يتهمني كثير من الزملاء أنني أبالغ في تقديري للقضاة واستقلالهم ونزاهتهم. وعلى كل هي تهمة لا أردها، «ويا ريت» كل التهم من هذا القبيل.
قرأت قرارات لقضاة أفاضل قديما وحديثا تعتبر لوحات فنية في العدالة وفهم صحيح القانون. وسأذكر أمثلة صغيرة في هذا المجال حتى لا يطول المقال؛ ففي إحدى القضايا تم اتهام شخص باغتصاب امراة «سيئة السمعة». وقدم محامي المتهم قرائن أن المرأة لها سجل حافل وأن الشرطة ألقت عليها القبض عدة مرات في أماكن مشبوهة. وفي قرار إدانة المتهم جاء ما يلي: «إن القانون عندما نص على العقاب على جريمة الاغتصاب كان يهدف إلى عقاب اغتصاب إرادة هذه المرأة وليس تقويم سلوكها».
وفي حالة أخرى طالبت إحداهن بتجديد رخصتها لقيادة السيارة فرفضت دائرة السير «لأنها تمارس أعمال القوادة والبغاء من خلال الصالون المرخص باسمها، وأنها تقوم باستخدام سيارتها الخاصة لاحضار الفتيات لممارسة اعمال الرذيلة»، كما جاء في رد النيابة العامة في لائحته الجوابية، فطعنت المرأة بقرار الرفض وجاء قرار المحكمة لصالحها. وقالت محكمة العدل العليا إن القانون أورد عددا من الشروط للحصول على رخصة السواقة وتجديدها وليس من بينها ما تم اسناده للطاعنة، وسندا لذلك قررت المحكمة إلغاء قرار سحب الرخصة التي تحملها المستدعية لبطلان السبب الذي قام عليه.»عدل عليا القضية رقم 382/2000 مجلة نقابة المحامين، الأعداد 7،8،9 سنة 2001، ص1381».
ومرة ثالثة ألقت الشرطة القبض على «بائعة هوى» وافدة مكررة قبل التسعينيات، وصدر قرار بإبعادها من الأردن بناء على تعليمات الأحكام العرفية التي لم تكن قد ألغيت بعد، وعند الطعن في القرار ربحت القضية. وجاء في القرار «أن إفصاح الإدارة عن سبب القرار وأنه لحماية أمن المملكة فقول مردود ذلك أن أفعالها وعلى فرض الثبوت هي جريمة عادية من اختصاص القضاء النظامي ولا يجوز إبعادها عن أرض المملكة حسب التعليمات العرفية العسكرية».
تعمدت الإشارة إلى قرارات معينة كانت المستدعيات فيها «بائعات هوى» للتدليل أن القاضي في بلد مسلم محافظ يطبق صحيح القانون فقط ولا يطبق وجهات نظره الشخصية في سلوكيات المتخاصمين حتى لو كانت بعيدة عن الأخلاق السوية، وأن السلطة التنفيذية تتوسع في تفسيرها للقانون ولا تجد من يردعها ويعيدها إلى الطريق الصحيح سوى القضاء النزيه المستقل.