته في النظام أو البلد أو الحزب أو الجماعة أو العصابة التي تكون فيها ..
المهم أن لا تكون ممانعاً أو مقاوماً أو ثائراً أو محرضاً أإو باحثاً فيما لا يلبي مصالح الغرب في المنطقة العربية الإسلامية وفي مقدمة هذه المصالح أمن واستقرار وتفوق الكيان الصهيوني على دول المنطقة العربية منفردة ومجتمعة .
وعليه فكائنا من يكون حاكم مصر ليس مشكلة طالما أن إلتزام مصر بما وقع من معاهدات قائم ومحل التزام . لكن مرسي المنتمي لجماعة لها قيادة دولية على اتفاق مع واشنطن أقرب وأقدر تحقيق المشروع الغربي من شفيق الذي لا يملك إلا ميراث نظام زال نسبياً .
لكن الغريب أن يحتفل إخوان الأردن وسلفييه بفوز مرسي بمنصب الرئاسة المصرية ، والكل يعلم أن من فوّزه ليست أصوات إسلاميي الأردن ولا ابتهالاتهم ، وإنما أموال البترودولار .. واتفاق مجلس الإرشاد العالمي مع واشنطن والوهابيين الذين يكفرونهم ويكفرون سواهم ، والخائفين من عودة النظام السابق وليس تولهاً بهم والأهم التزامهم بالمعاهدات الدولية . مع ملاحظة أن النسبة الحقيقية للذين صوتوا لمرسي لم تتجاوزألـ 16% ممن لهم حق الانتخاب.
والأشد سوءاً تهويل إخوان وسلفيي الأردن بمعنى فوز مرسي ، والتلويح بتكرار ما حدث هنا في الأردن ، وهذا يعني فيما يعنيه إستباق إرادة الشعب الأردني التي ليست بالضرورة أن تتأثر إيجاباً بما حدث في مصر ، بل إن ما حدث يثير القلق من استثماره على نحوٍ يهدد أمن الإقليم وينال من استقرار البلد بزجه في صراع ليس له ولا يخدم مصالحه ولا يلبي انتماءه العروبي والإيماني ، وهو ما حاول الموقعون على بيان ألـ 100 أن يزجوا الأردن فيه.
ليس لإخوان الأردن التغول على الأردن بكليته أو على أي كان فيه ، ولا بد أن يفهم كل من يعلق آمالاً عليهم من الأردنيين، أن استلامهم للحكم فيه أوتبؤهم مواقع مؤثرة ، يعني منح المعاهدات الدولية ( شرعية ) إضافية ، والعبور إلى مشروع الوطن البديل ببزة ( اسلاموية ) بعد أن تُتوّج حماس في الضفة ( وهو مشروع سابق على ظهور الخريف العربي ) إذ ليس لإخوان الأردن ولا لغيرهم من إخوان أي بلد عربي أو مسلم أن يخرج عن إرادة مكتب الإرشاد العالمي .. بدليل أن حماس خرجت من دمشق عندما أُمرت بذلك وانزوت في قطر بجانب القاعدتين الأمريكيتين هناك، لقاء وعود تقترب من التنفيذ.
ويعني صعود إخوان الأردن إلى الواجهة القبول بالتطبيع مع الصهاينة ، مهما علا الضجيج اللفظي المغاير ، وعلى أي حال فإن تولي أحد مسؤولي إخوان الأردن لجنة مقاومة التطبيع جمد عملها عدة سنوات حتى العدوان على غزة أواخر 2008 ، حيث نشطت ، في تسخير قصد منه خدمة حماس أكثر منه مقاومة التطبيع.
لسنا ضد حماس قطعاً ، وقد سبق أن كتبت لصالحها ومشعل يعلم ، ولكننا ضد حماس عندما تؤول إلى ما آلت إليه بيدقاً في أيدي مجلس أقدام جل أعضائه في المقابر ، سنيناً وقدرات ومواقف مخجلة . ولسنا مع جماعة يصبح جل اهتمامها الوصول إلى السلطة بأي ثمن وعلى حساب أي شيء وضد أي كان ، إلا أن تكون ملبية في الجوهر لمصالح أعداء الأمة موضوعياً ومصيرياً .
albuhira@hotmail.com